صحة وبيئة

سيول وأمطار السودان.. ملامح أزمة التغير المناخي في العالم

زمجرة المناخ.. جفاف أوروبا أين الطرق؟

الساقية برس- إخلاص نمر:

يستقبل السودان تغيرات مناخية شرسة، بدأت منذ أشهر بارتفاع درجات الحرارة، إضافة لما يحدث هذه الأيام من سيول اجتاحت قرى ومدن البلاد ، في ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وكسلا ونهر النيل وربما ولاية الخرطوم قريباً.

عالمياً، تواجه أوروبا جفافا مريرا بسبب المناخ الذي تعرضت له، الأمر الذي جعل مستويات المياه في انخفاض ملحوظ، كما حدث لنهر التايمز في انجلترا، وبو في إيطاليا والدانوب في المجر وجواديانا في اسبانيا ولورا في فرنسا، ومرد ذلك موجات الحر الشديدة.

وأوردت صحيفة القارديان البريطانية في تقريرها قبل أيام (أن الطقس الجاف حول الكثير من الممرات المائية في أوروبا إلى قطرات صغيرة، ماجعل المفوضية الأوربية تقول إن بعض الأجزاء من أوروبا معرض للجفاف بنسبة 44%، الأمر الذي يجعل المقومات الحيوية الرئيسية في خطر واضح، من الصناعة والشحن وإنتاج الغذاء ونقص الإمدادات، وارتفاع الأسعار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا).

هايد بارك.. ملامح أخرى..
تحول عشب حديقة هايد بارك الشهيرة، إلى آخر جاف، وأصبحت الأشجار جرداء، وفقدت اللون الأخضر، وهي الحديقة الأشهر التي يؤمها السياح من كل بلد عربي وغربي وكافة أنحاء العالم، لكن بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستوى مياه الأنهار تغيرت ملامحها.

أزمة..
ماحدث في أوروبا يلفت النظر إلى أزمة التغير المناخي، فالحرائق أيضا قد التهمت الغابات، في اسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا، مع نقص الأمطار ، الذي أدى إلى جفاف طبقات التربة، فما عادت الأشجار والنباتات تحصل على المياه الكافية، فالجفاف في فرنسا وحدها ترك أثره القاسي على الفلاحين رعاة الماشية، بجانب عدم توفر المياه اللازمة للري والذي سيؤثر حتما على إنتاج القمح.


معالجة..
في السودان نستقبل تغيرات مناخية شرسة، بدأت منذ أشهر بارتفاع درجات الحرارة، إضافة لما يحدث هذه الأيام من سيول اجتاحت قرى ومدن البلاد ، في ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وكسلا ونهر النيل وربما ولاية الخرطوم قريبا، فالخسائر والأضرار التي شهدتها الولايات المتأثرة، تبعث بأهمية معالجة آثار التغير المناخي في الوطن الهش، ولكن قبل ذلك استباق حدوثها، بسن وتوفير كافة التدابير للتكيف مع التغير المناخي ،مايتطلب العمل بجهد كثيف من أجل ذلك.

كابوس بيئي..
“التغيرات المناخية لها آثار كثيرة وهذه الآثار هي الأسوأ الذي حذر منه العلماء، وبإسقاط هذه الآثار على بيئتنا اليوم، ومايواجهه العالم فهو التحدي الأكبر، الذي يواجه الجنس البشري من علماء ومنظمات وحكومات”. هذا ما ابتدر به الحديث الدكتور محمد المكي علي البدوي، عميد كلية الموارد الطبيعية والدراسات البيئية جامعة سنار، استاذ علم الطيور، والناشط البيئي المعروف.
وأضاف البدوي” هنالك آثار عالمية لها تأثيرات مباشرة على السودان مثل زيادة وتكرار الفيضانات، وهذا يحدث في كثير من بقاع العالم كذلك ذوبان الجليد في القطبين، وهو مايؤدي إلى غرق المدن الساحلية، وارتفاع مستوى سطح البحار نتيجة لذوبان الجليد،
و تغير نمط هطول الأمطار من حيث الزمان والمكان، وهذا مايحدث بالفعل في السودان منذ سنوات ليست بالقليلة وهذايقود إلى أثر آخر هو تزحزح حزام الزراعة شمالا وتغير مواعيد زراعة المحاصيل، وأماكن زراعتها، وسيكون السودان ضمن الدول المهددة التي تعتمد على الزراعة، مع ظهور آفات جديدة مقاومة للمبيدات”.
وأردف البدوي أن
الأمطار ستكون أكثر في مناطق وأقل في مناطق أخرى، و سيفاقم ذلك من حدة الجفاف والغطاء النباتي، وإذا اخذنا السودان ومايحدث فيه من إزالة للغابات، وعدم تعويض بإعادة التشجير والزحف الصحراوي المتصاعد، بمعدلات متسارعة، فإن ذلك سيؤثر على الحيوانات الأليفة والإنسان والحيوانات البرية، ونخسر مساحات شاسعة من السودان. والسودان كباقي الدول الفقرة ليست له سياسات وخطط استراتيجية واضحة لعدم الاستقرار السياسي، مايجعله مكشوفا وعرضة لأي تغيرات فجائية او متدرجة.
ويرى المكي أن العالم مواجه بكابوس بيئي ونتيجة لذلك يظهر شبح المجاعة العالمية، – الذي يشير إلى أنه الأسوأ- نتيجة لتلوث التربة التي لم تعد تنتج محاصيل كافية وجيدة، ولانسقط من حساباتنا تلوث الهواء وتلوث الماء وتسمم الكائنات الحية، وقد تنبأت التقارير بأن السودان، سيكون منقذاً للعالم لصلاحية أراضيه، لكن في ظل الأوضاع غير العلمية والمهددات التي تحبط بالبيئة السودانية، من ملوثات بفعل التعدين والمبيدات الكثيفة والأسمدة فإن ذلك يبدو مستحيلا وسنكون محظوظين إذا وفقنا في انقاذ ماتبقى من البيئة السودانية.

وفي سؤال للدكتورة تاجوج الأستاذ بجامعة بحري كلية البيئة والموارد الطبيعية، حول ما ذكره الأمين العام للأمم المتحدة منتصف شهر يونيو، في مؤتمر القمة العالمية النمساوية في فيينا، و أسماه(فوضى مناخية)، قالت تاجوج إن تغير المناخ هو التباين في المناخ على المستوى العالمي أو الإقليمي وهو يعكس التغيرات في تقلبات الجو أو متوسط الحالة الجوية على مدى نطاقات زمنية تتراوح بين سنين وعقود، ويمكن أن تحدث هذه التغييرات نتيجة لعوامل طبيعية كالتغيرات الداخلية للأرض، أو بسبب القوى الخارجية مثل الاختلافات في كثافة أشعة الشمس، أو الأنشطة البشرية كما يحدث في السنين والعقود الأخيرة، مايعد أحد الأسباب الرئيسية والمهمة للتغيرات المناخية، على مستوى الكرة الأرضية.
وقالت إن ماذكره الأمين العام للأمم المتحدة حول الفوضى المناخية ينبئنا به مايحدث الآن، فالعالم مهدد بفوضى مناخية إذا استمرت الدول بعدم التزامها بالتعهدات والاتفاقيات الدولية، بشأن الالتزام بتقليل الانبعاثات الناتجة والمؤثرة بصورة كبيرة على مناخ الكرة الأرضية
و أردفت “كان الهدف الأساسي من هذه الاتفاقيات حث الدول الرأسمالية والمتقدمة على المساه في تقليل الأثر السلبي للتغير المناخي، حيث أنها تعتبر من المسببات الأساسية للظاهرة، وبعد عدم مصادقة كثير من الدول على الاتفاقيات الملزمة، وعدم إيفاء كثير من الدول المصدقة على الاتفاقيات بالتزاماتها المالية، فإن العالم مهدد بهذه الفوضى، خاصة مع الزيادة والارتفاع المستمر لدرجات الحرارة، فقد صار العالم اليوم أكثر حرارة مما كان عليه قبل الثورة الصناعية.

وحسب توقعات الفريق الدولي لتغير المناخ فإنه إذا لم يتم التقليل والحد من انبعاثات في فترة وجيزة، فالعالم موعود بارتفاع كبير في درجات الحرارة قد تصل إلى 3.0 درجة مئوية، لذلك فمن المهم جداً حسب تقارير الأمم المتحدة والفريق الدولي للتغير المناخي، الإبقاء علي درجات الحرارة في الحد بين 1.5 درجة مئوية إلى 2.0 درجة مئوية.

وبدا التطرف المناخي والفوضي المناخي أكثر وضوحاً في الفتره الأخيرة، ولقد شوهدت العديد من الظواهر المناخية، وبدت الكوارث تحل على العالم بلا هوادة طوال فصل الصيف، بدءا من الفيضانات بغربي أوروبا والصين، وانتهاء بحرائق الغابات في سيبيريا، والغرب الأميركي،حيث عانت عددا من الدول من مظاهر مناخية لم تكن موجودة من قبل، أو لم تكن بنفس الشدة، فعلي سبيل المثال، تعرضت الصين وبنغلاديش، لفيضانات عارمة ناجمة عن هطول أمطار غزيرة، وسجلت بعض المناطق في بريطانيا درجات حرارة اقتربت من 40 درجة، وهو رقم لم تسجله منذ نصف قرن، وكذلك الحال في عدد من الدول الأوروبية، خصوصا فرنسا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا التي رفعت مستوى الإنذار لديها إلى الأحمر.
كما تشهد بعض دول الخليج العربي (الإمارات وقطر) إلى جانب إيران، هذه الأيام حالة من التقلبات الجوية، وموجة طقس عنيفة، من حيث هطول أمطار غير مسبوقة، على عدد من المناطق والأحياء السكنية، ما أسفر عن وقوع وفيات وإصابات، وألحق أضرارا جسيمة بالطرق وبعض المباني السكنية.

كل مانشهده من ظواهر غير مسبوقه، قد يكون بداية فعلية بصوره واضحة وكبيرة للفوضي المناخية، بحسب حديث الأمين العام للأمم المتحدة.

الأسوأ..
ويقول المهندس الخاتم الأمين، مستشار الأغذية والبيئة والمياه، من وجهة نظري اننا في السودان تحديداً علينا أن نأخذ هذا التحذير على محمل الجد وإلا سنتعرض للكوارث الكبيرة والتي لانمتلك نظام دفاعي وامكانيات مادية وتكنولوجبة لمواجهتها، إذ أن فوضى المناخ على سبيل المثال وارتفاع دجات حرارة الكون ستؤثر على الحياة البحرية، في مياه البحر الأحمر من اختفاء للجزر السياحية، كجزيرة مقرسم (قلب العالم) وجزيرة سنجنيب، واختفاء الشعب المرجانية. هذا من ناحية اقتصادية إذ نكون قد فقدنا بعض الموارد.

والأسوأ، الفيضانات والسيول التي ستقضي على كافة أشكال الحياة على كوكب الأرض قاطبة، كما أن ذلك يعتبر مهددا للغطاء النباتي، وسنشهد حرائق الغابات وإن تبقت حياة سنشهد الطفرات الجينية في المواليد وتشويههم، نتاج لتلوث الغذاء، كتأثير غير مباشر، كما أن الآثار المتراكمة على البيئة مرشحة للظهور بنسبة كبيرة نتيجة انبعاث الغازات الدفيئة والانبعاثات من مداخن المصانع، التي ستؤثر في ثقب طبقة الأوزون، والتي بدورها ستتفاعل في الغلاف الجوي وتنتج الامطار الحمضية (acid rain).
وزاد الأمين، “إن هذه وحدها كفيلة بتدمير الأحياء والأشياء، جمادات كانت، أوكائنات حية”.

حرب كونية..
وقال الأمين إن أبلغ دليل على اقتراب هذه الكوارث من طرف ثوبنا، هو هطول الأمطار في غير مناطق السافنا كالإقليم الصحرواي وشبه الصحراوي، في شمال السودان، ما أثر على التركيبة المحصولية في شمال السودان، كإنتاج التمور على سبيل المثال، كذلك ارتفاع معدل هطول الأمطار في إقليم النيل الأزرق، يلاحظها كل متابع لحركة الزراعة هناك، إذ أن هناك ملاحظة خروج محاصيل مثل السمسم والذرة من مناطق الإنتاج، في غرب وشرق النيل الأزرق، ما أثر وسيبلغ الأثر أكبر مدى له في قادم الأيام على حالة الأمن الغذائي والتغذوي في عموم البلاد ومنطقة القرن الأفريقي، أضف لذلك قيام سد النهضة ورغم عدم إطلاعي علي دراسة لتقييم الأثر البيئي، إلا انني أتوقع تعقيد المشهد البيئي تماما، وأتوقع الأثر السلبي والإيجابي على التغير المناخي.
ويقول الأمين، خلاصة القول اننا مهددون في نظامنا البيئي، تهديداً يستوجب الاستعداد لحرب كونية، هذه المرة ليست حربا بين بني البشر، ولكنها ستوحد كل الإنسانية، في مواجهة تغيرات المناخ وعلينا أن نشارك بمجهودنا فيها، تخفيفا لآثارها وإلا فإن القادم أسوأ.


أزمات واضطرابات و”ردة”..
وفي ذات السياق يؤكد دكتور أبوبكر الصديق الخبير، بالمنظمة الدولية للأرصاد على أن مفهوم الفوضى المناخية، يجب فهمه في سياق الأزمات الحالية الموجودة في العالم، فهناك تصاعد مستمر في درجات الحرارة، بسبب التغير المناخي وانبعاث الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وهناك أزمات في الخلافات الدولية أو الاضطرابات السياسية، وزاد قائلا “الحرب الأوكرانية الروسية، أثرت على قطاع الطاقة بلا شك وخلقت اضطرابا عاما وبدلا من أن تكون هناك اتفاقيات عالمية لتخفيف آثار المناخ، كانت التأثيرات السياسية واضحة في تأثير ذلك على سوق إنتاج الطاقة، فروسيا أوقفت إمداد الغاز إلى أوروبا وأدى ذات الاضطراب السياسي لعودة استخدام الفحم وهو من أسوأ الملوثات والخيار الأسوأ، الذي يعقد المشكلة، أكثر مايعني ردة حقيقية، فالاضطرابات خلقت هذه الفوضى”.

وأخيراً يبقى النداء العاجل لإنقاذ الولايات المتضررة في السودان.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق