مقالات

د.محمد الجاك سليمان يكتب: هل تلوح في الأفق فرصة للسودان لبناء أساس لاقتصاد مستدام؟

يمر الاقتصاد السوداني بمنعطف تاريخي خطير ففي غضون العقد الأول من القرن الحادي و العشرين، كانت صادرات النفط تمول النمو الاقتصادي القوي: و تشير التقارير أنه بحلول عام 2012 ، كان الاقتصادالسوداني قد نما بأكثر من ، الضعف عما كان عليه عام 1999 و كان ذلك يرجع إلي الطفرة النفطية في أعوام 1999-2010 التي أتاحت للسودان فرصة لاستجلاب ايرات ضخمة جدا مقانة بما قبلها، غير أنه عقب انفصال جنوب السودان عام 2011 تراجع إنتاج النفط بنسبة 75 في المائة، وانخفضت الإيرادات أكثر من النصف، ودخل الاقتصاد حالة من الركود و واجه الاقتصاد السوداني خيارات صعبة يجب اتخاذها كي يتسنى وضع الاقتصاد على مسار للنمو المستدام في المستقبل.
وعند النظر إلى فترة الطفرة النفطية في أعوام1999 – 2010 ، يتضح ان السودان قد أضاع فرصة لبناء أساس اقتصاد قوي غير نفطي، إذ لم تتحول الإيردات النفطية إلى ما يعادلها من استثمارات عامة في التعليم والبنية التحتية. وخلال هذه الفترة، اعتمد السودان اعتمادا شديدا على القطاع النفطي ولم يقم بتنويع أنشطته الاقتصادية الأخرى للفترة بين عامي 2000 و 2010 ، مما يعني أن البلد ككل استهلك نسبة كبيرة من ثروته في استجاب السلع الاستهلاكية و الكمالية وباختصار، كانت الطفرة النفطية تخفي حقيقة أن الاقتصاد موجه نحو الاستهلاك والاستيراد، بدلا من الإنتاج والتصدير، وهو مسار غير مستدام للنمو.
إن الطفرة النفطية في أعوام 1999-2010 أتاحت للسودان فرصة لبناء أساس لاقتصاد قوي ومستدام غير نفطي، بيد أن هذه الفرصة قد تبددت إلى حد كبير، إذ لم تُستخدم موارد النفط المستنزفة بالسودان في استثمارات عامة في الانشطة الاستخراجية الأخرى و الزراعة و الصناعة و التعليم والبنية التحتية و الصحة و الاسكان رغم أن السودان كان يتمتع بمستوى مرتفع للغاية لنمو إجمالي الناتج المحلي نتيجة لزيادة الإنتاج النفطي فقد ظل الاقتصاد شديد الاعتماد على مورد اقتصادي واحد وهو النفط. ولم تسجل الاستثمارات العامة نموا سريعا بما يكفي لتعويض استنزاف و إهدار الموارد النفطية. ويشير صافي المدخرارت إلى أن السودان قد استنزف احتياطياته النفطية بدون أن يستبدلها بما يعادل قيمتها في استثمارات عامة. وهذا يعني بدوره أن الاقتصاد – حتى عند ذروة الطفرة النفطية – لم يكن يمضي أبدا على مسار للتنمية المستدامة.
يتضح أن السودان بحاجة، في المرحلة المقبلة، إلى أن يتعلم من دروس الماضي، فيجب تحويل الإيرادات من أنشطة تتصل بالموارد الطبيعية إلى مدخرات عامة. وبهذه الطريقة يمكن أن تلعب الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية دورا حيويا في وضع الاقتصاد على مسار للنمو أكثر استدامة. وسيتطلب هذا التحصيل الفعال للإيرادات الوطنية واستثمار المدخرات العامة في التعليم والبنية التحتية ورأس المال الاجتماعي. يستلزم هذا الامر تطوير أنشطة جديدة تتعلق بالموارد الطبيعية مثل التنقيب عن المعادن و إستخرجها و تصنيع ها و دعم سلاسل القيمية في المنتجات الزراعية و الحيوانية و الاتجاه نحو التصنيع على أن يتم بفاعلية ادخار واستثمار باقي إيرادات الموارد الطبيعية في السودان.
يجب على السودان، لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة على المدى الطويل، و أن يضع خطة وطنية لاستثمار باقي ما ينتج عن ريع الموارد في أشكال بديلة. واستغلال الموارد الطبيعية غير النفطية، وتحديث الزراعة و الصناعة. حيث سيكون لتحديث قطاعات الزراعة و الصناعة و الانشطة الاستخراجة في السودان أهمية بالغة للنمو الذي يشمل الجميع بمنافعه. و لأن بعض الاحصآت تشير إلى أن مجموع إنتاج الحبوب لا يغطي إلا 65 في المائة من الاستهلاك السنوي من الحبوب لذلك يعتمد السودان على الواردات الغذائية لتغطية العجز في الاستهلاك. و لان الاعتماد على الواردات الغذائية يضر بالقطاع الزراعي و بالفقراء والمحرومين، وخاصة في المناطق الريفية. غير أن إنعاش قطاعي الصناعة و الزر اعة ومن ثم تنويع مصادر الاقتصاد يتطلب توجيه السياسات توجيها جديدا يشدد على تغيير الاتجاهات التي كانت سائدة في الماضي ويتمثل التحدي في تشجيع وتسهيل الصادرات في مجالات مثل الزراعة و الثروة الحيوانية والتصنيع. ولهذا الغرض ستستفيد هذه القطاعات استفادة كبيرة من الاستثمارات العامة الممولة بفوائض إيرادات الموارد الطبيعية المستنزفة في السودان كما ان تحسين البنية التحتية للنقل بغرض الحد من تكلفة نقل المنتجات الزر ارعية و الاستخراجية و الصناعية إلى الأسواق.
ايضا يمكن أن تلعب صادرات الذهب دورا في الانتقال إلى اقتصاد أكثر تنويعا في مصادره، وخاصة في تمويل العجز التمويلي المؤقت. لكن إمكانيات زيادة صادرات الذهب ينبغي ألا تحول الانتباه عن حقيقة أن إيرادات الموارد الطبيعية لم تساعد في بناء رأس المال للمستقبل، وذلك لأسباب تعود في معظمها إلى الانخفاض الشديد في معدلات المدخرات العامة. إن السودان بحاجة ملحة إلى تطبيق نظام لاستثمار إيرادات النفط والذهب وغيرهما من الموارد الطبيعية في َرأسمال طويل الأجل وتنويع مصادر اقتصاده. و بما انه قد ضاعت الفرصة التي أتاحتها الطفرة النفطية طوال عشر سنوات، لكن الأزمة الحالية تمثل فرصة لمعالجة هذه التحديات الهيكلية. وستساعد الموارد الطبيعية المتبقية في تخفيف الانتقال، لكنها لن تحل ما يواجه السودان من مشكلات اقتصادية ومالية عاجلة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق