صحة وبيئةعلوم وتكنولوجيا
الإنتاج الأنظف
بقلم/ م.الخاتم إبراهيم الأمين:
مفهومه
يعرف برنامج الأمم الممتحدة للبيئة UNEP الإنتاج الأنظف التطبيق المستمر لاستراتيجية متكاملة لوقاية البيئة على العمليات والمنتجات والخدمات بغرض زيادة الكفاءة والحد من المخاطر التي يتعرض لها لإنسان والبيئة بمعنى آخر هو تطبيق لاستراتيجية على العمليات التصنيعية بحيث تؤدي لتقليل المخاطر بإلغاء استخدام المواد الخطرة والسامة في الصناعة واتباع استراتيجية وتبني تكنولوجيا ترش استخدام المياه والطاقة.
يستلزم مفهوم الإنتاج وعي للإدارة البيئية السليمة الأنظف تغيير توجهات متخذي القرار فى الصناعة لإدراك أهميته وفوائده المالية، كما يستلزم توافر وعي للإدارة البيئية السليمة والعمل على تعزيز التطوير التكنولوجي.
يعتبر الإنتاج الانظفcleaner production من التقانات الحديثة التي تم استحداثها بواسطة برنامج الأمم المتحدة ( UNEP) في عام 1990بغرض مجابهة قضايا التلوث البيئي كمفهموم أكثر فاعلية من الطرق التقليدية المستخدمة سابقا من معالجة للنفاياتwastes بمختلف صورها (سائلة، صلبة، غازية) فالإنتاج الأنظف يعتبر تقنية استباقية (Proactiv technology) لحماية البيئة من خطر التلوث (pollution) إذ أنه يقوم على ركائز أساسية هي:
1-الانتاج والاستهلاك المستدام (Sustainable وذلك بغرض منع انتاج النفايات أو :
أ/الاسترجاع Waste recovery وهذا المفهوم يقصد به الاستفادة القصوى من استخلاص المواد المفيدة والطاقة من النفايات بغرض تقليل الكمية النهائية من النفايات.
ب/ إعادة الاستعمال Reuse وهذا يقصد به إعادة استخدام النفايات مثل العبوات الزجاجية والبلاستيكية الفارغة بعد تنظيفها
ج/ إعادة التدوير(Recycle) وهذه العملية تتم غالبا في المؤسسات الصناعية بأداة استخدام النفايات في مواد أخرى مفيدة وأوضح مثال لها إعادة تدوير المنتجات البلاستيكية وهذه محكومة بقيود وعدد مرات معينة لتدوير حسب التقدم الصناعي في الدولة.
2- الاقتصاد الخضر (Green economic) وهذا المفهوم نشأ في أواخر أيام الثورة الصناعية بغرض تشجيع الصناعات الصديقة للبيئة (Enviromental friendly) وجوهر الفكرة قيام الاقتصاد على الصناعات غير الملوثة للبيئة مع اتخاذ التدابير اللازمة لمجابهة التلوث حتى وقوعه وبعض الدول اتجهت لـ:
أ/ وضع ضرائب منخفضة على المنتجات الصديقة للبيئة والعكس
ب/ إعفاءت جمركية
ج/ الاستثمار في الإنتاج الأنظف باعتبار أن هذه النفايات في الأصل هي موارد
3-التكنولوجيا النظيفة (Clean technology) وهي طرق الإنتاج والماكينات والمواد الصديقة للبيئة والأقل استهلاكا للموارد الطبيعية مع التطور التقني أصبحت الآن متاحة.
4/ تفعيل الاتفاقيات والبرتوكولات الصادرة بغرض حماية البيئة والالتزم الأخلاقي لصناديق التمويل الوطنية والإقليمية والدولية بعدم تمويل أي مشروع مالم تقم له دراسة لتقييم أثره البيئي (EIA).
إننا في هذا المقال بصدد مناقشة جدوى إصدار التوصيات وقيادة المبادرات وتحديد المسؤوليات وتوضيح مجال عمل الإنتاج النظيف في السودان مع توضيح الصورة الحالية بشأن رفع الوعي وتبني تكنولوجيا لإنتاج أنظف مع تكبير الصورة قليلا لتسليط الضوء على المنطقة العربية والأفريقية وموقعنا من العالم باعتبار أن البيئة كوكب واحد لايؤمن بالحدود الجغرافية والديمغرافية وذلك لسرعة انتقال الملوثات من مكان لآخر مهما بعدت الجغرافيا مستعرضين بعض الكوارث البيئية التي حدثت تاريخياً في العالم وآثارها البيئية المدمرة مع سرد قصص النجاح التي تحفز شركاء الإنتاج الأنظف (Stack holders).
لماذا الانتاج الانظف؟
1-عالميا يتم إنتاج ما قدره 400000 طن سنويا من النفايات والتي تشكل النفايات الكميائية الخطرة حوالي 5 ملايين طن منها تم نقلها من غرب أوروبا وشمال أمريكا إلى دول أخرى علما بأن تبني استراتيجية عدم أو تخفيض إنتاج النفايات السائلة والصلبة والانبعاثات الغازية طريقة أقل تكلفة وأكثر فاعلية من معالجتها بعد الإنتاج كما أن أغلب النفاياتالمنتجة مثل أغلب أنواع البلاستيك غير قابلة للتحلل الحيوي (None Biodegraible ) مما يصعب من مهمة التخلص منها وبقائها في البيئة ودخولها للسلسلة الغذائية عن طريق الحيوان أو النبات أو المياه الجوفية.
2- إن استمرار الأوضاع بالصورة الموضحة في1/ ينبئ عن كارثية بيئية لاتستثني احدا قاضية على الأخضر واليابس بدأت نذرها تلوح في الأفق وظهرت اشراطها كما يلي:
أ/تغير المناخ Climate change
ب/ الاحترار الكوني Global worming
ج/ الأمطار الحمضية Acid Rains
د/انهيار طبقة الأوزون Ozon Deplition
ه/ انقراض بعض الاحياء
و/ التلوث البحري Marin pollution
ر/ اختفاء التنوع الاحيائيDwindiling of Vareities of Wildlife
ز/ظهور الامراض الغير سارية في السابق مثل السرطانات والفشل الكلوي كامراض مستوطنة
ط/ النفايات الخطرةHazadouse Wastes
ك/ اختفاء الغابات الاستوائيةDisapearannce of tropical forsties
كل ماذكر أعلاه اصطلح على تسميته مشكلات بيئية عالمية Global Enviromental Issues أي أنها تؤثر في كل أنحاء الكون باختلاف درجات تاثيرها وتحتاج لتضافر الجهود العالمية إذ أنها فوق إمكانيات دولة منفردة.
لذلك كان لابد من تبني استراتيجية عالمية لمجابهة هذه المشكلات فكانت فلسفة الإنتاج الأنظف.
خلفية تاريخية
نشأت فكرة الإنتاج الأنظف في القطاع الصناعي خلال ثمانينات القرن العشرين. وهو يقوم على استبعاد الملوثات قبل حدوثها، بدلاً من المقاربة التقليدية الباهظة التكاليف والقائمة على معالجة التلوث بعد حدوثه.
الإنتاج الانظف هو تطبيق مستمر لاستراتيجية وقائية تشمل عمليات التصنيع والتسويق والخدمات، وتهدف إلى زيادة الكفاءة والتقليل من الأخطار التي تلحق بصحة الإنسان وبالبيئة، وهو عملية تتطلب تغييراً في مواقف وسلوكيات وسياسات الحكومة والصناعة على حد سواء.
يشمل الإنتاج الأنظف استخدام تكنولوجيا أنظف، أي أسلم بيئياً، سواء في استخراج الموارد الطبيعية أو صنع المنتجات أو توزيعها أو استهلاكها أو التخلص منها، وغير ذلك من المراحل التي تمر بها أثناء دورة حياتها.
وهذا يتطلب اعتماد نظام للإدارة البيئية ومسك (حسابات خضراء) وتطبيق مفاهيم بيئية أخرى.
وتستخدم هذه الأيام مصطلحات وقائية عدة، مثل الكفاءة الايكولوجية، ومنع التلوث، والتقليل من النفايات، وخفض النفايات في المصدر.
لكن مصطلح “الإنتاج الأنظف” يشملها كلها ويغطي جميع المراحل التي تمر بها المنتجات.
خلال العقد الأخير، ساعد اعتماد مبادئ الإنتاج الأنظف على استلهام تفكير وقائي وانتشار رسالته حول العالم.
فكان مروجاً للتكنولوجيا وحافزاً إدارياً ومُصلحاً نموذجياً وجسراً يربط بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
رغم أن الانتاج الأنظف حديث لكن بنيته التحتية من قوانين وتشريعات عالمية قديمة منذ موتمر الأرض 1987وميثاق الأمم المتحدة للبيئة وإصدارات المنظمة الدولية للتقييس (ISO14000) ومنذ اجتماع نادي روما 1970 ، مؤتمر Stockholm1972,
صدور American environmental policy Act1969 وصولا لميثاق بروتلاند 1987بشان التنيمة المستدامة والاتفاقيات الدولية بشأن البيئة مثل:
1/ اتفاقية بازل بشان تداول النفايات الخطرة
2 / مونتريال بخصوص تجارة الكربون
3/ قمة الأرض
وأخيراً اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.
كل هذه الجهود دفعت بهذه التقنية نحو مزيد من الانتشار.
الإنتاج الأنظف في السودان
لم يكن مفهوم الإنتاج الأنظف معروفاً في السودان قديما رغم وجود أساسيات الاهتمام بالبيئة منذ بروز فكرة قناة جونقلي في السودان الموحد إذ قامت الحكومة الانجليزية عام 1945 آنذاك بعمل دراسة لتقييم الأثر البيئي لهذا المشروع أطلقت عليه EIA of Equatorial project دراسة تقييم الأثر البيئي لمشروع النيل الاستوائي.
ثم تطور الوعي البيئ بعد قيام الجمعية الهندسية السودانية في العام 1936 أعقبها قيام المجلس الأعلى للبيئة ثم الجمعية السودانية لحماية البيئة وقامت كثير من المشاريع الصناعية خلال هذه الفترة دون اعتبار لهذا المفهوم لكن مع اكتشاف البترول في تسعينات القرن الماضي وتماشيا مع الوعي العالمي وظهور المنظمات المهتمة بالبيئة مثل حزب الخضر وكثير من جماعات الضغط في العالم، برزت قضايا البيئة للسطح ولأول مرة تم تبني مفهوم الإنتاج النظيف في المؤسسات التعليمية إذ أنه في عام 2007 تبنته أكاديمية السودان للعلوم (جامعة حكومية للدراسات العليا) منحت درجتي الماجستير والدكتوراة في الإنتاج الأنظف وأدخلت كثير من مقررات البيئة والأمن والسلامة والتقانات الصناعية الحديثة في مقررات كليات الهندسة لأول مرة بجامعة الجزيرة كذلك كونت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس لجنتين فنيتين لهما علاقة بهذا المجال هما اللجنة الفنية للبيئة والصرف الصحي ولجنة الأمن والسلامة.
ووضعت اللجنتان كثير من (الأكواد) والمواصفات ولكن ممايؤخذ على التجربة السودانية في هذا المجال عدم قيام مركز الإنتاج الأنظف حتى الآن رغم وجود الفكرة لدى وزارة الصناعة عبر ذراعها الفني مركز البحوث والاستشارات الصناعية.
قصص نجاح الإنتاج الأنظف
- منذ عدة سنوات قامت UNEP برفع الوعي للحكومات والمصنعين ومتخذي القرار بالفوائد الاقتصادية والبيئية التي تعود من تطبيق مفهوم الانتاج الانظف وقامت بنقل المعرفة وتبادل الخبرات وإشاعة روح التنافس وتقديم الحوافز
نوع الصناعة: إنتاج أصباغ ومواد وسيطة تدخل في صنع الأصباغ.
حجم المصنع: يشغّل 225 عاملاً، حجم مبيعاته السنوية 6,6 ملايين دولار.
المشكلات الرئيسية:
مخلفات سائلة عالية الحموضة من عملية حمض السلفونيك.
مخلفات سائلة عالية الملوحة ناتجة عن عملية التكثيف.
انبعاث غبار من عملية التكثيف.
أمرت المحكمة العليا باغلاق المصنع.
فوائد اقتصادية لتدابير الانتاج الأنظف:
سمحت المحكمة العليا بإعادة تشغيل المصنع عندما أبلغت أنه سيطبق مبادئ الإنتاج الأنظف.
تحققت وفرة في النفقات تزيد على مليون دولار نتيجة استثمار 450,000 دولار. وفترة استرداد النفقات أقل من سنة.
استوفى المصنع حدود التصريف المنصوص عليها في المقاييس المعتمدة.
فوائد بيئية:
خفض بنسبة 70% لكمية الماء المستخدم في عملية حمض السلفونيك.
خفض بنسبة 50% لكمية الماء المستخدم في التكثيف.
خفض الوحول في محطة معالجة المخلفات السائلة.
خفض كمية حمض الهيدروكلوريك.
إلغاء المنفوثات الغبارية.
خلال المنتدى الدولي السابع حول الإنتاج الأنظف، الذي عقده برنامج الأمم المتحدة للبيئة في العاصمة التشيكية براغ في نيسان (أبريل) الماضي، نظمت للمشاركين زيارات ميدانية إلى مصانع تشيكية تنفذ مبادئ الانتاج الأنظف. ومنها مصنع شركة “كوفوهوت بريبرام” لإعادة تدوير الرصاص والمعادن النفيسة، يقع جنوب العاصمة في منطقة جميلة تحف بها الغابات الطبيعية والأراضي الزراعية.
مدير قسم العمليات أبلغ الزائرين أن المصنع هو الوحيد الذي يعالج نفايات الرصاص في البلاد. وهو يحتل قطعة من الأرض مساحتها 15 هكتاراً، ويشغل 270 موظفاً، وينتج 31,000 طن من الرصاص المكرر كل سنة بنقاوة 99,7 في المئة. وينتج أيضاً 15 طناً من المعادن النفيسة، 98 في المئة منها فضة و2 في المئة تشمل الذهب والبلاتين والبالاديوم.
ويبلغ حجم الأعمال السنوي 35 مليون دولار، مع نسبة ربح ملحوظة.
ويباع الرصاص المنتج بأشكال مختلفة، ويدخل معظمه في صنع بطاريات جديدة للسيارات.
كان هذا المصنع سبب التلوث البيئي في منطقة بريبرام لأكثر من 200 سنة.
ولكن منذ العام 1994 تحول إلى ملكية خاصة، فأوقفت أنشطته التعدينية، وأصبح مصنعاً حديثاً يقتصر على إعادة تدوير المخلفات الرصاصية، متشدداً في تطبيق المعايير البيئية منذ 1997.
يستقبل المصنع جميع المخلفات الرصاصية المنتجة في الجمهورية التشيكية لاعادة تدويرها. وتشكل بطاريات السيارات المستعملة القسم الأكبر منها. ويعالج أيضاً نفايات معدات الكترونية، مثل أجهزة الكومبيوتر والتلفزيون، ويستخرج منها المعادن النفيسة كالفضة والذهب.
وعاين الزوار كيف أن المواد الأولية في قسم المعادن النفيسة تأتي من قطع الكترونية مهملة وغير صالحة للاستعمال، مثل دوائر وأسلاك أجهزة الكومبيوتر. وهذه يعاد تدويرها بطريقة سليمة بيئياً.
وتقوم شركات صغيرة في أنحاء البلاد بجمع هذه النفايات وتفكيكها وفرزها ومعالجتها جزئياً، ومن ثم تبيعها لشركة “كوفوهوت بريبرام” التي ترسلها إلى مصنعها فيتم صهرها في الأفران، حيث يستخرج الرصاص، وتفرز المعادن النفيسة عنه بواسطة التحليل الكهربائي.
اعتمدت الشركة عام 2000 نظام الايزو 14001 للإدارة البيئية في ما يتعلق بالنشاطات الرئيسية والثانوية،ويشمل ذلك مجالات الوقاية الأساسية، مثل إدارة النفايات، وحماية الغلاف الجوي، وحماية مصادر المياه العذبة، وتخفيف الضجيج، وحماية المناطق الريفية والطبيعة. وحازت عام 2000 شهادة “الشركة السليمة” التي تتقيد كلياً بمقاييس السلامة الأوروبية، علماً أن ثمة 25 شركة في البلاد حازت هذه الشهادة. وفي آذار (مارس) 2001 كوفئت بلقب “أفضل شركة في مدينة بريبرام”.
وقد غيرت هذه المكافأة صورة المصنع أمام الجمهور، لأنه كان يعتبر في الماضي مصدر تلوث كبير في المنطقة،كما شكلت اعترافاً بجهود الشركة في حسم أدائها البيئي من خلال تطبيق إجراءات الإنتاج الأنظف.
اعتمدت الشركة منذ العام 2001 تكنولوجيا متطورة لمعالجة بطاريات السيارات الجافة المحتوية على زئبق، تعمل هذه على تكرير الرصاص باستعمال الأوكسجين ، كما تعطي نتائج أفضل في فرز المعادن الثقيلة والنفيسة من النفايات الخطرة.
واطلعنا خلال وجودنا في المصنع كيف أن عمليات التشغيل التي تتم وفق مبادئ الانتاج الأنظف تحقق أرباحاً كبيرة. فالأحماض التي تستخرج من البطاريات يجري تحييدها في محاليل قلوية، وتستخدم البيوتكنولوجيا لتنظيف السوائل المحيَّدة. ويتم التخلص من الغازات السامة التي تنبعث في الهواء باستخدام تكنولوجيا تنظيف غازية متطورة. أما خبث الأفران (مخلفات ما بعد صهر المعادن) فيتم التخلص منه حسب الأصول،وتحرق الهياكل البلاستيكية لبطاريات السيارات في الأفران.
العمال يرتدون ملابس وقائية أثناء وجودهم في المصنع،ويستخدم العاملون في مناطق حساسة كمامات للتنفس،ولاحظنا وجود لافتات في أرجاء المصنع ترشد الى أقسامه المختلفة. كما بدت مظاهر النظافة والترتيب في أماكن العمل وعلى الطرق والأرصفة والأبنية”.
مديرو شركة “كوفوهوت بريبرام” على ثقة من جدوى الإجراءات البيئية المتبعة في المصنع، ويعتبرون أن تشغيله وفق مبادئ الإنتاج الأنظف مربح جداً.
الخاتم إبراهيم/ مهندس مستشار الأغذية والبيئة والمياه
00249918282912
أغسطس2017