بقلم/ هشام عباس زكريا:
قبل أسبوعين من الآن تواصل معي الأخ العزيز المرحوم طارق الفكي عبد الرحمن طالباً منى مداخلة إذاعية عن الراحل أستاذنا عبد الواحد لبيني لتنشر أيام احتفاء إذاعة عطبرة بعيدها رقم (37)، وبعد الإنتهاء من التسجيل داعبني أنه أصبح إعلاميا بالمعاش بعد تقاعده هذا العام، فقلت له لا تقاعد لإعلامي، وانتهت المقابلة على أن أسجل مداخلة أخرى عن الرحل الأستاذ عبد المنعم قمر الدين الكتيابي. وهكذا كان الراحل طارق الفكي كائناً انسانياً متدفقاً بالأحاسيس الصادقة نحو زملائه. عرفت الأستاذ طارق الفكي عبد الرحمن منذ (32) عامأ من الآن عندما كانت الإذاعة في مكاتب الإعلام بعطبرة مكان بنك أم درمان الوطني الآن، كنا نجده في مكتب التصوير الذي يستخدم أدوات تقليدية في تحميض الصور ثم بعد ذلك إنتقل إلى الإذاعة نهاية الثمانينيات مذيعاً ومحاوراً ومقدماً للبرامج.
إن شخصية الراحل طارق الفكي يمكن النظر إليها من عدة نوافذ، فهو إنسان بمعنى الكلمة، يميز شخصيته الهدوء والزرانة والصمت وتقدير المواقف بحكمة والاعتراف بجهد الآخرين في مجال تبرز فيه معايير المنافسة، كما كان يعتقد دوماً أن الإعلامي (مظهر وجوهر) فظل أنيقاً نظيفاً معطراً، وقد كنت أقصده كثيراً ليدلني على مكان بيع الملابس الزاهية التي كانت سمته المميزة مما أعطاه نكهة خاصة فربط نظافة القلب بنظافة الجسد، وعطر الروح بالروائح الجميلة حيث له أسلوب وذوق خاص في انتقاء واستخدام العطور.
وما يميز الراحل طارق الفكي هو الإرث المعرفي والأدبي والسلوكي الذي ورثه عن والده الراحل الأستاذ الفكي عبد الرحمن التربوي والمسرحي والإذاعي المعروف (العم مختار) فقد نشأ في بيت علم ومعرفة وصلة بالإعلام منذ الصغر، وهذا ساعده في أن يجد سريعاً مكاناً في الوسط الإعلامي، أيضاً نافذة أخرى يمكن النظر من خلالها لشخصية الأخ الفاضل الراحل طارق الفكي هي حبه لمهنته، فرغم أنه وصل أعلى الهرم الإداري في هيئة إذاعة وتلفزيون ولاية نهر النيل إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يكون ميدانياً مع الجماهير ينقل الأحداث حيث له حب خاص للبرامج الجماهيرية وهذا ما مميز تاريخه الإعلامي.
أيضا كان طارق منتهى التواضع، فلم تبطره شهرته في نهر النيل أن يبعد عن الناس، ولي معه تجربة خاصة، حيث إنه كان من الكوادر التي قامت على تدريبنا عندما كنا نأتي طلاباً في الإجارة إلى إذاعة عطبرة، وعندما التحقت بطاقم التدريس بجامعة وادي النيل جاء طالباً يجلس في القاعة التي أحاضر فيها، وما تحرج أن المحاضر كان أحد تلامذته في يوم من الأيام، وقد كان وجوده يثري المحاضرات لما له من خبرة ومواقف كان يرويها لطلبة الإعلام.
كان كل ما خرج من الإذاعة تجده يمشي راجلاً فما وجدته ينتظر سيارة أو يجعل لنفسه بريستيجاً وبروتوكولاً وأظنه كان يتعمد ذلك لأن في كل مشوار له مشروع برنامج إذاعي وفكرة جديدة.
عاش الأستاذ الراحل طارق الفكي عبدالرحمن، بطريقته الخاصة. لديه مقدرة كبيرة في اخفاء مشاعر الحزن حتى لا يُحزن من حوله، ومن الداخل تجده يتمزق، له أفق عام جعله يهتم بأحوال غيره أكثر من اهتمامه بشؤونه الخاصة فعاش زاهداً ومات على حب وتقدير الناس له.
رحم الله الأخ العزيز طارق الفكي الذي رحل عنا دونما وداع، وفي رسائله لى كان التخطيط لبعض البرامج التوثيقية، لكن كانت المشيئة الإلهية بالرحيل.
نستودعك المولى أخي طارق فقد كتبت في حياتك كم أنت عظيم، والعزاء لأسرته الكبيرة والصغيرة وللزملاء في الإعلام بنهر النيل وكل السودان ولكل إذاعة عطبرة ناسها وجدارنها واستدويوهاتها ومستمعيها.
أخوك
هشام عباس