مقالاتمنوعات وفنون
الأستاذ عبد المنعم عطا السيد.. خبر الحزن الأليم
كلمة عزاء في الراحل المقيم ذكرى الرحيل الخامسة
هشام عباس زكريا:
هناك أناس يرتبطون بالمكان فينسجون عنه القصص والحكايات، هناك أناس لا تستوعب روعة المكان إلا بدونهم، هم ألق المحط وطعم الجلسة وفاكهة الحضور وعطر الزيارات، لا أتخيل (ريرة ) التي لم أزرها بدون (القرشي) ولا يمكن عدم السؤال عن الصديق في (القولد)، ولا يمكن لأبناء جيلي الذين الهمهم النشيد التعليمي الشهير ارتباط المكان بالفرد أن يتذكروا (الجفيل) دون (سليمان)، و(بابنوسة) دون (ابن الفضل)، ولا يمكن أن يزوروا (محمد قول) من غير زيارة أهل (حاج طاهر)، ولا (ود سلفاب) دون (أحمد) ولا يمكن تخيل (عطبرة) دون سائق القطار (عبد الحميد).
جالت بخاطري هذه المعاني وقد ارتبطت عندي قرية (الجابراب) الأنيقة بولاية نهر النيل بالمحمية غرب بشخصيتين عظيمتين بحكم عملي معهما في مجالات متعددة، الشخصية الأولى هي الأستاذ بشير كباس الذي رحل عن الفانية العام الماضي (٢٠١٦) بعد حياة حافلة بالعطاء في ميادين العمل العام، والثانية هي الأستاذ المربي /عبدالمنعم عطا السيد محمد علي حميد، والذي رحل عن الدنيا هذه الايام (يناير 2017 ) بقرية (الجابراب)، والأستاذ عبد المنعم قصة طويلة من التضحيات والبذل الوطني والأسري والاجتماعي، قصة لم تكتمل من معلم لم يعرف في حياته غير الطلاب والفصل وخدمة الناس في تجرد ونزاهة، الكتابة عن استاذنا عبد المنعم هي الكتابة عن سوداني سامق كنخيل بلادي حول ضفاف النيل، هو رجل طاعم كالبرتقال الذي ينمو في (الجابراب) ،كريم كالنيل الذي يجري في بلدي، أصيل ،عفيف ،عابد ،نقي ،تقي، لا يعرف الا الخير
شهد بدايات العام 1947 ميلاد الأستاذ عبد المنعم عطا السيد في قرية (الجابراب) الوادعة والتي أسهمت من خلال رجالاتها في تأريخ السودان وهنا لابدّ أن نذكر الشيخ / محمد علي فاضل الذي كان قاضياً مشهوراً في فترة المهدية وكان منزله قبلة لأبناء (الجابراب) وقاعة للدرس والعلم ومن بعده جاء الشيخ / أحمد الأبوابي الذي تخرج في معهد أم درمان العلمي وحفظ القرآن الكريم وهو صغير وأصبح من الدعاة المعروفين بالمنطقة.
ومن المعاصرين يبرز اسم البروفسير / عبدالرحمن محمد موسى رئيس مجلس التخصصات الطبية الأسبق والبروفسير / أبوبكر مصطفى محمد خير، وهو من الأكاديميين المعروفين بالسودان والبروفسير فيصل عبد الله الحاج مدير جامعة السودان المفتوحة السابق والأمين العام المساعد لاتحاد الجامعات العربية سابقا.
وبرز من أبناء المنطقة المهندس الطيب الريح خلف الله الذي كان أول الشهادة السودانية في العام 1979م .. ولا يمكن أن نذكر ( الجابراب ) دون ذكر أسرة ( البرير ) المعروفة بنشاطها التجاري وقد أسهم أبناؤها معاوية ومأمون والأمين في كثير من مشروعات التنمية بالمنطقة هذا على سبيل المثال لعمالقة في مختلف الميادين قدمتهم الجابراب..
في هذه القرية ولد الأستاذ عبد المنعم عطا السيد ودرس في خلوة (الباشاب) الشهيرة بالمنطقة، ومن هنا بدأت اتجاهات الخير تتشكل عنده ،ثم انتقل الى مدرسة ودحسين الأولية بولاية الجزيرة ثم الشرقية الأولية بمدينة الحصاحيصا ثم مدرسة مدني الوسطى.
وما بين ولاية نهر النيل وولاية الجزيرة تشكلت مبادئ إنسان قدم الجهد والعطاء من أجل الوطن، فكان اسماً على مسمى
تخرج الراحل في كلية المعلمين (بكسلا) ونال دورات تدريبية في بخت الرضا بالدويم، وبعد ذلك تواصلت الرحلة المليئة بالمواقف الوطنية لأستاذنا عبد المنعم عطا السيد مع التعليم حيث بدأ معلماً بمدرسة البوليس الابتدائية بمدني، ثم مدرسة أبو عدارة الابتدائية بطابت، ثم مدرسة حلة حسن الابتدائية بمارنجان، ثم كلية المعلمات بودمدني ،وبعد ذلك اتنقل للعمل بولاية نهر النيل بمدرسة الكتياب ثم سقادي
شكلت الفترة من العام 1987 الى العام 1992 مرحلة مهمة في حياة فقيدنا الأستاذ عبد المنعم عطا السيد حيث تم انتدابه للعمل باليمن الشقيق وهي فترة عكس فيها المعلم السوداني وجهاً مشرقاً للسودان ومثل سفارة ساهمت في ترسيخ الصورة الحقيقية عن انسان السودان في تلكم المناطق وقد ظل اليمنيون وفيون لذلك ونلحظ هذه المشاعر من خلال معاملاتهم معنا متى ما التقينا ، لا تجد يمنياً الا ويحفظ اسم أستاذ وموقف مشرق، وانتهز هذه الفرصة لا قدم اقتراحا لوزارة التربية للتوثيق لهذه الفترة المهمة التي أكدت كفاءة الأستاذ السوداني
بعد عودته للسودان عمل الراحل موجهاً في عدد من المناطق بمحلية الدامر حتى تقاعد عن العمل في العام 2007،وبعد ذلك ساهم بفاعلية في تأسيس المركز التعليمي لجامعة السودان المفتوحة بقطاع الإنقاذ بمحلية الدامر وكان يعمل في كثير من الأحيان متطوعاً من أجل خدمة المعلمين حتى تخرجت أعداد كبيرة من المعلمين والمعلمات في المنطقة بعد الجهود الكبيرة التي قام بها مع الأخ الأستاذ ميسم، وهنا لا ننس فضل رجل كريم هو الشيخ الأستاذ/ مصطفى العمدة الذي استضاف أول وفد للجامعة المفتوحة بالمنطقة في العام 2004 ووفر له كل الدعم اللازم ومصطفى العمدة اطال الله عمره قصة أخرى نرجع اليها في مقال آخر، واتقدم باقتراح لأسرة جامعة السودان المفتوحة بمنح درجة الدكتوراه الفخرية للراحل استاذنا عبد المنعم لوقفاته التاريخية مع الجامعة ولإسهامه في تنمية مجتمعه المحلي من خلال نشاطه في تأسيس فرع كلية تنمية المجتمع بالمنطقة مع الأستاذ بابكر عبد الله عبد القادر الدفيع وهو من الشباب المجتهد بالمنطقة والذي قدم عملاً كبيراً من خلال اشرافه على الكثير من الأنشطة المجتمعية بالمنطقة وهو على درب هؤلاء الأماجد سائر إن شاء الله
رحل الأستاذ عبد المنعم عطا السيد بعد أن عطر المكان بخطب خالدة في المساجد وصلوات تشهد له ،رحل بعد أن قدم عصارة خبرته في العمل الطوعي ولجان المساجد والخلاوي والجمعيات التعاونية والمجالس التربوية للمدارس.
رحل الأستاذ عبد المنعم ولن ترحل تلكم الابتسامة التي كانت مطبوعة في محياه، سنظل نذكره بتلكم الخصال الطيبة والحب للناس والحديث الدافئ العذب والكرم الفياض والزهد، لا أدري من أعزي، أعزي نفسي وأسرته وكل الوطن في هذا الفقد الكبير.