مقالات
معالم من تاريخ السودان السياسي 1821-2021 (9)
د.عبد الكريم الهاشمي:
كانت الأحزاب ما قبل إنقلاب 25 مايو 1969سواء كانت حاكمة أو معارضة منشغلة بالمناورات والمماحكات السياسية حيث تركز جهدها على المكاسب الحزبية والإنتصار على الخصوم السياسيين فكانت مهمومة إما بفض تحالفات قائمة أو بناء تحالفات جديدة من أجل الوصول للسلطة فلم تكن قضايا الوطن مدرجة ضمن اولوياتها. استمر الجدل بين الاحزاب حول صيغة نظام الحكم والدستور حيث توصلت الأحزاب الحاكمة إلى إتفاق في 23 مايو قضى بأن يكون الدستور إسلاميا وأن يكون نظام الحكم رئاسيا وأن تجرى انتخابات رئاسة الجمهورية في بواكير العام 1970 وبناء على ذلك اعلنت الاحزاب اسماء مرشحيها لرئاسة الجمهورية حيث اعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي الزعيم إسماعيل الأزهري مرشحاً لرئاسة الجمهورية فيما أعلن الإمام الهادي المهدي مرشحا عن حزب الأمة لذات المنصب. في ظل هذه الظروف إكتنفت البلاد حالة من شظف العيش وتنامت مستويات البطالة وحدث نقص في السلع الاستراتيجية والاستهلاكية وإشتد اوار الحرب في جنوب البلاد وتطاولت الازمة الاقتصادية وزادت الخلافات والتسابق المحموم من الاحزاب نحو السلطة كل هذا قد إستغرق جهد السياسيين فلم يترك لهم وسعا ليبذل في حل مشاكل الوطن الحقيقية طيلة المدة التي تسنمت فيها الاحزاب دفة السلطة من العام 1964 وحتى العام 1969 فلم ينجحوا إن لم يكونوا قد فشلوا في اتخاذ خطوات إيجابية لمعالجة التحديات التي تواجه البلاد وترميم أواصر الثقة المتهتكة بين قادة الأحزاب المتحالفة لإدارة البلاد. كان الراهن السياسي قبل 25 مايو محتشدا بالكثير من عناصر الجدل والإختلاف على القضايا الكبرى مثل حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان الذي اعتبره البعض تقويضا للديمقراطية وخرقا للدستور كذلك الخلاف الذي نشب بين القضاء والحكومة والذي كان يعد انتهاكا لاستقلال القضاء وحكم القانون كذلك محاولة إلغاء الجمهورية البرلمانية وفرض الجمهورية الرئاسية أيضا فشل الحكومات الائتلافية في إيجاد حلول للأزمات المعيشية والاقتصادية هذه الظروف السياسية المعقدة والإجتماعية المتردية وغيرها من الازمات التي أحدقت بالبلاد وقتئذ وفرت محفزات شكلت عناصر اغراء لبعض ضباط الجيش بالتحرك للإستيلاء على السلطة.
2
لم يكن إنقلاب 25 مايو 1969م هو المحاولة الأولى للقوات المسلحة في سعيها للإستيلاء على السلطة حيث قاد تنظيم الضباط الاحرار الذي ينتسب إليه اللواء محمد جعفر نميري وقتذاك عدة محاولات لم يكتب لها النجاح. بدأ تشكيل تنظيم الضباط الاحرار السودانيين بصورة سرية متأثرا بثورة يوليو 1952م التي قام بها الضباط الأحرار في مصر وكان الانضمام إليه في بدايات تكوينه ليس أمرا سهلا حيث فهنالك بعض الشروط التي يجب توافرها في الضابط الذي يريد الإنضمام للتنظيم فلابد أن يكون مشبعا بالحس الوطني وليس له ارتباطات حزبية أوطائفية وان يكون حسن السير والسلوك وأن يزكيه ثلاثة أواثنين من أعضاء التنظيم القدامى. كان تنظمهم الضباط الاحرار يسع تيارات سياسية شتى تلتقي في الأهداف العامة وقد تختلف بالضرورة في الوسائل والآليات التي يتم عبرها تنفيذ تلك الأهداف. من المحاولات الانقلابية التي قادها تنظيم الضباط الاحرار قبل 25 مايو 1969م حركة الصاغ عبد الرحمن كبيدة الأولى والتي وقعت في العام 1957م إبان حكم الرئيس أسماعيل الازهري “الديمقراطية الأولى” ومن أشهر الضباط الذين كانوا مع عبد الرحمن كبيده في هذه الحركة البكباشي عبد الحفيظ محمد خير شنان واليوزباشي عوض أحمد خليفة واليوزباشي جعفر نميري وآخرون. كذلك قاد التنظيم محاولته الثانية في سبتمبر 1959م إبان حكومة الفريق عبود حيث قادها الاميرالاي محيي الدين عبد الله والاميرالاي عبد الرحيم شنان واليوزباشي عبد الله الطاهر بكر وآخرون وقد فشلت وأدت إلى محاكمات عنيفة وقاسية تضمنت السجن والإعدام. ظهرت قوة التنظيم إبان ثورة أكتوبر 1964 حيث كان للتنظيم تأثيراً كبيرا ومباشرا في نجاح ثورة اكتوبر حيث أصدر بيانا في يوم 28 أكتوبر صدر تحت مسمى “الضباط الأحرار” اعلنوا من خلاله إنحيازهم للجماهير الثائرة. لم تتوقف محاولات تنظيم الضباط الاحرار للإستيلاء على السلطة حيث حدثت محاولة الملازم خالد الكد 1965م وكان من بين الذين شملهم التحقيق من ضباط التنظيم القائمقام جعفر نميري وقد نجح الأميرالاي عمر الحاج وموسى رئيس مجلس التحقيق والذي كان متعاطفا مع تنظيم الضباط الأحرار في خلاص المتورطين في هذه الاحداث. نشط تنظيم الضباط الأحرار منذ العام 1967م في تكثيف اللقاءات والإجتماعات لأعضائه وذلك لخلق قاعدة ملائمة لاستلام السلطة حتى بلغ نشاطه الاجتماع الثالث عشر الذي إنعقد في مايو 1969 حيث حضره العقيد جعفر نميري والمقدم بابكر النور وأبو القاسم هاشم وخالد حسن عباس وفاروق حمد الله وأبوالقاسم محمد إبراهيم ومامون عوض أبوزيد وزين العابدين محمد أحمد عبد القادر وآخرون حيث ظهرت بعض الاختلافات الفكرية و الزمانية “توقيتية” فانقسم الإجتماع لثلاث مجموعات مجموعة أسست رؤيتها على هدى فكري حيث رأت عدم نضوج الازمة الثورية للقيام بإنقلاب حيث ضمت هذه المجموعة بابكر النور وآخرون ومجموعة ثانية كانت ترى عدم توفر القدرة على إحداث التغيير بسبب عدم الجاهزية الكافية للتنفيذ وضمت هذه المجموعة ابوالقاسم هاشم وآخرون أما المجموعة الثالثة والتي كانت تضم جعفر نميري وخالد حسن عباس وفاروق حمد الله وأبوالقاسم محمد إبراهيم ومامون عوض أبوزيد وزين العابدين عبد القادر كانت ترى إمكانية التغيير وذلك لجاهزية القوة وملاءمة الزمان والمكان بل كانت ترى تعجيل العملية وهي المجموعة التي قادت الإنقلاب ونجحت في التنفيذ والإستيلاء على السلطة بمعزل عن الآخرين وساعدهم في ذلك أنهم كانوا في مواقع مؤثرة في الجيش مثل الاستخبارات والمظللات والمدرعات. وعلى الرغم من أنهم كانوا قلة إلا أن العزلة التي أحاطت بالنظام جراء الأزمات التي أحدقت به جعلت العملية الانقلابية تتم في يسر وسلاسة وحدث انقلاب 25 مايو1969 والذي عرف فيما بعد بثورة مايو. يجدر ذكر أن تنظيم الضباط الاحرار يضم في عضويته اعضاء مدنيين أشهرهم الاستاذ الرشيد الطاهر بكر والطيب محمد خير وبابكر عوض الله.
3
ظلت علاقة الحزب الشيوعي بانقلاب مايو تثير جدلا واسعا وعريضا تغيب في فنائه الحقائق وتندثر معالمها في الركام الناتج من محاولات النفي والإثبات التي تقودها جحافل خصوم الحزب الشيوعي وحشود المنتسبين إليه. يسود رأي شبه جمعي لدى الكتاب والنخب السياسية بأن الحزب الشيوعي كان المدبر لإنقلاب 25 مايو وهذا الرأي ليس صحيحا على إطلاقه بل ربما يتناقض مع كثير من الحقائق. الراجح ان الحزب الشيوعي ككيان او مؤسسة لم يكن من المدبرين او المخططين لإنقلاب مايو وبالطبع لم يكن من المنفذين لكن الحزب قد اظهر تأييدا واضحا للإنقلاب وربما يكون هذا التأييد متوقعا ومقبولا وذلك لما كان يعيشه الحزب من إحتقار وإزدراء وكبت جعله في وضع لا يحسد عليه حيث طرد نوابه من البرلمان واغلقت دوره وأوقفت صحيفته وضيق عليه في ممارسة حقوقه مما جعله يتخذ موقف المسانده والتأييد للإنقلاب وهذا وضع طبيعي “عدو عدوك صديقك” هذا بالإضافة لبعض التكتيك السياسي الذي ينطلق منه الحزب في التعامل مع الإنقلابات. فمن المظاهر الإحتفائية لجماهير الحزب الشيوعي ما انشده الشاعر محجوب شريف إبتهاجا وإحتفاء بمقدم إنقلاب مايو حيث إستخدم الشاعر محجوب شريف في هذه القصيدة المؤيدة لا نقلاب مايو ابرع اساليب الدعاية السياسية والاعلامية حيث قال:
أنت يا مايو الخلاص
يا جدارا من رصاص
يا حبالا للقصاص
من عدو الشعب في كل مكان
من عدو الشعب في كل زمان
يا شموساً في دروب الليل اشعلت النهارا
نحن شلناك وساما وكتبناك شعارا
نحن صرنا بك يا مايو كبارا
أنت يا مايو بطاقتنا التي ضاعت سنينا
أنت يا مايو ستبقى بين أيدينا و فينا
و سنحميك جهارا
و سنفديك اقتدارا
لم تكن حلما و لكن كنت للشعب انتظارا
كذلك نظم الشاعر محجوب شريف قصيده أخرى يقول فيها:
يا حارسنا وفارسنا
يا بيتنا ومدارسنا
كنا زمن نفتش ليك
وجيتنا الليلة كايسنا
بيك يا مايو يا سيف الفداء المسلول
نشق أعدانا عرض وطول
عشان نبني اشتراكية
ونرفع راية هم خلوها فوق السارية متكية.
هذه الكلمات تعبر عن عاطفة جياشة لدى جماهير الحزب الشيوعي تجاه مايو في عهدها الأول أو مايو الحمراء.
كذلك خروج الموكب المؤيد لانقلاب مايو في الثاني من يونيو اي بعد أسبوع من الانقلاب والذي خرج تحت مظلة اليسار العريض حيث خاطبه الشفيع أحمد الشيخ بكل ثقله التاريخي. كذلك في التاسع من يونيو أصدرت حكومة الانقلاب بيان الجنوب الشهير والذي جاء مطابقا للرؤية التي يتبناها الحزب الشيوعي وهي الحكم الذاتي الإقليمي. برز الانقلاب بوجه يساري صارخ من خلال التعينات التي أعلنها فرئيس الوزراء بابكر عوض الله كان مرشح اليسار العريض لانتخابات رئاسة الجمهورية التي اعلن عن قيامها في العام 1970م كما حمل بيان الانقلاب الذي تلاه بابكر عوض الله رئيس الوزراء ذات اللغة التي كتب بها ميثاق القوى الاشتراكية الذي عبر عن قوى اليسار العريض كذلك فإن اثنان من أعضاء مجلس قيادة الثورة من الضباط الشيوعيين وهما بابكر النور وهاشم العطا كما ضم مجلس وزاء حكومة إنقلاب مايو أربعة وزراء شيوعيين منهم اثنان من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وهما جوزيف قرنق ومحجوب عثمان ومعهما فاروق أبو عيسى وموريس سدرة بالرغم هذا التداخل بين الحزب الشيوعي وحكومة مايو إلا أن الحزب ظل ينفى اي صلة له بالإنقلاب. علقت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عام 1969 على تعيين أعضاء الحزب في حكومة إنقلاب مايو بأن قرار الاشتراك في حكومة الانقلاب جعل اللجنة المركزية أسيرة للتكتيك الانقلابي فأصبحت بذلك طرفا في صراع التصفيات والانقلابات. كذلك زاد تصريح رئيس الوزراء بابكر عوض الله في أكتوبر 1969 الذي أدلى به في ألمانيا الديمقراطية من الشكوك التي تدور حول علاقة الحزب الشيوعي بالإنقلاب حيث قال إن الثورة لا يمكن أن تستمر بدون دور الشيوعيين حيث كان ثمن هذا التصريح فقدانه لمنصبه كرئيس وزراء فإن مجلس الثورة اجتمع فورا وقام باعفاء بابكر عوض الله من منصبه. طرح الضباط الأحرار على الحزب الشيوعي فكرة الانقلاب العسكري واعترضت عليها اللجنة المركزية في دورة مارس 1969 ثم حمل الفكرة بابكر عوض الله وفاروق حمد الله وعرضاها على عبد الخالق ورفض المكتب السياسي للمرة الثانية فكرة الانقلاب. قالت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عام 1969 إن تلك المواقف ظلت محصورة في إطار أجهزة الحزب وإن رفض المكتب السياسي للانقلاب لم تتبعه دعوة اللجنة المركزية لعرض الأمر عليها وتوحيد مجموع الحزب في مواجهة الفكر الانقلابي وهذه من المآخذ التي وقع فيها الحزب وكانت سببا في إتهامه بتدبير الإنقلاب. كان الحزب الشيوعي في الواقع يضم تيارين في تنظيم واحد حيث كان داخل الحزب تيار مؤثر يدعو للانقلاب حيث كتب القيادي باللجنة المركزية للحزب الشيوعي أحمد سليمان مقالا في صحيفة “الأيام” في العام 1968م دعا فيه بصورة صريحة للانقلاب العسكري حيث خلص إلى ” أن المخرج من أزمة الحكم الراهنة هو وضع ميثاق شعبي يصحح هنات أكتوبر ويقوم بتنفيذ ذلك الميثاق حكومة وحدة وطنية تتمتع بالاستقرار ولا سبيل إلى هذا الاستقرار غير حماية القوات المسلحة فالجيش هو القوة الوحيدة التي تستطيع أن تحمي الميثاق المنشود وحكومته ويستطيع بما يتمتع به من وحدة أن يردع المارقين والمغامرين” ورد عليه عبد الخالق محجوب في صحيفة “أخبار الاسبوع” برفض الدعوة للانقلاب العسكري مما يوضح عدم التوافق بين أعضاء الحزب على رأيا مبدئي تجاه الإنقلابات. إن قبول تعيين بابكر النور وهاشم العطا في مجلس قيادة الثورة دون التشاور مع قيادة الحزب الشيوعي قد فاقم من حجم الشك والريبة حيث قال محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي عام 1986 إن الخطأ الأول أنه عندما وقع الانقلاب وأعلن برنامجه من محتويات برنامج القوى الاشتراكية وأصبح كأن التحالف يقف خلف الانقلاب فكان ينبغي للحزب أن يعلن للجماهير بأنه ليس طرفا في ذلك التحالف. والخطأ الثاني قبول إشتراك الوزراء الشيوعيين بالتعيين مما أدى إلى فقدان الحزب لاستقلاليته وكان واجب الحزب رفض ذلك التعيين. اجتمعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي مساء 25 مايو وناقشت البيان السياسي الذي تلاه عبد الخالق والذي وضح موقف الحزب من الأحداث ثم اشتراك الشيوعيين في الوزارة دون استشارته وخلص الاجتماع إلى أن ما وقع صباح 25 مايو هو انقلاب عسكري وليس عملا شعبيا مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية عن طريق قسمها المسلح ولنقف برهة مع عبارات “قسمها المسلح” حيث تنبئ هذه العبارات بعدم الرفض المبدئي للإنقلاب لدى الحزب الشيوعي كذلك أوصى الاجتماع بدعم وحماية السلطة الجديدة من خطر الثورة المضادة على أن يحتفظ الحزب بحقه في نقدها وكشف منهج البرجوازية الصغيرة وتطلعاتها “مجلس الثورة” كما ناشد الاجتماع السلطة تجنب التأييد الأجوف الذي يساعد العناصر الانتهازية الوصولية التي تتمسح بأعتاب كل سلطة في إشارة لغرمائه الذين تسببوا في طرد نواب الحزب من البرلمان. بالرغم من هذه المناشدات والتوصيات التي تشير الى عدم رغبة الحزب في دعم إنقلاب مايو لكن رفض في ذات الاجتماع اقتراح عبد الخالق محجوب بعدم الاشتراك في حكومة الانقلاب بأغلبية 23 صوت إلى 7 أصوات مما يؤكد إنقسام الحزب تجاه الإنقلاب وأنه يتعامل بإزدواجية مع الإنقلاب. مما سبق يتضح أن الرئيس محمد جعفر نميري لم يكن شيوعيا وان الحزب الشيوعي لم يكن مدبرا لإنقلاب مايو ولكن شكل سندا قويا لحكومة الإنقلاب في عهدها الأول لتقديرات سياسية إقتضتها مجريات الاحداث التي كانت تسيطر على الراهن السياسي وقت ذاك حيث نشأ ارتباط وجداني بين الحزب والانقلاب العسكري الذي اطلقوا عليه “ثورة” استعادوا بها كما قال محجوب شريف في القصيدة “بطاقتنا التي ضاعت سنينا”.
هكذا أعطى اليسار بكل تياراته أرضا سياسية للنظام الجديد يرتكز عليها.
من الاسباب التي جعلت مايو تبدو يسارية في بداياتها ذلك لأن احزاب اليمين كانت كلها تدور في فلك الطائفية. تأسست العلاقة بين نظام مايو والحزب الشيوعي السوداني في بداية عهدها الأول على تأمين مصالح الطرفين فإن الحزب الشيوعي يرى أن إنقلاب مايو سوف يحد من نفوذ الأحزاب الطائفية والدينية التي سعت من قبل لحله وطرد نوابه من البرلمان ومن جانب الضباط الأحرار فهم في حاجة لتأييد الحزب الشيوعي لمجابهة القوى التقليدية المحافظة بما لديه من شبكة فعالة وسط القوى العاملة والطلاب والمهنيين والتيار اليساري العريض وقد توفر هذه العناصر الدعم للانقلاب في بداياته الأولى. يؤكد الحزب الشيوعي أن دخول بعض الأفراد في مجلس قيادة الثورة من المنتمين للحزب الشيوعي والتي أستخدمت كدليل على علاقة الحزب بالإنقلاب كان من منطلق قدراتهم الشخصية وليس من منطلق حزبي. لم يستمر هذا التعاون والمساندة طويلا فقد نشب صراع دامي بين الطرفين افسد عليهما شهر العسل الذي كانا يعيشان في كنفه وقد دفع الحزب الشيوعي ثمن مناورته السياسية مع النظام المايوي غاليا وسيأتي ذلك تفصيلا.
4
بعد بعد نجاح إنقلاب مايو
أعلن عن تعطيل العمل بالدستور وحل الأحزاب واعتقال قادتها وكذلك حل البرلمان وتعطيل الصحف وغيرها من الإجراءات الاستثنائية. تم تكوين مجلسين هما مجلس قيادة الثورة برئاسة العقيد جعفر نميري الذي ترقى في اليوم ذاته إلى رتبة لواء ثم مجلس وزراء برئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي استقال من منصبه في عام 1964 احتجاجاً على قرار حلّ الحزب الشيوعي السوداني. ومثل المجلسان سويا السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. ضم مجلس قيادة الثورة تسعة ضباط بينما ضم مجلس الوزراء “21” وزيراً برئاسة جعفر نميري رئيس مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع. إن معظم المدنيين الذين تم تعينهم وزراء كانوا من التكنوقراط حيث يحمل معظمهم درجات علمية رفيعة ومؤهلات عليا. إن ثورة مايو كانت نقطة تحول في تاريخ السودان فيرى مؤيدوها أنها ثورة اهتمت بالتعليم والعون الذاتي والتنمية والاقتصاد والوحدة الوطنية واسست اتحاد العمال والموظفين والمزارعين والمهنيين والمثقفين كما اسست التنظيمات الطلابية وتنظيمات المرأة وتنظيمات العمل ولجان التطوير والتعاون وعززت القومية واستطاعت ان تنقل السلطة السياسية كلها للتحالف الوطني العظيم. بينما يرى المعارضون لها أنها كانت ثورة هدامة وكانت السبب الرئيس في تدهور الخدمة المدنية وتراجع الاقتصاد من خلال المصادرات والتأميم كما انهاء احدثت خللا في التنظيمات السياسية من خلال التصفيات التي تمت لقيادات الحزب الشيوعي والانصار والجمهوريين.
سنتناول في المقال القادم إنقلاب هاشم العطا ومجزرة بيت الضيافة وأحداث الجزيرة أبا.
نواصل
Krimhashimi5@gmail.com
0912677147