صحة وبيئة

حي صابرين “الدامر”.. مسار الشلل !!

عصام الحكيم:

بفعل الحدود المفتوحة مع معظم جيرانه دفع السودان ثمن خرق إشهاده العالمي بخلوه من مرض شلل الأطفال بكسر فترة عدم سريان الفيروس وإعلانه مؤخرا من منظمة الصحة العالمية موبوءا بمرض شلل الأطفال بعد تسجيله لحالة إصابة وحيدة بالشلل في ولاية غرب دارفور، وهي حالة وافدة في الأصل من غرب افريقيا من نيجيريا عبر الجارة تشاد إلى السودان.

قفز إلى ذهني وتراءئ أمام عيني بشكل مفاجيء مخطط لخارطة رسم بياني اجتهدت فيه لاستكمال هذا المسار المتعرج من غرب أفريقيا إلى غرب السودان إلى ولاية نهر النيل حتى استطيع أن أقرأ ولو بيانيا ولو بشكل احترازي احتمال عبور ووصول حاملين للفيروس للولاية.

وكانت المفاجأة أن نقطة وصول وارتكاز هذا المسار ينتهي فعلا بولاية نهر النيل وتحديداً في مدينة الدامر وعلى وجه الدقة في حي صابرين العشوائي الجاثم في الجزء الشرقي من المدينة المجابه لمشروع الأمن الغذائي.

الهجرة لحي صابرين يالدامر تبلورت كخيار ومسار آمن في شكل التفويج الجماعي للأسر عبر الوثبات المتتالية من الأطراف الحدودية لبعض قبائل غرب القارة الأفريقية المتاخمة حدوديا في نيجيريا إلى تشاد ومنها إلى غرب دارفور ومرورا وعبورا وانتهاءا بحي صابرين الدامر الذي باتت تهاجر اليه وتقطنه تشكيلات أسر كاملة بعد أن وجدت فيه ملاذا ومسقرا في ظل فشل السلطات التنفيذية بالولاية ومحلية الدامر في إزالة هذا الحي دون أي مبررات.

أخطر مافي سلوكيات وأنماط حياة هذه المجموعات والكتل البشرية المهاجرة انها تتخذ من حي صابرين بالدامر كغطاء ليلي فقط لكنها ما تلبث أن تغادره أسرابا وزرافات ووحدانا بمجرد انقشاع أول خيط من الليل وبزوغ أول خيط من الفجر حيث تضرب فجاج الأرض نساءا ورجالا وأطفالا بحثا عن الرزق بشتى السبل بغض النظر عن الوسائل والممارسات السلوكية.

ولذلك بعيدا عن الإفرازات الأمنية والاجتماعية لهذه المجموعات فإن مخاطر وتداعيات حراكها وسلوكها الصحي كفيل بأن يشكل مهددا وبائيا لأي مرض فيروسي مستوطن في الحزام القاري المرتبط بمسار غرب أفريقيا المتغلغل في السودان والواصل لقلب ولاية نهر النيل ومن هنا تأتي أهمية هذه القضية.

خاصة وأن كسر حاجز عدم سريان فيروس شلل الأطفال جاء بعد صمود استمر لسنوات طويلة انفقت فيها الدولة والمنظمات الدولية جهودا مضنية وميزانيات ضخمة قبل أن يتبدد ويتلاشى كل ذلك في العام 2020 الذي سجلت فيه نهر النيل خمس حالات، وأيضا بدخول هذه الحالة المرضية في العام 2022 وفقا لتنوير إعلامي استمعت اليه بالأمس في معية العديد من الزملاء الإعلاميين بوزارة الصحة بولاية نهر النيل بحضور وفد اتحادي يعكف حاليا للترتيب لإطلاق حملة الاستجابة للتحصين من مرض شلل الأطفال ونقص فيتامين أ وهي الجرعة التعزيزية الموازية للجرعة الروتينية وليس البديلة لها كما قد يتبادر لأذهان البعض.

الحملة المرتقبة حدد لها الثامن عشر من الشهر الجاري على مدى أربعة أيام على أن تستهدف أكثر من 280 ألف طفل دون سن الخامسة بمشاركة ما لايقل عن 700 متطوع باستراتيجية تتابع محكمة جوالة من منزل لمنزل وتغطية ديمغرافية واسعة تشمل كل نقاط ومواقع وجود المستهدفين.

أهم مادار بشأنه النقاش،  هو أن لقاح الجرعة التعزيزية للتحصين من شلل الأطفال ونقص فيتامين (أ) هو لقاح آمن وفعال وخضع لكافة الإجراءات والتدابير المعملية والمختبرية التي أثبتت ذلك وأنه لايحمل آثارا جانبية مقلقة للطفل.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الحملة التي يجب أن تتضافر فيها كل الجهود بالتوعية والإرشاد والدعم اللوجستي حتى يكتب لها النجاح ونستطيع أن نحرز من جديد إشهادا عالميا بخلو السودان من شلل الأطفال بوصمته الصحية والاجتماعية والتنموية اللاحضارية.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق