عصام الحكيم:
هبوط متتال للجنيه المصري أمام الدولار وتوقعات بأن يصل سعر الصرف إلى أربعين جنيها مقابل الدولار بنهاية العام الجاري في حال تم تحرير الجنيه المصري بالكامل بدون غطاء وحماية بالاحتياطيات اللازمة من النقد الأجنبي في البنك المركزي.
محلياً هبطت قيمة الجنيه المصري أمام الجنيه السوداني إلى 16 جنيها رغم ترنح الأخير وتفاقم حلقات وأزمات الوضع الاقتصادي بالسودان إلى مايشبه الركود والجمود الذي تسبب مؤخراً بشكل مباشر في انخفاض قسري في معدلات التضخم حسب نشرات وتقارير الجهاز المركزي للإحصاء.
وانخفاض معدل التضخم حتى نكون شفافين ومنطقيين وواقعيين ليس وثيق صلة بأي استقرار اقتصادي أو وفرة السلع وإنما بضعف وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطن نتيجة لعجزه المالي وذهاب جل مدخراته ومداخيله لمقابلة الصرف الكفاف على الأولويات والضروريات الملحة.
العديد من المؤشرات تؤكد خسارة الجنيه المصري المزيد من قوته في سوق سعر الصرف مع العملات الأجنبية لأن كافة السيناريوهات التي وضعت للتعاطي مع المشكلة ظلت تتخطاها عجلة الازمة للحد الدي جعل الاقتصاد المصري يقف على حافة الانهيار.
أخطر مافي الأمر هو تمظهر حالة من الهلع السلوكي المحسوس والمرئي في الشارع المصري أدت لزيادة معدلات سحب الأرصدة من البنوك المصرية ونشوء سوق مواز خفي للمضاربة في سعر الدولار وهو ماقد يوسع ويرفع من مستوى الطلب عليه وبالتالي انهيار قيمة الجنيه وخسرانه ونزيف لمزيد من نقاط القوة إزاء الدولار.
بل إن ارتفاع سعر الدولار في مصر وزيادة الطلب عليه من واقع مؤشرات التداول مابين الشراء والبيع وبالمضاربة خارج مظلة القطاع المصرفي خلق أزمة مفاجئة في حركة الاستيراد والتصدير للسلع وأصاب القطاع الجمركي بالشلل عند المنافد البرية والبحرية والجوية وربما تحول الوضع المعيشي في مصر إلى جحيم لايطاق حينما تنتفي المقاربة والمعادلة مابين الدخل اليومي للمواطن والقدرة على شراء متطلبات الحياة الملحة.
اللافت في الأمر مع اختلاف وتباين طفيف في الأسباب أن مظاهر الأزمة شبيهة بما ظل يحدث ويتكرر في السودان في السنين الأخيرة بعدما فشلت سياسات الدولة في السيطرة على حالة الانفلات في سعر العملة الوطنية والحد من تدهورها و لم تجد معها الحلول الأمنية في ظل غياب الحلول الاقتصادية الناجعة.
ويكفي أن التحايل على تغطية وتغبيش وتمويه الأزمة استثمر واستغل بغباء وسطحية كل مهارات الغش والتدليس والتلبيس لإغواء عقلية المواطن بدءا من تغيير العملة من الجنيه للدينار لبلع ذمة الأصفار التي عربدت وتراقصت يمين الجنيه وتماهيا مع هوس (أسلمة) الاقتصاد والنظام المصرفي في السودان مع موجة أسلمة الدولة نفسها باعتبار أن الدينار يحمل في رمزيته مدلولا للثقافة الإسلامية عكس الجنيه، لكن كان هذا قبل العودة لسياسة الهبوط الناعم وتغيير العملة مجدداً للجنيه مرة أخرى وطمس هوية الدينار ومن ثم إدخال المواطن في متاهة ودوامة التلاعب الفلكي المضخم بفوارق حجم وحقيقة القيمة الورقية والنقدية للعملة، فضاعت وتلاشت في خضم ذلك قيمة المليون في المليار الذي لم يكن حاضراً في جل معاملاتنا المالية الرسمية والتجارية وذاب المليار في الترليون الذي عربد مؤخرا في لغة المال والأعمال والإعلام ونتوقع أن يحل قريبا سعيد الحظ والسمعة الديشليون خلفا للترليون إلا إذا كان هناك في جنيهنا السوداني بعضا من حياء وقوة حيلة يمكن يشفعان له ويمنعان الديشليون من التحليق والخفقان بكلتا جناحيه في سماء سوق المال والاعمال.
عموما ننتظر مايمكن أن يحدث في الجارة مصر بعد أن أثبتت وعلمتنا التجربة بالأدلة والبراهين أن حراسة وتتريس قيمة صرف العملة الوطنية بالحلول الأمنية والمعونات والمسكنات والودائع الخارجية وسياسات التحرير الحمقاء وقرارات التعويم الأجوف لن تجدي فتيلا .