مقالات

لماذا يستهدفوننا…؟

علي عسكوري:

في العام ٢٠٠١ وبعد هجمات سبتمبر خرج الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن على العالم و وطرح السؤال التالي: لماذا يستهدفوننا؟ ثم تطوع بالاجابة عليه: “انهم يستهدفون أمريكا لأنها واحة الديمقراطية وارض الحريات والاحلام الخ…” او هكذا…تلك اجابة فيها كثير من تزوير الحقائق ومغالطة الواقع وغرور وغطرسة معروفة عند الاوليغارشى الذي يحكم امريكا ويسيطر على العالم، رغم ذلك تبقي الحقيقة ان ذلك الفهم هو ما تعتقده النخبة الحاكمة في امريكا، التى نالت مجموعة من الارهابين من امنها واثارت غضبها فنهضت باساطيلها وبوارجها تلاحقهم حول العالم وما انفكت.
القطب العالمى الآخر روسيا يري انه مستهدف وان الغرب يتبرص به من خلال محاولته ضم اوكرانيا لحلف شمال الاطلنطى الخ… ايران ترى انها مستهدفة وكذلك العراق والصين واسرائيل وسوريا واليمن والصومال و الكوريتين الخ.. حتى بدأ العالم وكأن الجميع يستهدف الجميع..!
و ان فهمنا ان الاستهداف بين الدول الكبري ناتج من التنافس على النفوذ والهيمنة و السيطرة، فكيف نفهم استهداف بلادنا..؟

إن فهمنا لدوافع استهداف بلادنا و ايجاد الاجابة الصحيحة عليه هو ما سيضع حدا للاستهداف..! وكما يعلم المختصون لا توجد طريقة لعلاج المرض قبل تشخيصه وتحديد طبيعته، فكلما كان التشخيص دقيقا وصحيحا كلما كانت فرصة تحديد طبيعة الداء اسهل واوضح وبالتالى تمكن الطبيب من وضع العلاج الناجع للمرض..! هذه قضية يفهمها الاطباء تماما وتمثل ركن الزاوية في مهنتهم. فلا وصفة دواء دون تشخيص، يصح ذلك ايضا في السياسية.
وقعت بلادنا منذ الاستقلال في حلقة الاستهداف الدولي من اجل النفوذ والسيطرة والموارد، وللاسف ظلت قياداتنا المتعاقبة تتعامل مع امر الاستهداف وكأنها بمنجاة منه او تنحو لاستبساطه او انها قادرة لوحدها على رده، او احيانا تتعامل بسذاجة ان الاستهداف غير موجود او انه مؤقت وسيتلاشي او يذهب مع الريح وسيكون بوسعنا مواصلة حياتنا كما نريد، نأكل (القراصة والعصيدة وملاح ام تكشو) ونردد اشعار الهمباتة وجلالات الاسلاميين او شعارات اليسار الرومانسية ونعتقد ان ذلك كاف لرد الاستهداف عن بلادنا او ان صياحنا كاف لردع المتطاولين علينا.

بعض القوم يعتقد طالما اننا دولة (ذات سيادة) فعلى العالم ان يتركنا في حالنا لنفعل ما نريد في البقعة من الارض التى نعيش عليها..! هذا الفهم الساذج هو ما اوردنا المهالك وشرد مجتمعنا حول الارض، وذهب ثلث اراضي بلادنا والحبل على الجرار.
ليس تفكيك الدول او الامبراطوريات امر جديد في تاريخ البشرية. ففي القرن الماضي تم تفكيك اربعة امبراطوريات، الانجليزية، الفرنسية، العثمانية، الروسية، كما تم تفكيك يوغسلافيا وذهبت ريحها واصبحت عدة دول، كما تم الاعتراف بدولة تيمور الشرقية وخرجت من اندونيسيا، وكذلك خرجت ارتريا من اثيوبيا وخرج جنوب السودان من السودان، كما خرجت جمهورية ارض الصومال عن دولة الصومال فلا استطاعت الصومال اعادة ضمها و لا اعترف بها العالم وهكذا اصبحت تمثل وضعا شاذا في جغرافية العالم.

ذكرنا ذلك لتذكير الناس ان الصراع السياسي على الموارد وعلى النفوذ جزء اساسي من حقائق حياة البشر واننا جزء من المجتمع الانسانى و نعيش على ارض بها الكثير من الموارد خاصة المياه والاراضي الزراعية وان العالم يحتاج لتلك الموارد. ونحن – وبالرغم من تطاول العقود- فشلنا في استغلالها بقدراتنا الذاتية كما اننا لم نسمح ولم نشارك العالم معنا في تطويرها كل هذا ونتوقع ان يظل العالم ينظر الينا وينتظر ونحن في شجار وفوضي وحروب لا تنته!

يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو ان مشكلة الصراع على الموارد بدأت بعد اكتشاف الزراعة وانتاج المحاصيل، وان الصراع على الارض تحديدا بدأ عندما سور (بتشديد الواو) احد الناس ارضا ووقف عليها و اعلن انها ملكه لوحده دون الاخرين، وهكذا بدأ تسوير واحتكار الارض من قبل البشر، ثم اكتشف الانسان انه محتاج ان يدافع عن حيز الارض التى اعلن انها ملكه، فجاء بأولاده ثم اقربائه ثم القبيلة الخ ونشأت فكرة المدافعين عن الارض وتطورت عبر الحقب الى ان تكونت الدول والامبراطوريات واصبحت لها جيوش تدافع عنها وتهاجم الدول او المجتمعات الاخري لتستولى على ما عندها.
اثبتت هذه الحرب ما هو معروف في الصراع الانساني بالضرورة ان الصراع البشري في جوهره هو صراع بقاء، والبقاء والاستمرارية يعتمدان بصورة كاملة على الحصول على الموارد.

يخطىء من يعتقد ان العالم سيتركنا لحالنا لنفعل ما نريد ونحن نمتلك الاراضي الزراعية الشاسعة والمياه والذهب الخ. الاعتقاد الساذج بأن العالم سيتركنا لحالنا وان بوسعنا ان نفعل ما نريد في الحيز الجغرافي الذى نعيش عليه هو ما اوردنا ما نحن فيه من خراب وتشرد وحالنا يغنى عن سؤالنا.

والحال كذلك يبقي السؤال الجوهري الذي يجب ان يسأله كل منا لنفسه هو: لماذا نحن مشردين في الارض وفي بلادنا ما يكفي لاعاشتنا – ربما بكثير من الرفاهية – واعاشة شعوب اخري كثيرة؟
والاجابة عندى بسيطة… وهى اننا شعب لا يمتلك رؤية لتطوير بلاده و لا يعرف ما هو دور العالم في تلك الرؤية (التى لم نتفق عليها بعد)! وطالما ظللنا نتردد يمينا ويسارا او ندور في حلقة مفرغة سيجد العالم نفسه مضطرا لوضع رؤية لنا وسيفرضها علينا (willy – nilly). فما اكثر الجنجويد والمرتزقة في العالم، وما اكثر ممولى الحروب فالطامعين كثر والتنافس حاد والضحية شعبنا.

أكثر ما يغري ممولي الحروب للدفع والتمويل هو ان اى مبالغ يخسرونها سيكون بوسعهم تعويضها من موارد بلادنا متى ما دانت السيطرة لهم فالموارد وفيرة بما يكفي لتعويض اى قدر من الخسائر. ولذلك سيكونوا دائما على استعداد للدفع والتمويل. و إن قضينا على جنجويد اليوم لن يعجزهم استئجار جنجويد آخر وهكذا ففى بلادنا ما يغريهم لفعل ذلك.
ان هذه الحرب اللعينة يجب ان تكون قد ايقظتنا من غفوتنا او نومنا او سبهلليتنا الممتدة و علينا ان ننتبه ونركز في اخطائنا ونبحث عن الخلل في مجتمعنا وفي دولتنا و نسأل انفسنا لماذا نحن بدون اصدقاء..؟
علينا، ولكى نكف مجتمعنا وبلادنا كل هذه الشرور والدماء ان نركن العاطفة والحماس جانبا ونستخدم عقولنا منطلقين من حقائق الواقع واوضاع مجتمعنا ودولتنا.
ولكى تتوقف هذه الحرب وربما القادمات علينا ان نتوصل لصيغة عملية تمكننا من التعايش مع العالم…فواقع الحال يقول اننا لسنا في وضع يمكننا من فرض ارادتنا او خياراتنا على العالم..! لقد تسببت الحرب في تشريد مجتمعنا وضربت تماسكه وربما ذهبت ريحه وخسرناه؛ ولولا صمود القوات المسلحة والمستنفرين لخسرنا الدولة ايضا. ترى هل وعينا الدرس!
الان بوسعنا اختصار هذا المقال الطويل في سطر واحد هو اننا في خلال ما يقارب السبعين عاما رغم اننا دولة غنية بالموارد لم نكن مفيدين لأنفسنا ولا للعالم بل كنا عالة على العالم نتسول قوتنا، وهذا وضع يصعب الدفاع عنه.
بالطبع هنالك ما نتمناه لبلادنا ومجتمعنا ولكن ليس بوسعنا ادراكه او تحقيقه حاليا بضربة لازب، وهنالك ما نكره ولكن ليس بوسعنا تجنبه وبعض الشر اهون من بعض كما يقولون.
رحم الله ابو الطيب:
ومن نكد الدنيا على المرء ان ترى
عدوا لك ما من صداقته بد

ان الخطأ القاتل الذى وقع فيه اليمين واليسار وما بينهما هو اعتقادهم القديم ان بوسع الشعب السودانى محاربة الامبريالية منفردا..! هذا الفهم عند اليسار واليمين على حد السواء حمل (بتشديد الميم) البسطاء من مجتمعنا فوق ما يطيقون حتى اصبحوا نهبا للمسغبة والتشرد والبؤس.

والعاقل من اتعظ بغيره وفي التاريخ البعيد والقريب عبر لمن اراد ان يعتبر!

هذه الأرض لنا

٣ مايو ٢٠٢٤

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق