إخلاص نمر:
لم تتردد قوى الحرية والتغيير في إعلان حقيقة كانت (مدفونة) في داخلهم، طوال وجودهم في دائرة حكومة حمدوك، التي (احتضنوها) حتى لامست شعاب القلب والعواطف، وكانت تحت مشورتهم في كل شيء، فالرأي أولاً للحاضنة السياسية، تقترح وجود زيد وإبعاد عبيد و(كلو مع رئيس الوزراء).
لم نسمع وقتذاك، أن الحاضنة السياسية، قد زودت رئيس الوزراء، بآراء لا تتسق أو تخرج عن الطرح السياسي المتفق عليه، بمعنى أن كل شيء كان يسير وفق الحاضنة السياسية، ولا فكاك لحكومة حمدوك عن حاضنته، واستمر الحال كذلك إلى أن…
فضت الحاضنة الائتلاف مع رئيس الوزراء، ولوحت له بالوداع الأخير، وأعلنت الطلاق البائن، ولم يعد يعنيها ما يفعل، وذلك بعد اتفاقه مع رئيس مجلس السيادة الانقلابي وجماعته.
خرج الثوار من كل فج في الخرطوم والولايات والقرى والأرياف، ينددون بالاتفاق مع العسكر، الذين استلموا السلطة في الخامس والعشرين من أكتوبر من العام الماضي، وكان الانقلاب المشؤوم ،الذي بدأ بأول خطوة عملية في سجله الجديد، باعتقال حمدوك وأسرته في منزله بضاحية كافوري، والتي أنكرها رئيس المجلس الانقلابي وقال بالحرف الواحد (حمدوك معاي في البيت) وزاد نائبه في حديثه لقناة الجزيرة “حمدوك كان في منزله عشية إعلان قائد الجيش قرار حل حكومته، لكن زوجات الوزراء، الذين تم اعتقالهم هجمن على منزل حمدوك، فانتقل لبيت الضيافة بالخرطوم، وتم إرجاعه إلى منزله لاحقاً مع فرض الحراسة لحمايته”.
ماقاله نائب رئيس المجلس الانقلابي حميدتي، تناقلته في ذاك الوقت وسائل التواصل الاجتماعي، بسرعة الصاروخ، وأكثرت من السؤال، من هن زوجات الوزراء اللاتي (تهجمن) على منزل حمدوك؟ ورغم أنه لم يوضح كيفية ووسائل الهجوم إلا أن الأسئلة تدفقت وبشدة عما هو سلاح هذا الهجوم ؟ علق أحد الظرفاء قائلا “خلي بالك يكون مشن شايلات سكاكين المطبخ أو يد الفندك”.
لم يظهر المجتمع السوداني قناعة لما تفوه به الانقلابيين، ولكن الشارع السوداني أظهر قناعة تامة بالتخلي عن حمدوك، الذي ارتبط بالعسكر رغم الحب والتعاطف الذي وجده، عندما كان رئيسا للوزراء، والذي أهداه، حينها الشعب الشعر والغناء والمدح والثناء مايكفيه لعقود قادمة.
خرجت الشوارع هادرة، ومازالت ولن تقف أبداً وستظل تطالب بالحكم المدني وعودة الجيش للثكنات وحل الجنجويد، قدم الشباب أرواحهم فداء للوطن، تلك الأرواح التي انتاشتها سهام شرطة وأمن المجلس الانقلابي، وقناصته الذين اغتالوا (ماكس) بالأمس القريب، قرب صينية منزل الأزهري، وهو يرسل صوتا سلميا ورسالة للانقلابيين بألا مكانة لهم إلا الثكنات، فالديمقراطية والمدنية وحقوق المواطنة المتساوية والعدالة، هي السودان الذي يحلم به الثوار وأهلهم.
بعد هذا الملمح عما حدث ويحدث، وبعد غياب الحرية والتغيير إلا من بيانات هنا وهناك، كشف لنا منتدى تقييم إدارة الفترة الانتقالية، أن الحاضنة السياسية قد نسبت كل الأخطاء التي صاحبت تلك الفترة إلى رئيس الوزراء “نفضت يدها الحاضنة” إذ افصح طه عثمان قائلا “بعضهم في مكتب حمدوك انفرد بالمشهد السياسي أما وزير المالية إبراهيم البدوي فلقد أعلنها بدون لف ودوران بأن السبب في خروجه من الوزارة هو رئيس مجلس الوزراء”. أما وزيرة الخارجية هي الأخرى أمنت على أن السبب في فشل الفترة الانتقالية هو حمدوك نفسه، إذ قالت وبملء الفم” إن الدولة أصلا كانت دولة ظلال والمواقع السياسية، كانت معمولة للابتزاز السياسي وللنخاسة السياسيين، وبالتالي الوظائف السياسية خالية من المهام، وإن الوزراء كانوا موظفين بس” وسؤالي يا دكتورة “سكتي ليه في ذاك الوقت؟؟ لماذا لم تقدمي أي اعتراض على حكاية موظفين دي”..
ظليست مريم وحدها من نزل بالسياط على ظهر الفترة الانتقالية، بل كل من شارك في (الوظائف)، وسؤال (بريء والله) لماذا سمحت الحرية والتغيير لنفسها كحاضنة سياسية في الاستمرار مع رئيس الوزراء رغم علمهم الكامل بكل ما كان يجري في ذاك الزمان والذي أصبح الآن هواءً ساخنا ضاقت به الصدور فخرج للعلن.