مقالات
معالم من تاريخ السودان السياسي (1821 – 2021) (3)
د.عبد الكريم الهاشمي:
1
إن التاريخ كما يقول سفيان الثوري هو العمق الاستراتيجي لمن يبتغي صناعة المجد في الحاضر و المستقبل. فمن الغباء إنسلاخ أمة عن تاريخها أو إحتقاره وعدم الإعتبار به. نواصل ما سبق من إضاءات حول معالم ومحطات رئيسة في التاريخ السياسي السوداني إستكمالا لما جاء في المقالات (1) و(2).
قطعت بريطانيا وعدا بإعطاء مستعمراتها حق تقرير المصير
إذإ ما إنتصر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية (1939 -1945م) إلا أن الإدارة البريطانية ظلت تتماطل في انجاز هذا الوعد عقب انتهاء الحرب لأسباب عديدة من اهمها الإبقاء على السودان تحت السيادة البريطانية والتي كانت تخشى عليها من الاستئثار المصري فانتهجت سياسة “علي وعلى أعدائي” فعملت بجد في تقوية الاتجاه الداعم لاستقلال السودان لدى الإنتليجنسيا السودانية بدلا من الإتحاد مع مصر. كان العام 1942م معلما بارزا في تطور الحركة الوطنية حيث تقدم مؤتمر الخريجين بمذكره شهيرة للحاكم العام “هربرت هدلستون” مستفيدة من معاهدة (الأطلنطى) عام 1941م والتى نصت على إعطاءالشعوب المستعمَره حق تقرير مصيرها بعد نهاية الحرب حيث قاموا بصياغة مذكره عرفت بمذكرة الخريجين وذلك في 3 أبريل 1942م من أهم المطالب التي وردت فيها المطالبة بتقرير مصير السودان وحق السودانيين فى إدارة شأن بلادهم وإلغاء قانون المناطق المقفوله والغاء السياسة البريطانية الرامية لفصل الجنوب عن الشمال. رفضت مذكرة مؤتمر الخريجين بخطاب شديد اللهجه وصف السكرتير الإدارى (دوجلاس نيوبولد) المؤتمر بأنه لايمثل أى هيئه سياسيه وليس من حقه تقديم هذه المطالب الأمر الذي احدث توترا حادا في العلاقة بين الإدارة البريطانية ومؤتمر الخريجين. لتلافي تداعيات رفض مذكرة مؤتمر الخريجين اعلنت الإدارة البريطانية انها بصدد وضع تصور يمكن السودانيين من إدارة شأنهم وفي عام 1941 – 1942م وضع السير دوجلاس نيوبولد السكرتير الإداري تصوراً للمجلس الاستشاري لشمال السودان دون الجنوب والذي أصبح في عام 1945م الجمعية التشريعية. قوبلت فكرة المجلس الاستشاري برفض كبير من المؤتمر بل هددت لجنة المؤتمر بفصل كل من يشترك من اعضائه في المجلس وذلك لعدم جدواه حيث لا يملك سلطات تشريعية كما انه يهدد وحدة البلاد وذلك بإستثناء الجنوب من عضويته. إن مقاطعة المجلس الإستشاري التي تبناها المؤتمر كانت محل نزاع بين اعضائه حيث نجحت الادارة البريطانية فى إستمالة بعض قيادات مما أدى لإنشقاقات داخل المؤتمر نفسه فظهرت طائفة عرفت بالمعتدلين يتزعمه الاستاذ إبراهيم أحمد وهؤلاء كانوا يفضلون التعاون مع الإدارة البريطانية والعمل معها في المجلس الاستشاري الذي تنتوي الإدارة البريطانية تشكيله ومن اهم الشخصيات التي تساند هذا الفريق السيد عبد الرحمن المهدي ومن ورائه طائفة الانصار فضلا عن تأييد الإدارة البريطانية. بينما ترى المجموعة الأخرى التي يتزعمها السيد إسماعيل الازهري معارضة الإدارة البريطانية وعدم الاشتراك في المجلس الاستشاري وهؤلاء عرفوا بالمتطرفين ومن الشخصيات المهمة التي تقف إلى جانبهم السيد علي الميرغني ومن خلفه طائفة الختمية وهؤلاء كانوا أقرب لفكرة الإتحاد مع مصر ومن ثم الإستقلال عنها كتكتيك سياسي. كانت المنافسة بين الفريقين محتدمة فى إنتخابات لجنة المؤتمر وكان عادة ما يفوز بها فريق إسماعيل الازهري ففى العام 1945م جرت إنتخابات الدورة الثامنة للمؤتمر وفاز فيها فريق إسماعيل الأزهرى مما دفع مجموعة إبراهيم أحمد للإستقالة من المؤتمر الأمر الذي تسبب في انهار المؤتمر. ونتيجة لهذا الخلاف الذي حدث في العام 1945م إنفصل المعتدلون عن مؤتمر الخريجين وكونوا حزب الأمة بالتضامن مع السيد عبد الرحمن المهدي وطائفة الأنصار بينما كونت مجموعة المتطرفين حزب الاشقاء بمساندة السيد علي الميرغني وطائفة الختمية وهذين الحزبين كانا أول حزبين رائدين في الحركة الوطنية فضلا عن بقية الاحزاب والتي لم تتجاوز وقتئذ اصابع اليد الواحدة. اضطلعت الأحزاب السياسية الوطنية بمهام عظام حيث انتظمت جموع السودانيين تحت رايات هذه الأحزاب وتوحدت الإرادة السياسية الوطنية صوب تقرير المصير ونيل الاستقلال.
2
لم تغب المنظمات الفئوية ومنظمات المجتمع المدنى او ما اصطلح عليه حديثا بالقوى الحية عن الحركة النضالية التي بدأت في التشكل حيث كان لها دور كبير فى الحركة الوطنية ظهرت باكرا بمناهضة الحركة العمالية التي اجبرت المستعمر للاستجابة لمطلبها الخاص بقيام أندية العمال وكان ذلك العام 1934 حيث أصبح لها دور تثقيفي وتدريبي وسياسي في مناهضة الاستعمار من خلال المطالبة بقيام التنظيمات النقابية وانتشار الصحف الحائطية والمسارح العمالية وقد صدرت أول مجلة عمالية في عام 1946م باسم “العامل السوداني” كما تكونت في العام 1947م هيئة شئون العمال بالسكة الحديد وتتابعت مكتسبات الحركة العمالية بإصدار أول قانون للعمل ولائحة تسجيل النقابات في العام 1948م. وبذلك اكتسبت الحركة النقابية السودانية شرعيتها واستمدت قوتها فنشأ أول مؤتمر عمالي في 18 مايو 1949 والذي اعقبه قيام الاتحاد العام لنقابات عمال السودان في نوفمبر 1950م.
كذلك كان للطلاب دور عظيم في إثراء الحراك النضالي حيث شكلت كلية غردون “جامعة الخرطوم لاحقا” رأس الرمح في حركة الوعي السياسي والاجتماعي منذ ميلادها حيث شهد العام 1931م أول إضراب لطلابها ضد سياسة الكلية التي منعت الطلاب من التعبير عن جنسيتهم “بسوداني” وإستبدال ذلك بإسم القبائل التي ينحدرون منها وذلك بغرض إضعاف الشعر بالوحدة الوطنية لدى الطلاب فرفضوا ذلك واعتصموا إحتجاجا ضد سياسات الكلية وشكل هذا الحدث رسالة قوية من الحركة الطلابية نحو التحرر والاستقلال. استمر نشاط طلاب كلية غردون نقابيا وثقافيا وإجتماعيا في صناعة الوعى المجتمعي السوداني الداعم للتحرر والإنعتاق من المحتل وذلك من خلال منصة كلية غردون وإتحاد المدارس العليا الذي تكون فى العام 1941م ثم إتحادات الطلاب بالمدن الذي تكون فى العام 1945م ولاحقا تكون منها إتحاد الطلاب السودانيين فى العام 1946م والذي كان نواة لتكوين مؤتمر الطلاب فى العام 1949م.
لم تتقاعس وتتثاقل جموع الزراع عن ركب الحركة الوطنية حيث إستجابت جموع المزارعين لنداء الوطن ونداءات المثقفين والعمال فقام مزارعو الجزيرة بإضراب دام شهرين في العام 1946م اضر بمصالح المستعمر واوقف مصانع المستعمر التي كانت تعتمد بشكل رئيس على الاقطان التي تستجلبها من السودان وقد كان الإضراب بتحريض ودعم مباشر من مؤتمر الخريجين وهو بذلك جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية. أنشئت أول هيئة إستشارية لمزارعي الجزيرة تحت ضغط الزراع حيث منحت صلاحيات إدارية. تنامى حراك الزراع بعد تأميم مشروع الجزيرة فى العام 1950م وفي ذات الأثناء تكون إتحادات المزارعين.
في ديسمبر 1953 احتل مزارعو الجزيرة ميدان المولد بالخرطوم مطالبين بالاعتراف باتحادهم وقد كان الاعتصام جزءا لا يتجزأ من نضال الحركة الوطنية الساعية نحو الاستقلال.
لم يكن لشيوخ القبائل والعمد او ما تعارف عليه حديثا بمصطلح الإدارة الأهلية حراك يذكر في نيل الإستقلال فلربما تكون قد إنتهجت تكتيكا خاصا في مقاومة الإحتلال يقوم على الحيلولة بينه وبين رعاياها إذ كانوا يتمتعون ببعض السلطات التي تمارس تحت إشراف الموظفين المدنيين وإزداد سقف هذه السلطات ليضاف إليها في العام 1928م سلطات قضائية كما أوكل لهم الاهتمام بالمنشئات المحلية والطرق. كافأ الإنجليز الشيوخ والعمد على هذا التعاون في إدارة الدولة ببلمشاركة في إدارة شؤون ر
اتباعهم بإسباغ الهيبة عليهم بالمال والسلطان كما إهتمت بتعليم أبنائهم.
3
تغيرت الاوضاع الجيوسياسية في المنطقة في اعقاب اندلاع ثورة يوليو في مصر (محمد نجيب وجمال عبد الناصر) والتي أطاحت بالحكم الملكي (الملك فاروق) وكان ذلك في يوليو 1952م حيث كان لها إنعكاسات إيجابية على السودان تمثلت في الإتفاقية التي تم توقيعها بين بريطانيا ومصر في 12 فبراير من العام 1953م والتي قضت بمنح السودان الحكم الذاتي وحق تقرير المصير وتعهدت دولتي الحكم الثنائي بتصفية الإدارة الثنائية في في السودان في غضون ثلاث سنوات وبناء على هذه الاتفاقية صدر قانون الحكم الذاتي في 21 مارس 1953م وتشكلت لجنة الانتخابات ولجنة السودنة ومن هنا بدأت رياح الإستقلال تهب حيث دخل السودان بهذه الإتفاقية مرحلة جديدة يحكمها دستور انتقالي حيث إجريت فيها أول انتخابات برلمانية في نوفمبر عام 1953م وتم تشكيل أول حكومة وطنية انتقالية في 9 يناير 1954م تبوأ فيها الزعيم اسماعيل الأزهري منصب رئيس الوزراء مستفيدا من الاغلبية الميكانيكية البائنة التي حققها الحزب الوطني الاتحادي الذي يتزعمه الزعيم إسماعيل الأزهري حيث حصل على 51 مقعدا فيما حصل منافسه حزب الأمة على 22 مقعدا من جملة مقاعد البرلمان البالغة 97 مقعدا. ادارت الإنتخابات واشرفت عليها لجنة دولية قوامها ستة أعضاء منهم ثلاث سودانيين وثلاث اجانب بريطاني وامريكي ومصري. كان برنامج السودنة أول برنامج بدأت به الحكومة الوطنية في الفترة الإنتقالية حيث بدأت بالقوات المسلحة وذلك بتعيين القائد احمد محمد كأول قائد للجيش السوداني في 14 أغسطس عام 1954م ثم بدأت بجلاء القوات البريطانية والمصرية من السودان ثم تبع ذلك سودنة بقية أجهزة القوات النظامية الأخرى وسودنة الوظائف القيادية في كل مستويات أجهزة الدولة التنفيذية.
3
من اهم الاحداث العالمية التي شهدتها فترة الحكم الذاتي وكان لها إنعكاسات إيجابية على إستقلال السودان إنعقاد مؤتمر “باندونق’ الذي عقد في 28 أبريل 1955م بأندنوسيا حيث حضرته وفود 29 دولة أفريقية وآسيوية كانت قد نالت إستقلالها حديثا وكونت فيما بعد حركة دول عدم الإنحياز وكان ذلك بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 -1945م) حيث افرزت الحرب العالمية الثانية بروز نظام عالمي جديد إتسم بالقطبية الثنائية (الولايات المتحدة – الاتحاد السوفيتي). شكل مؤتمر باندونق منعطفا مهما في مسيرة النضال من اجل إستقلال السودان حيث شارك فيه السودان بوفد رفيع المستوى ترأسه الزعيم إسماعيل الأزهري وشهد المؤتمر مفاصلة بائنة بين الوفد المصري والسوداني مثلت لحظة فارقة في العلاقة بين مصر والسودان عززت كفة الإستقلال عن الاتحاد مع مصر. الاعراف الدولية تقتضي إنضمام الوفد السوداني إلى الوفد المصري لأن السودان كان ما يزال تحت الحكم الثنائي وكان عليه إما ان يجلس تحت العلم البريطاني أو العلم المصري أو كلاهما معا حيث لا يملك علما خاصا ولكن الرئيس الازهري والوفد المرافق له جلسوا في مكان منفصل يعبر عن ذاتهم وكينونتهم معلنين عن انفسهم كدولة لها إعتبارها بعلم عبارة عن قطعة قماش بيضاء كتب عليها اسم السودان وأثار هذا التصرف جدلا كبيرا اثناء فعاليات المؤتمر وبالطبع لم يرضي الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الوفد المصري حيث اتصل بالرئيس احمد سوكارنو اول رئيس لاندنوسيا البلد المستضيفة للمؤتمر طالبا منه إبعاد العلم السوداني وإجبار الوفد السوداني بالجلوس إلى جانب وتحت إصرار رئيس الوفد السوداني على موقفه
ظل العلم السوداني يرفرف بين اعلام المؤتمرين
وهكذا ولدت شخصية السودان الحديث في مؤتمر باندونق. بالرغم من حداثة الحكومة الوطنية التي كانت ما تزال تحت وصاية دولتي الحكم الثنائي إلا أن الزعيم الأزهري أعتبر من أهم الشخصيات التي شاركت في المؤتمر وأسست حركة دول عدم الانحياز حيث استطاع من خلال حضوره الفاعل ان يظهر السودان كوطن كبير ومهيب ورقما صعباً لا يمكن تجاوزه. من ابرز الرؤساء الذين شاركوا في ذلك المؤتمر جهابزة رؤساء الدول النامية الرئيس محمد جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو ورئيس يوغسلافيا جوزيف تيتو.
خلد الشاعر السوداني تاج السر الحسن أحداث هذا المؤتمر بقصيدته الرائعة “افريقيا واسيا” وقد أداها لحنا مبدعا الفنان عبد الكريم الكابلي:
عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمة
ويطل الفجر في قلبي على أجنح غيمة
سأغني آخر المقطع للأرض الحميمة
للظلال الزرق في غابات كينيا والملايو
لرفاقي في البلاد الآسيوية
للملايو .. ولباندوق الفتية
4
من الاحداث المؤسفة التي وقعت إبان فترة الحكم الذاتي التمرد الذي نشب في جنوب السودان في 18 اغسطس 1955م والذي عاشت فيه اول حكومة سودانية أياما صعبة حيث تمردت الفرقة الاستوائية التابعة للقوات السودانية في مدينة توريت وبدأت إثر ذلك التمرد أعمال عنف وقتل اقرب للمجازر في حق المدنيين الشماليين راح ضحيتها عدد كبير من المواطنين. نجحت حكومة الزعيم إسماعيل الأزهري كأول حكومة وطنية في تاريخ السودان تلافي تداعيات تلك الاحداث وذلك بمعالجة الموقف وتطويقه دون الاستعانة بجهات خارجية. أنشأ المتمردون لاحقا حركة انفصالية في 1955 تكونت من العساكر والطلاب الجنوبيين ثم شكلت جيش عصابات عرف بإسم أنانيا (الأفعى). يعزي كثير من المراقبين ان التمرد الذي نشب في جنوب السودان كان ثمارا طبيعية للسياسة التي إتبعها المستمر في ذلك الزمان والتي كان أسوأها سياسة المناطق المقفولة وإقصاء الجنوبيين من المشاركة في المجلس الإستشاري الذي كونه الحاكم العام.
5
بعد أن إكتملت مهام المرحلة الانتقالية واستوفت اتفاقية الحكم الذاتي بنودها وقد إنتهى التمرد الذي نشب في جنوب السودان تهيأ المسرح تماما لإتخاذ قرار إستقلال السودان حيث صار هنالك شبه إجماع بين سائر الاحزاب والهيئات والفئات وجميع السودانيين حكومة ومعارضة وشعبا ان يكون إعلان إستقلال السودان من داخل قبة البرلمان وقد كان ذلك حيث أعلن بالفعل الإستقلال فى جلسة البرلمان في 19 ديسمبر 1955م بحيث يكون الأول من يناير من العام 1956م هو يوم استقلال السودان عن دولتي الحكم الثنائي البريطاني المصري. إستكمالا لإستحقاقات الإستقلال أجاز البرلمان بغرفتيه مجلس الشيوخ ومجلس النواب في جلسة مشتركة إنعقدت في يوم 31 ديسمبر 1955 دستورا سودانيا لحكم السودان وقد احتفل رسمياً في صبيحة الأول من يناير 1956م بالقصر الجمهوري بالإستقلال وأنزل علما مصر وبريطانيا ورفع العلم السوداني إيذانا بإنهاء حكم المستعمر وبدء الحكم الوطني وهكذا استطاعت الحركة الوطنية السودانية في مراحلها المختلفة أن تحقق إستقلال السودان وتوحد الشعور والانتماء الوطني وتحقق التراضي والتوافق لإدارة الدولة تحت مظلة الوطن الواحد تحت إسم جمهورية السودان.
من اهم المحطات التي سيتناولها السفر القادم الاحداث التي أسقطت حكومة إسماعيل الازهري وجاءت بالسيد عبد الله خليل رئيسا للوزراء وكيف اسلم الحكومة للجيش.
#نواصل#
Krimhashimi5@gmail.com
0912677147