“العدالة” لمن يدفع فقط

د.صلاح عمر الطيب:
فرض رسوم على الدعوى الجنائية يُهدد أمن المجتمع ويقنن الظلم في وقت تتعالى فيه الأصوات المنادية بترسيخ مبادئ العدالة وسيادة القانون. يطفو على السطح توجه خطير يتمثل في فرض رسوم على إقامة الدعوى الجنائية وكأن العدالة أصبحت سلعة تُشترى في حين انها أساس الحكم وحق مقدس.
تحريك الدعوى الجنائية هو أول خطوة نحو تحقيق العدالة لذا يجب أن لا يُقيد أو يُشترط بالقدرة المالية، بل يجب أن يكون مكفولًا لكل إنسان، غنيًا كان أم فقيرًا. فالدعوى الجنائية ليست خدمة شخصية مدفوعة الثمن، بل هي أداة المجتمع للدفاع عن نفسه ضد الجريمة. حين يُطلب من المواطن أن يدفع ليتحرك القانون، فإننا بذلك نفرغ العدالة من مضمونها، ونقنن
عدالة الغاب
عندما يجد المواطن البسيط نفسه عاجزًا عن دفع رسوم إقامة دعوى جنائية، فإن النتيجة المتوقعة هي اللجوء إلى أخذ الحق باليد، وعودة شريعة الغاب، حيث القوة وحدها هي الفيصل لا القانون. فرض رسوم كهذه يعني صراحة من لا يملك مالًا لا عدالة له وهنا لا يضيع حق فرد فقط، بل تُهدد ثقة الناس في النظام القضائي برمّته
مكافحة الجريمة مسؤولية عامة لا امتياز مالي
في كل النظم القانونية الرشيدة، منع الجريمة مسؤولية جماعية، تقع على عاتق المجتمع والدولة معًا، قانون الاجرءات الجنائية نص على أن مكافحة الجريمة واجب على الكافة كمبدأ والنيابة والي من لا ولي له فإذا ما تم تحميل المواطن عبء رسوم مالية لإبلاغه عن جريمة، فإننا عمليًا ندفعه إلى السكوت، ونمنح المجرم فرصة للنجاة. بهذا نكون قد وفرنا مناخًا ملائمًا للإفلات من العقاب وتفشي الجريمة، وهو أمر لا يليق بدولة تحترم القانون.
النيابة العامة ليست شركة خدمات
دور النيابة العامة هو حماية المجتمع، وليس تحصيل رسوم. التعامل مع الشكوى الجنائية كمجرد طلب خدمة يجب دفع ثمنه، يُعد تحويلًا خطيرًا لمفهوم العدالة الجنائية من وظيفة اجتماعية إلى خدمة تجاريه يُقوّض أساس استقلال النيابة العامة ومكانتها القانونية
الدين والأخلاق يدعواننا للتصدي للمنكر
السكوت عن الجريمة منكر، وقد لُعن بنو إسرائيل لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه. فكيف نُبرر اليوم السكوت عن الجرائم لأن التبليغ عنها يتطلب رسومًا هل يُعقل أن يدفع مواطن ليُبلغ عن قتل أو اغتصاب أو سرقة وبذا تُقنن الجريمة بينما نُقيد العدالة بالمال.
أين حق الفقير في العدالة؟
المتضرر الأول من هذا التوجه هو المواطن الفقير. وإذا كان ثمن العدالة لا يملكه إلا الأغنياء، فإن المجتمع بأكمله سيدفع الثمن لاحقًا. العدالة التي لا تشمل الجميع ليست عدالة، بل أداة لقهر الضعفاء وحماية الأقوياء.
رسالة مفتوحة للمسؤولين أوقفوا هذه الكارثة قبل أن تقع
لا تحولوا العدالة إلى سلعةولا تجعلوا القانون حكرًا على الأغنياء العدالة المجانية هي صمام الأمان لأي مجتمع إن فرض رسوم على إقامة الدعوى الجنائية ليس فقط مخالفة قانونية وأخلاقية بل خطوة نحو مجتمع يسوده الإحباط والانتقام وانعدام الثقة في المؤسسات.
وماذا عن دور الشرطة هل لها أن تفرض رسوما لتنفيذ توجهات النيابة مدفوعة الأجر لتقيد الدعوة الجنائية أم أن النيابة سوف تقوم بذلك بنفسها.
نسأل الله السلامة والعدالة