منوعات وفنون
حاتم الكناني يكتب: في ذكرى عيسى الحلو
ما زالت تسطع في ذاكرتي العبارة التي صبغت صورة الروائي والقاص والصحفي عيسى الحلو، بأنه كاتب متأثر بالمذهب الوجودي.. وربما في ذلك الزمان الذي لازم مراهقتي العمرية والكتابية واستكشافي الأول، قد فتحت تلك العبارة أفق التساؤل والبحث عن “الوجودية”. فبها عرّف صانع أهم المختارات الأدبية والفكرية في السودان الدكتور على المك، عيسى الحلو في “مختارات من الأدب السوداني” .
ولعل كتابات عيسى الحلو ونبيل غالي وإبراهيم اسحق هي أحدث ما ورد في المختارات في ذلك الزمان.
في أوائل الألفية حيث لم ينتشر بعد الاستخدام المفرط للانترنت، ولم تولد وسائط التواصل الاجتماعي بشكلها الحالي كنا نتبادل نسخ الملفات الثقافية ومن بينها ملف عيسى الحلو، ولربما كان أكثر الملفات التي تغذي جدالنا.
“عيسى الحلو قال لازم يعمل حوار معاك”، يقول لي مأمون التلب، في إحدى ليالي مطبخ صحيفة السوداني في العام ٢٠١٦ وقتها لم أكن قد التقيت بعيسى الحلو من قبل، ومن فرط نشوتي برغبته في الحوار قررت أن أجرى الحوار معه وليس بمثل ما طلب.
أذكر أن لقاء واحدا جمعنا قبل حوالي أربع سنوات، وهو أول وآخر لقاء لي به.. فقد كنت بعد طلبه إجراء الحوار قد اقترحت لنفسي عمل حوار معه لصالح مجلة الحداثة.. وقد اقتنصت أحد أيام مجيئه إلى الصحيفة وذهبت إليه حاملا أسئلتي.. لم يكن حوارا بالمعنى السائد سؤال وجواب.. لكنه كان أقرب إلى محاولة كل واحد منا التعرف على الآخر.. ثلاث ساعات أو أكثر كانت ممتلئة بالتأمل العميق في مسائل الكتابة والصحافة والأدب، وتفرع الحوار ليشمل الموسيقى والغناء السودانيين.
يسألني عن آخر كتاب قرأته ثم يبدأ النقاش دون أن ينطفئ. وقد لمست فيه شخصا يقدس دأب الكتابة والقراءة والتأمل.
رحم الله الراحل الكاتب الكبير عيسى الحلو وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه ومحبيه وعارفي فضله الصبر والسلوان وحسن العزاء.