مقالات

محمد بابكر يكتب: الذين يخونون أوطانهم هم مرضى نفسيون يجب معالجتهم

السودان، بتاريخه الغني وتنوعه الثقافي والاجتماعي،يشهد صراعات وتحديات سياسية معقدة أثرت بشكل عميق على استقراره وتقدمه.
وهنا يبرز تساؤل محوري ومؤرق لماذا يلجأ بعض أعضاء الأحزاب السياسية، التي يفترض بها أن تمثل مصالح الشعب وتسعى لرفعة الوطن، إلى القيام بأفعال تتعارض مع المصلحة الوطنية العليا،
بل وقد تؤدي إلى تفاقم الأزمات وتدمير البلاد؟

يقول د معاذ شرفي أن خيانة الوطن تعني الأعمال التي تضر بمصالح الوطن أو أمنه، مثل تسريب المعلومات الحساسة أو العمل ضد المصالح الوطنية.

وعزا ذلك إلى ان بعض الأفراد قد يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق، مما قد يدفعهم إلى التصرف بطرق ضارة تجاه اوطانهم
او قد يشعرون بالغضب أو الرغبة في الانتقام من وطنهم بسبب ظروف معينة، مما يدفعهم إلى خيانته.
و قد يكون هناك تأثيرات خارجية مثل التلاعب أو الإغراءات المالية التي تدفع الأفراد إلى خيانة وطنهم.

في تقديري أن خيانة الوطن لاتأتي من شخص سوي غيور ومحب لوطنه
فكل الذين يعملون ضد اوطانهم موبؤن بالحقد الاعمي على اوطانهم.

إن الحرب التي نعيشها الان رغم مافعلته بالشعب السوداني من تقتيل وتهجير واذلال ونهب وسلب وافقار الا انها عرفت المواطن باعدائه من الخارج ومن بني جلدته واصبح الأعداء بيننا ظاهرين كالشمس في كبد السماء بعد أن تمايزت الصفوف

إن الفساد سواء كان مالياً أو سياسياً،يعد من أبرز العوامل التي تنهش جسد الدولة السودانية وتدفع ببعض الفاعلين السياسيين إلى العمل ضد مصالح بلدهم. فالمحسوبية واستغلال النفوذ والسلطة لتحقيق مكاسب شخصية أو فئوية ضيقة هي ممارسات متجذرة في بعض الأوساط السياسية. فعندما يغيب الوازع الديني و الوطني وتطغى الأنانية، يصبح الولاء للمصلحة الذاتية أو لمجموعة معينة مقدماً على الولاء للوطن ومواطنيه. هذا السلوك لا يقتصر على الاستفادة المادية فحسب، بل يمتد ليشمل اتخاذ قرارات سياسية و دعم أجندات تخدم مصالح ضيقة على حساب الصالح العام، حتى لو أدى ذلك إلى إضعاف مؤسسات الدولة أو إثارة الفتن والحروب
. إن غياب آليات المحاسبة والمساءلة الفعالة يساهم في تفشي هذه الظاهرة، مما يجعلها بيئة خصبة لنمو السلوكيات غير الوطنية. كما أن الولاءات الأسرية أو القبلية، قد تكون أقوى من الولاء للدولة في بعض الحالات، وقد تدفع بعض الأفراد إلى حماية مصالح أقاربهم أو قبيلتهم حتى لو تعارض ذلك مع المصلحة الوطنية الأوسع. فالتنوع الذي كان من المفترض أن يكون مصدر قوة، تحول في كثير من الأحيان إلى نقطة ضعف تستغلها الأجندات الضيقة. وقد أدت الحرب المستعرة في البلاد منذ أبريل 2023 إلى تعميق هذه الندوب في جسد المجتمع السوداني المتعدد الأعراق والثقافات، بعد أن كان يتسم بالتسامح والتعايش السلمي.

ولعل خطاب الكراهية الذي إنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، أبان حكومة الثورة الاولي أجج النعرات القبلية والإثنية، مما أدي إلى تصاعد التوترات الاجتماعية والذي تطور الي حرب وتهجير السكان من مناطقهم.
إن غياب مشروع وطني جامع يستوعب هذا التنوع ويحوله إلى قوة دافعة للتنمية والاستقرار، لايترك فراغاً تملؤه الصراعات والولاءات الفرعية، التي تهدد بتفكك النسيج الاجتماعي للدولة.

يُعد الصراع على السلطة والنفوذ دافعاً رئيسياً للعديد من الأزمات السياسية في السودان. فبعض أعضاء الأحزاب السياسية قد يكون هدفهم الأسمى هو الوصول إلى سدة الحكم أو الحفاظ عليها، بغض النظر عن التكاليف التي قد يتحملها الوطن والمواطن. هذا السعي المطلق للسلطة يدفعهم إلى التحالف مع اية قوى أجنبية تعمل على تنفيذ أجندة تضر بالوطن وشعبه
و إضعاف مؤسسات الدولة الديمقراطية، أو إشعال الصراعات الداخلية لضمان بقائهم في المشهد السياسي.
هذا الصراع الدائم على السلطة، يؤدي للتضحية بالاستقرار والتنمية من أجل تحقيق مكاسب سياسية آنية ضيقة.

عندما يصبح الهدف هو السلطة بحد ذاتها، وليس خدمة الوطن، فإن القرارات السياسية تتخذ بناءً على حسابات ضيقة تتعلق بالبقاء في الحكم أو الوصول إليه، بدلاً من أن تكون موجهة نحو تحقيق المصلحة العامة.
لا يمكن فهم تعقيدات المشهد السياسي السوداني بمعزل عن دور التدخلات الخارجية. فالسودان، بحكم موقعه الجيو إستراتيجي وثرواته الطبيعية، كان محط أنظار القوى الإقليمية والدولية. هذه التدخلات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، تلعب دوراً محورياً في تغذية الصراعات الداخلية وتوجيه بعض أعضاء الأحزاب السياسية للعمل ضد مصالح السودان . كل ذلك يتم من خلال تقديم الدعم المالي أو اللوجستي أو السياسي لأطراف معينة، بهدف تحقيق أجندات خاصة تخدم مصالح هذه القوى الخارجية على حساب استقرار السودان وسيادته. عندها تصبح الأطراف الداخلية رهينة لهذه الأجندات الخارجية، فإن قراراتها لا تكون مستمدة من المصلحة الوطنية، بل من إملاءات أو مصالح الجهات الداعمة.
هذا الوضع يخلق حالة من التبعية ويغوض القدرة على بناء دولة قوية ومستقلة، ويزيد من تعقيد الأزمات القائمة، ويجعل حلها أكثر صعوبة. هذه التدخلات تساهم في إطالة أمد الحرب وتمنع التوصل إلى حلول وطنية خالصة، مما يضر بالبلاد على المدى الطويل.
إن غياب رؤية وطنية موحدة تجمع القوى السياسية السودانية على أهداف مشتركة، وضعف المؤسسات الديمقراطية والرقابية، من العوامل الأساسية التي تفتح الباب أمام الممارسات الفاسدة وغير الوطنية
. إن المؤسسات القوية والشفافة هي صمام الأمان الذي يحمي الدولة من الفساد والاستبداد، ويضمن أن تكون القرارات السياسية في خدمة الشعب. ولكن في ظل ضعف هذه المؤسسات، وغياب آليات المحاسبة والمساءلة الفعالة، يجد الفاسدون والمستغلون بيئة خصبة لتحقيق مآربهم.
هذا الضعف يؤدي إلى تآكل الثقة بين المواطنين والدولة، ويجعل من الصعب بناء دولة حديثة وقوية قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة.
إن بناء رؤية وطنية جامعة تتجاوز المصالح الحزبية الضيقة، وتعزز دور المؤسسات الديمقراطية والرقابية، هو السبيل الوحيد لضمان أن تكون السياسة في خدمة الوطن والمواطن.

لعل ظاهرة عمل بعض أعضاء الأحزاب السياسية السودانية ضد مصالح بلدهم هي ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، لا يمكن اختزالها في سبب واحد. فهي نتاج لتفاعل مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، تتراوح بين الفساد المتجذر، والانقسامات الاجتماعية العميقة، والصراع المحموم على السلطة، وتأثير التدخلات الخارجية، وضعف المؤسسات، وغياب الرؤية الوطنية الموحدة.
لعل فهم هذه الأسباب هو الخطوة الأولى نحو معالجة هذه الظاهرة المدمرة. لبناء سودان مستقر ومزدهر بتضافر جهود جميع القوى الوطنية المخلصة، والعمل على تعزيز قيم النزاهة والشفافية، وبناء مؤسسات قوية وديمقراطية، وتجاوز الانقسامات الضيقة، وتوحيد الصفوف حول رؤية وطنية جامعة تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار.
إن المستقبل الواعد للسودان يكمن في قدرة أبنائه على التغلب على هذه التحديات، والعمل يداً بيد لبناء دولة قوية وموحدة، قادرة على تحقيق تطلعات شعبها في الأمن والاستقرار والتنمية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى