تاج السر محمد حامد:
مجموعة من التساؤلات تدور فى مخيلتى، لماذا تنكروا لمؤهلاتهم وغيروا خطوط هويتهم ؟ لماذا أصبحت الشهادات الجامعية ضوءا خافتا أمام بريق المال ؟ لماذا غيروا هويتهم وأداروا ظهورهم لرحلة طويلة قضوها مع صفحات الكتب ؟ ولماذا هانت عليهم هكذا سنوات العلم وصار حصادها رخيصا فى عيونهم ؟ علامات إستفهام كثيرة نضعها أمام الطبيب الذي ترك المشرط وكتاب الدواء ليسوق قطيعا صامتا في الصحراء؟ وأمام المهندس الذى رفض أن يرفع بعلمه البنايات وأكتفى بالسير ليلا ونهارا ؟ الإجابة المؤلمة والتى تفقع المرارة نجدها عند هؤلاء الطلاب الذين نسوا وتناسوا شهاداتهم العلمية من أجل المال.
شاب جامعى يعمل راعى ماشية فى حلقة الأغنام، يقول هذا الشاب أبرز الأسباب التي دعتني لامتهان عمل كهذا (محدودية الفرص) التي تعرض علينا فى السودان، فجميع الذين قدموا لنا فرصا للعمل كانوا تجار ماشية، وأنا لا أذيع سرا إذ قلت إن العمل بالمملكة حلم يراود كل خريج جامعة مثلى وأمنية يسعى إليها فى ظل ما نعانيه من ظروف إقتصادية قاسية .. ونحن بإعتبارنا شبابا نحسبها بالورقة والقلم فنجد إن السفر فرصة عظيمة.. والعمل راعى أغنام يدر دخلا ماليا مجزيا إذا قيس بمقدار ما نتقاضاه داخل بلادنا إذا عملنا عملا رفيعا ..
فنحن مطالبون بتأمين لقمة العيش لأهلنا اولادنا وكذلك مواجهة المطالب الحياتية الملحة .. لذا لا بد أن نرضى ونقبل بهذا العمل حتى لو كان لا يتناسب مع مؤهلنا الدراسى .. فانا احمل الشهادة الجامعية وعندما حضرت للمملكة طلب منى كفيلى العمل بهذه المهنة وبالفعل رضخت للأمر الواقع.
وشاب آخر يحمل دبلوماً صناعياً ويعمل (معلف أغنام) ويقول أنا لم أعمل في ذلك من قبل ولم أعرف أصول هذه المهنة الشاقة إلا فى حلقة الأغنام والماشية، فقد كنت فى السودان أدرس واتعلم من أجل مستقبل مشرق إلا أن ظروف الحياة أجبرتني على إمتهان هذه المهنة، وقد عانيت منها فى البداية كثيراً لكن بعد الممارسة والإحتكاك بالآخرين وبعد جهد جهيد فى التأقلم والوضع أحببت المهنة وأصبحت أجني من ورائها رزقا حلالا ودخلا ماديا طيبا، وأصبحت أشعر بأنني أمارس هوايتي فى هذه المهنة.
وهناك خريج جامعي (محاسب) ويعمل راعي أغنام قائلا حضرت للمملكة بفيزا راعي ماشية بينما كنت بالسودان أدرس وأتعلم فى الجامعة وتخصصت فى المحاسبة وانتهى بى المطاف فى حلقة الأغنام، إلا أن الأمر فيه كثير من الواقعية صحيح إننى عانيت فى البداية إلا أن التأقلم ضرورى فى مثل هذه الحالات وظروف الحياة تحتم على الإنسان أن يتنازل عن أحلامه وطموحاته احيانا، فقد تبخرت أحلامى فى حلقة الأغنام وهذا هو نصيبى .
وآخر يحمل دبلوماً صناعياً لكن البخت ضائع فى حلقة الأغنام، وذكر قائلا بأنه يعمل فى هذه المهنة منذ (15) عاما ونسيت من خلالها كل الذي تعلمته فى أيام الدراسة بالسودان وأصبحت كما ترون .
وهنا أسمحوا لي أن أقف قليلا لنسمع رأى مسؤولي السودان تجاه هذه القضية المهمة، والله المستعان .