أخبار وتقارير

معركة الإذاعة والتلفزيون.. رهائن ومخاوف من تدمير المكتبة‎‎

‎‎محمد الأقرع:

الخرطوم ـ «القدس العربي»:

معارك عنيفة ما زالت تدور رحاها حول مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في أمدرمان بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» وسط مخاوف متزايدة على مصير رهائن من العمال محتجزين في الداخل، فضلا عن خشية من أن يستهدف القصف العشوائي مباني مكتبة الهيئة، التي تضم تاريخا مرئيا وصوتيا ضخما، ويمتد لعشرات السنين.

وقالت مصادر لـ«القدس العربي» إن» 6 من العمال في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، كانوا محتجزين بالداخل، استطاع اثنان منهم أمس الأول بعد اشتداد القصف الجوي من قبل الجيش، مغادرة المكان، بعد خداع الحراسات التي تتبع للدعم السريع بأنهما كبيران في السن ويحتاجان إلى علاج من إحدى الصيدليات القريبة».

وأضافت أن «حراسات الدعم السريع طلبت منهما الذهاب والعودة لكنهما قررا الهروب واتخذا الأزقة والشوارع الفرعية حتى وصلا إلى مناطق آمنة، بينما لا يزال هناك 4 متبقين في الداخل مجهولي المصير».

ويشار أن قوات «الدعم السريع» ما زالت تبسط سيطرتها على مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، رغم القصف المتواصل للجيش، والمعارك العنيفة التي تدور حوله.

وأوضح شهود عيان لـ«القدس العربي» أن الطيران الحربي قام خلال اليوميين الماضيين، بدك مباني الهيئة، وقوات الدعم السريع تجمعت في المكان بأعداد كبيرة وتصدت للهجمات على مدار الأسابيع الماضية ومنذ اندلاع الحرب.

والإذاعة السودانية كانت قد أنشئت في الأول من إبريل/نيسان 1940 أبان الحرب والاستعمار الإنكليزي للسودان، بينما أنشئ تلفزيون السودان في عام 1962 أبان حكم الرئيس السوداني الأسبق، إبراهيم عبود. وتقع مباني الهيئة العامة التي تضم المؤسستين وسط مدينة أمدرمان، وقبالة شارع النيل. ويحكي تاريخ السودان عن عدد من المعارك دارت داخل وحول مباني الإذاعة والتلفزيون، أثناء الانقلابات العسكرية العديدة على السلطة التي نفذها منشقون عن الجيش ومسلحون في السودان، إذ كان على الدوام هذه المكان هدفا استراتيجيا لبث البيان الأول.

وبعد أن أحكمت قوات «الدعم السريع» سيطرتها على المكان، استطاعت تشغيل الإذاعة الرسمية في البلاد، لكن سرعان ما أطلق الجيش موجة موازية تبث من خارج الاستديوهات الرئيسية، كذلك التلفزيون القومي أعاد الجيش بثه، وتقول بعض المصادر أن بث التلفزيون وقناة النيل الأزرق وقناة سودانية أخرى، انتقلت استديوهات بثها إلى القاهرة.

أبعاد خطيرة

وبينت عضوة اللجنة التسييرية للعاملين في الهيئة الإذاعة والتلفزيون ـ المحلولة بأمر البرهان بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول، انتصار عوض أن «تلفزيون السودان يقع في مكان استراتيجي قرب النيل، ولم ينشأ اعتباطاً، هناك قوة إرسال شارات البث قوية جداً وهو موقع ظل محلا للصراع طيلة فترات الاضطرابات العسكرية في البلاد».

وواصلت: «بالقرب منه يقع منزل زعيم حزب الأمة القومي الراحل الصادق المهدي، كما يوجد في جواره جامعة الإمام الهادي والمسرح القومي وسجن النساء والطابية التاريخية، لذلك المعركة هناك لها أبعاد خطيرة».

وأضافت: «منذ عام 2019، نبهنا لخطورة وجود قوات الدعم السريع بهذه الكثافة في مداخل الإذاعة والتلفزيون، وفي الأماكن المحيطة بهما، ابتداء من شارع النيل ومسرح الفنون الشعبية وإدارة المصنفات الأدبية».

وألقت باللائمة على الإدارة الماضية التي اتهمتها بـ«التماهي معهم خاصة بعد إغلاق الدعم السريع للبوابة الشرقية للتلفزيون».

وتابعت: «هذا المكان توجد فيه خدمات لا تنقطع مياه وكهرباء وإنترنت، كما أن المعارك فيه في غاية الصعوبة، خاصة بعد أن خبرت قوات الدعم السريع المخابئ وكافة المداخل والمخارج». وأكدت أن «خطورة المعركة تتمثل في احتمالية القضاء على إرث وتاريخ طويل للشعب السوداني في مكتبة التلفزيون والإذاعة».

وتجدر الإشارة إلى أن مكتبة الإذاعة تضم المكتبة الثقافية ومكتبة الشرطة ووحدة الأفلام، كما توجد مكتبات فرعية من بينها مكتبة الأخبار والمكتبة الورقية وهي عبارة عن محفوظات ورقية يطلق عليها مكتبة مساندة للبرامج تخدم المنتجين والمعدين، إذ توفر لهم معلومات عن تفاصيل البرامج.

عضوة لجنة نقابة العاملين السابقة أوضحت أنه «نسبة لانقطاع الاتصالات ورداءة الشبكة لم يتم التمكن من معرفة العاملين المتبقين في المكان بعد اشتعال الحرب، لكنها في الوقت نفسه أكدت على خروج أغلبهم مع بدء المعارك».

سكرتيرة الحريات في نقابة الصحافيين السودانيين، إيمان فضل السيد، قالت لـ«القدس العربي»: «ظللنا نتابع منذ اليوم الأول للصراع الدامي والمعارك الدائرة في مبنى الهيئة القومية الإذاعة والتلفزيون، وكانت داخل المقر أعداد كبيرة من العاملين في الهيئة، كل طاقم وردية السبت 15 أبريل/نيسان، حجزوا تحت القصف لأيام في ظروف قاسية وعاشوا أوضاعا مرعبة تحت أصوات المدافع والقنابل والقصف بالطائرات ومضادات الطائرات وتم إجلاء بعضهم في الهدنة الأولى، أي بعد ثلاثة أيام، والبعض استمر احتجازهم لمدة خمسة أيام أخرى، بينما المعارك مستمرة».

وأشارت إلى «احتمالية الإفراج عن بقية المحتجزين خلال الأيام المقبلة» لافتة إلى «معلومات غير مؤكدة، تشير إلى أن بقية العاملين المحتجزين يتبعون هيئة البث ويتم استخدامهم من قبل طرفي الصراع لاستمرار رفع شارة الإرسال».

وقالت: «ربما يحتاج هؤلاء جميعاً إلى المناعة النفسية حتى يستطيعوا أن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي مرة أخرى».

مخاوف

وأبدت تخوفها وقلقها الشديدين على مكتبة الاذاعة الصوتية ومكتبة التلفزيون جراء هذه المعارك المستمرة، مشيرة إلى أن «كل الأرشيف والرصيد المعرفي للإذاعة والتلفزيون معرض للخطر، وربما يتم إتلاف الأجهزة والمعدات كما قد تتعرض الأشرطة للتلف». وأردفت: «هذه الحرب لا تهدد أمن المواطن ومستقبله فقط، بل تهدد كل الموروث التاريخي والمعرفي والثقافي لهذه البلاد».

وتأسفت مسؤولة الحريات في نقابة الصحافيين السودانيين، بأن يأتي اليوم العالمي لحرية الصحافة ويجد أوضاع الصحافيين في السودان بكل هذا السوء، بل إن الأوضاع الإنسانية والأمنية في السودان بشكل عام بالغة السوء جراء الحرب العبثية.

ولفتت إلى أن هنالك أعدادا كبيرة من الصحافيين احتجزوا في أماكن عملهم لأيام بعد نشوب الاقتتال لأن مكاتبهم تقع في مناطق ملتهبة في وسط الخرطوم.

وأشارت إلى تعرض أكثر (35) من الصحافيين المحتجزين الذين ينتمون إلى عدد من القنوات الإخبارية والإذاعية للقصف العشوائي في العمارة الكويتية في شارع النيل في الخرطوم، واحتجازهم هناك لمدة ثلاثة أيام في رمضان، حيث كانوا يعيشون على الماء فقط وبعض الشاي، وخرجوا أثناء الهدنة وتعرضوا في طريق عودتهم إلى منازلهم إلى مخاطر وانتهاكات متعددة.

كما احتجز (15) صحافي في وكالة السودان للأنباء لمدة أربعة أيام ونحو (13) آخرون لمدة (16) يوما في منطقة ملتهبة وكان لديهم القليل من المؤمن قبل أن تطلق النقابة نداء إلى الهلال الأحمر الذي قام بإجلائهم.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق