عبدالله رزق أبوسيمازة:
من اعتراف الأستاذ محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، بأنهم خلال التفاوض مع المكون الانقلابي، بوساطة الثلاثية ورعاية الرباعية، قد حققوا مانسبته 85% من مطلوبات التسوية، ولم يتبق منها سوى نسبة الـ 15% ، يمكن التخمين بأنها تشمل إخراج حميدتي والبرهان من المشهد السياسي، حيث أقر بأنهم فشلوا في تحقيق ذلك بجانب بعض أمهات القضايا التي استبعدت من الاتفاق الإطاري وهي قضايا جوهرية تتمثل في العدالة الجنائية والانتقالية الإصلاح الأمني والعسكري إصلاح الأجهزة العدلية ومراجعة اتفاق جوبا.
وبناء على ذلك يمكن التقرير بأن الاتفاق الإطاري كمشروع للتسوية اتفاق ناقص، وهو سبب وجيه لرفضه أو التحفظ تجاهه على الأقل.
ويمكن رد هذا النقصان إلى عاملين إثنين أولهما: اهتمام المكون المحلي بقضايا ومستلزمات العودة للحكم.
وثانيهما، انشغال المكون الخارجي بأولوية الاستقرار التي تتجسد في حكومة مدنية تتوفر على حد أدنى من القبول والشعبية وإبقاء السودان خارج حصة موسكو في إطار التكالب العالمي على القارة.
غير أن مفاوضي الحرية والتغيير لم يكتفوا بالفشل في عكس الإنقلاب مرة اخرى أو إنهائه أو حتى إسقاطه، إذ نحوا لقبول الانقلاب والتعايش معه، وإسباغ شرعية عليه، بدلاً من الرجوع للخطة (ب)، الرجوع للاستقواء بالشارع، وبالقوى الثورية الأخرى داخل التحالف وخارجه، في إطار جبهة عريضة قادرة على إسقاط الانقلاب.
كما هو متوقع فإن الاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع عليه يوم الإثنين 5 ديسمبر 2022، يحدث ارتباكا في المشهد السياسي إلى حين اكتمال الفرز وسط القوى السياسية ووسط قوى الثورة خاصة على أساس مع /ضد الاتفاق، ما يعني تغبيشا لطبيعة الصراع والتناقض الرئيس الذي يحكمه، منذ اليوم الأول للانقلاب باعتباره صراعاً بين قوى الردة والانقلاب من جهة وبين القوى المناهضة للانقلاب من الجهة الأخرى.
في ظل هذا التشويش الجاري للوعي يتوهم أن إسقاط الانقلاب يتم عبر التوقيع على الاتفاق الإطاري وبما يجعل الصراع يتمحور حول الموقف منه وهو بمثابة تداخل في الخنادق بدلا من إحداث الفرز الاستراتيجي بين خندق قوى الثورة والديمقراطية من ناحية، وخندق قوى الانقلاب والردة من الناحية الأخرى.
يرتهن مصير الاتفاق الإطاري بتنفيذه وبأدواته وبالقوى المنوط بها التنفيذ أي اجماع القوى الاجتماعية والسياسية التي يحشدها كحاضنة جديدة للوضع الانتقالي في نسخته الثانية التي يؤطرها الاتفاق وتشمل أطرافاً لا مصلحة لها في استمرار الثورة وتجذيرها أكثر مما يرتهن بحسن الصياغة وإحكامها فالوثيقة الدستورية والشراكة التي تأسست عليها لم تسقط إلا بفعل تجاوزات المكون العسكري الذي عمد في نهاية المطاف لتعديلها منفردا دون مسوغ دستوري.
فالقوى المشار إليها ستعمل ككوابح لعرقلة التقدم في تحقيق أهداف الثورة بتفكيك التمكين ومحاكمة رموز وقيادات النظام المقبور وتعزيز الديمقراطية وتحقيق العدالة بالاقتصاص للشهداء.
من نافلة القول أن الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان متماه مع تلك القوى، وعمل خلال العام المنصرم على إعادة تمكينها بنقض قرارات لجنة التمكين.
يحدث ذلك الاصطفاف في وقت تنعزل فيه قوى محسوبة على الثورة من التنظيمات السياسية والمهنية ولجان المقاومة وأسر الشهداء في ملمح ملموس لحالة التشظي والاستقطاب والاستقطاب المضاد التي أحدثها ويحدثها الاتفاق الإطاري كمشروع للتسوية، الأمر الذي يضعف قوة الدفع الثوري للانتقال.
غير أن الثقب الأسود في مشروع التسوية الجارية، والتي تعيد إنتاج الشراكة المغدورة دون اعتبار لدروس التجربة السابقة يتمثل في أن البرهان ليس الطرف المناسب في أي شراكة فتاريخه “الانتقالي” القريب مثقل بنقض العهود والمواثيق.
ولم يتخل البرهان حتى بعد التوقيع على الاتفاق عن الدفاع عن انقلاب 25 أكتوبر الذي وصفه نائبه حميدتي بأنه خطأ سياسي أن دفاع البرهان عن الانقلاب ووصفه بأنه كان ضرورياً ولم يكن خطأ سياسياً يعني أنه لن يتردد في تكراره مرة أخرى ويبدو أن القائمين على مشروع التسوية يشاركون البرهان الموقف نفسه فالمشروع ينطلق من القبول بالانقلاب كأمر واقع والتأسيس عليه كتعبير إجمالي عن العجز عن تفكيك الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد بسببه، ما يعني شرعنة الردة ومكافأة القائمين عليها بدلاً من مساءلتهم.
ليس متوقعا أن يؤدي تسويق وهم التسوية لتجاوز معضلة وأزمة الانقلاب تلقائيا، ما يعني أن تعود الشوارع التي لاتخون لكامل عنفوانها الثوري وسيحتج المسؤولون الذين يخرجون من معطف التسوية بأنهم لايملكون عصا موسى لتبرير الفشل في تلبية المطالب الشعبية المشروعة.
ومع تنامي الحركة المطلبية ضمن الحراك العام لن يجد أولئك المسؤولون حرجاً في اللجوء للعنف لاحتواء حركة الجماهير.
يجدر التذكير بأن العنف الرسمي في مواجهة المحتجين السلميين في الشوارع لم يتوقف حتى أثناء احتفالات التوقيع على الاتفاق الإطاري في القاعة المكيفة.
فالاتفاق قد يموه الانقلاب لكنه لا يسقطه، ولا ينبغي له، ولن ينهي الأزمة لذلك سيرتفع عالياً مرة أخرى شعار إسقاط الانقلاب لفتح طريق الانتقال الديمقراطي المدني بما يقتضيه ذلك من إحالة انقلابيي 25 أكتوبر 2021 للمحاكمة أسوة بانقلابيي 30 يونيو 1989وعكس كل القرارات والإجراءات التي تمت عقب الانقلاب بما فيها إعادة تمكين الفلول وإحالة المسؤولين عن استخدام العنف المفرط ضد المحتجين السلميين منذ اليوم الأول للانقلاب والذي أسفر حتى الآن عن استشهاد 120 شابا وشابة وإصابة ثلاثة آلاف آخرين وإحالة كافة العسكريين الذين تولوا وظائف سياسية للتقاعد وفق قانون القوات المسلحة وعدم السماح لهم بتولي أي مهام رسمية على مستوى القوات المسلحة أو الحكم.