منوعات وفنون

على حواف محمود درويش

أبوعبيدة الشيخ الفادني:

هو شاعر فلسطيني يمتزج شعره بالثورة والوطن والحبيبة، كان يحمل قضية فلسطين أينما حل وارتحل، يكفي أنه قال (القدس عصير البلابل) تحدث عن حالة الهجرة ومعسكرات النزوح بسبب الاحتلال.

وحالة فقدان الوطن عند درويش ليست ثمة أرض أو رقعة جغرافية لكنها ذاكرة مكان تجمع الوعي والقيمة والتراث المحفور في ذاكرة الناس والوطن الممتد المتطاول في الأمد.

الوطن هو الأم الحبيبة والرفاق كما أن القهوة لها دلالة رمزية تحمل أكثر من معنى، من إعدادها حتى المؤانسين.

القدس كهوية..

فالصراع على القدس هو صراع على معنى الوجود الوطني الفلسطيني وعلى روح هذا الوجود. وهو أيضا صراع على المعنى الإنساني الشامل لمدينة المحبة والسلام القدس.

القدس حقيقة تاريخية مأهولة لا بكلام أنبيائها فحسب، بل بأبنائها الأحياء الذين يحتاجون إلى خبز المسيح قبل نبیذه، ويحتاجون إلى تطوير البنية التحتية ليسندوا إليها حافة السماء.. ) ويستطرد درویش قائلا:

القدس ليست فكرة فقط، بل هي أيضا مجتمع عربي يتعرض لتدمير البنى والهوية تدميراً منهجيا.

لذلك قد تلحق لغتنا السياسية الأذى بالقدس -الوطن، إذا ما اكتفت هذه اللغة بالبحث عن حقنا في الصلاة والحج، ورجحت البعد الميتافيزيقي على البعد الوطني والسياسي والاجتماعي.

العنوان الجديد، ضوء العتمة والحجر الذي اختاره درویش للقطعتين يبرز مرة أخرى التناقض بين صورة القدس في الأسطورة الصهيونية وبين صورة القدس، المدينة – الوطن في الواقع، ويشير من خلال التوازي المتعاكس الوضع القطعتين، إلى عدم رغبة الشاعر في أسطرة مقابلة للمدينة في الوعي الفلسطيني.

ضوء العتمة والحجر (لاحظ الإرداف الخلفي في ضوء العتمة) هو الضوء الطبيعي للقدس وهو يكفي لتجربة التجلي التي يشهدها الشاعر وهو داخل السور القديم (في القدس):

كيف يختلف الرواة على الضوء في حجر؟

أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب؟

أسير في نومي أحملق في منامي

لا أرى أحدا ورائي لا أرى أحدا أمامي

كل هذا الضوء لي
أمشي أخف أطير

ثم أصير غيري في التجلي.

الحنين إلى الوطن

ما هو الوطن؟ ليس سؤالا تجيب عليه وتمضي إنه حياتك وقضيتك معاً. فارسٌ يُغمد في صدر أَخِيِه خنجراً بإسم الوطنْ ويُصَلِّي لينال المغفرةْ.
ما هو الوطن.. هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض.. ليس الوطن أرضا.. ولكنه الأرض والحق معاً.. الحق معك، والأرض معهم. خبئي الدمع للعيد فلن نبكي سوى من فرح
في الهدوء نعيم وفي الصمت حياة وما بين الإثنين تفاصيل لا أحد يدركها.

الحنين
وليس لنا في الحنين يد وفي البعد كان لنا ألف يد سلام عليك، افتقدتك جداً وعليّ السلام فيما افتقد..

الحبيبة
حتى الحبيبة لم تنجو من العدوان، وهو تعبير عن الحالة التي تنتاب الواقع الفلسطيني يكون نتاجها المفقودات كثيرة منها قلبا كم أحببته ولكن لم ينج شبح الموت وكترميز لهذا المعنى كان نص ريتا يقول فيه:
بين ريتا وعيوني … بندقية
والذى يعرف ريتا
ينحني ويصلي لإله في العيون العسلية
وأنا قبَّلت ريتا عندما كانت صغيرة
وأنا أذكر كيف التصقت بي وغطت ساعدي أحلى ضفيرة
وأنا أذكر ريتا مثلما يذكر عصفورٌ غديره
آه … ريتا بينما مليون عصفور وصورة ومواعيد كثيرة
أطلقت ناراً عليها … بندقية
اسم ريتا كان عيداً في فمي
جسم ريتا كان عرساً في دمي

الأم
عند محمود درويش هي الحبّ والعطاء والحنان والتّضحية، وهي أنهار لا تنضب ولا تجفّ ولا تتعب، متدفّقة دائماً بالكثير من العطف الذي لا ينتهي، وهي الصّدر الحنون الذي تُلقي عليه رأسك وتشكو إليه همومك ومتاعبك، الأم هي التي تعطي ولا تنتظر أن تأخذ مقابل العطاء، وهي التي مهما حاولتَ أن تفعل وتقدّم لها فلن تستطيع أن تردّ جميلها عليك ولو بقدر ذرة صغيرة؛ فهي سبب وجودك على هذه الحياة

أحنُّ إلى خبز أمي
وقهوة أُمي
ولمسة أُمي..
وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
وأعشَقُ عمرِي لأني
إذا مُتُّ
أخجل من دمع أُمي !
خذيني ، إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهُدْبِكْ
وغطّي عظامي بعشب
تعمَّد من طهر كعبك
وشُدّي وثاقي..
بخصلة شعر..
بخيطٍ يلوَّح في ذيل ثوبك.

القهوة
القهوة عند درويش هي الرفاق لذلك قال إن اعادوا لنا قهوتنا  فمن يعيد لنا الرفاق
كما أن القهوة لها أوقات ودلالات ألم يقل إن القهوة هي بنت الوقت فهي الأم والأصدقاء ولذات فلكل فهو ظروفها الموضوعية وشروطها الوجودية،
فهنالك قهوتي وقهوة أمي وقهوة اصدقائي هنالك قهوة كعصير العطر يعني أن صاحبتها تعتني بجمالية الأشياء ويقول أيضاً في عشقه للقهوة:

أُريد رائحة القهوة
لا أريد غير رائحة القهوة ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة
رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدميّ، لأتحول من زاحف إلى كائن، لأوقف حصتي من هذا الفجر على قدميه
لنمضي معًا، أنا وهذا النهار ، إلى الشارع بحثًا عن مكانٍ آخر.

وفي حديثه عن بعض الفترات التي قضتها بيروت تحت نيران الاحتلال الصهيوني قال:

كيف أذيع رائحة القهوة في خلاياي، وقذائف البحر تنقضٌّ على واجهة المطبخ المطل على البحر لتنتشر رائحة البارود ومذاق العدم؟

ثم يتحدث عن القهوة وإدمانه لها فيقول:

والقهوة لمن أدمنها مثلي هي مفتاحُ النهار
والقهوة لمن يعرفها مثلي هي أن تصنعها بيديّك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت. الفجرُ، أعني فجري، نقيضُ الكلام
ورائحة القهوة تتشرّب الأصوات، ولو كانت تحيةً مثل “صباح الخير” وتفسد.

وبعدها يقول:

لذا فإن القهوة هي هذا الصمتُ الصباحي، الباكِر، المتأني والوحيد الذي تقف فيه وحدك، مع ماء تختاره بكسل وعزلة في سلام مبتكر مع النفس والأشياء، وتسكبه على مهل وعلى مهل في إناء نحاسيّ صغير داكِن وسريّ اللمعان، أصفر مائل إلى البنّي، ثم تضعه على نار خفيفة.. آه لو كانت نار الحطب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق