أخبار وتقارير

مظاهر الاحتجاج والطوفان الأفريقي.. تشاد نموذجاً

تقرير- عبد القادر جاز:

يُلاحظ أن شرق أفريقيا وجنوب الصحراء محاصرة بموجة من الاحتجاجات العارمة نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية المضطربة، ما الذي يمكن أن تقود إليه التظاهرات الدائرة هذه الأيام بدولة تشاد؟

إذا كانت التظاهرات تنادي بإسقاط نظام دبي من واقع موجة التغيير التي طالت الخارطة السياسية الأفريقية لصالح أجندات ومحاور جديدة، أترى أن المسألة مرتبطة بحرب المياه والأمن الغذائي المزعوم أم أن لها أبعادا أخرى؟

يرى البعض أن القارة السمراء لم تستفد من التنوع الثقافي بقدر عدم استفادتها من أجندة تسويق هذا التنوع، ما الدواعي التي قادت إلى التوترات والصراعات بمنطقة القرن الأفريقي؟ كيف لنا أن نقرأ الموقف على ضوء هذه المؤشرات؟.

الطوفان الأفريقي:

أقر الأستاذ محمد علي كيلاني مدير مركز دراسات رصد الصراعات في الساحل الأفريقي بموجة الاحتجاجات في دول أفريقية وجنوب الصحراء اعتبرها ناتجة عن سوء الأحوال السياسية في تلك البلدان باعتبار أن أنظمتهم دكتاتورية بغطاء فرنسي، مردفا على ضوء ذلك ارتكزت المظاهرات التي أطاحت بهذه الأنظمة مظاهرات ضد فرنسا مطالبة بخروج قواتها من هذه المنطقة، كما هو الحال في أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينافاسو،
وأضاف كيلاني أن مطالب الاحتجاج ضد دبي الأب والابن بالأمس هي جزء لا يتجزأ من الطوفان الأفريقي لمواجهة الأنظمة التي ترعاها باريس وفق مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا الفرانكوفونية الدائرة في فلكها، ودعا إلى ضرورة رفع الوعي لإحداث تغييرات سياسية واقتصادية لمواجهة الوجود الفرنسي، وإسقاط الرموز السياسية التي تدعم باريس تاركة شعوبها تحت رحمة الأنظمة الأفريقية المستبدة.

القفز فوق الالتزامات:
أوضح كيلاني أنه عقب وفاة دبي توافق الجميع على صيغة انتقال سياسي سلمي ما بين المجلس العسكري والقوى المعارضة في الداخل والخارج، قائلا سرعان ما تفأجوا عند وضع استراتيجية الانتقال فأصبح المجلس العسكري يتملص من الالتزامات السياسية التي قطعها أمام المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي، مشيرا في هذا الخصوص إلى مقاطعة بعض القوى المعارضة الحوار الوطني واتفاقية الدوحة وبدأ التصعيد بين الأطراف السياسية والمدنية في الضغط على المجلس العسكري، يبدو أن المجلس العسكري قد وجد دعما فرنسيا لكي لا يستجيب للضغوط، وقفز فوق الالتزامات، وتم تكوين حكومة جديدة بعد الانتقال كنتيجة لمقررات الحوار الذي قاطعته القوى السياسية، مبينا أنه وفقا لهذه المؤشرات انتظمت المظاهرات والتي وقعت بالأمس مخلفة (61) قتيلا ومئات الجرحى، مضيفا أن الحاكم الجديد دبي الابن قد فتح بابا جديدا للصراع السياسي في تشاد، وغالبا ما ينتهي بصراع مسلح وإسقاط السلطة بذات الطريقة التي أتى وانتهي بها والده دبي الأب.
ثقافة الهضم:
اعترف كيلاني أنه في أفريقيا فعلا هنالك تنوع ثقافي لكنه منسجما تماما بين كافة المكونات الاجتماعية ولا يوجد صراع هويات في دول أفريقيا الفرنكوفونية، يرى أنه فيما يتعلق بالصراع السياسي وارتباطه بالعوامل الثقافية، فإنه يمكن القول إن الساسة الأفارقة عندما يفشلون في طرح البرامج السياسية الواضحة لعامة شعوبهم، نجدهم يلجأون إلى الاحتماء وراء مجموعات معينة لتأطير سياسة الهوية والتقوقع في أزمة اجتماعية كفرتها سياسيا من باب صراع الثقافة والهوية، منوها أنه في أفريقيا رغم تعدد ثقافاتها المحلية، إلا أنها في النهاية تحمل وجها ثقافيا واحدا لا غير، لافتا إلى أنه حتى الهجرات الخارجية إلى أفريقيا لم تؤثر على الثقافات الأفريقية باعتبار أنها ثقافة هاضمة لجميع الثقافات بما فيها الثقافة الأوروبية الاستعمارية، مقرا أن المستعمر قد خرج وترك لغته وثقافته التي تم هضمهما أفريقيا، منبها أن النتيجة الحالية تتمثل في الوعي الأفريقي الجديد للتخلص من تبعات الاستعمار، وفرض شروط سياسية جديدة بحيث تكون علاقاتها الدولية متكافئة ومتنوعة مع العالم، وهذا ما تسميه بعض الدوائر الدولية بالمحاور في العلاقات الدولية.
تراكمات ثقيلة:
أكد د.محمد اليمني المحلل السياسي في العلاقات الدولية أن الاحتجاجات في تشاد هي تراكمات ثقيلة وقعت على كأهل المواطن، خاصة الوضع الاقتصادي باعتبار أن تشاد من الدول الفقيرة والنامية ونسبة البطالة فيها كبيرة، ونسب الفقر تصل إلى 70%، مشيرا إلى أن هذه المؤشرات التي قادت إلى الاحتجاجات التي راح ضحيتها 20 شخصا في يومها الأول، موضحا أن المرحلة تسير نحو حرب قادمة فهي حرب مياه وحرب غذاء من الدرجة الأولى، والقارة الأفريقية تبحث عن الاستقرار المائي والغذائي باعتبارهما غير متوفرين، لأن معظم الحكومات تنفذ أجندات دولية على حساب المواطن الفقير، مضيفا أن الدول الأفريقية لديها من الثروات والخيرات مليئة بالمناجم والماس دون جدوى تنعكس إيجابا على المسائل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، واستشهد بأن دولة الصين تستثمر في القرن الأفريقي بمشروعات ضخمة في أثيوبيا تتجاوز الـ500 مليار دولار، معتبرا أن دولة الصين هي النموذج على أرض الواقع، وصراحة الموقف في أفريقيا لا يبشر بالخير على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، وما يترتب عليها من أضرار وخسائر وانشغال العالم بها.
التكتيكات المعتادة:
اعترف اليمني بأن أفريقيا قادمة على كوارث اقتصادية ستقود إلى انقلابات عديدة في المرحلة المقبلة، متسائلا لماذا هذه الانقلابات في ظل هذا التوقيت؟ مرجحا أن ذلك يكمن في الديمقراطية الزائفة التي تمارس في معظم البلدان الأفريقية ويطلق على النظام السياسي الذي يقدم نفسه على أنه ديمقراطي لكنه لا يستخدم عناصر الديمقراطية الحقيقية مع المواطنين، وكشف عن استطلاعات حديثة أجريت، أثبتت أن العديد من الأفارقة فقدوا الثقة في الأنظمة الانتخابية في بلدانهم، باعتبار أن الديمقراطية العملية ليست موجودة في العديد من البلدان الأفريقية، مستطردا بقوله: أنه من الشائع بين الزعماء الأفارقة أن يمدوا فترة حكمهم ويزوروا الانتخابات من أجل التمسك بالسلطة، ناهيك عن تكميم أفواه الشخصيات المعارضة، وترويع الناخبين والناخبات والصحافة، وقال إن ذلك يعد من التكتيكات المعتادة لتزوير الانتخابات.

قانون الجيوب:
قال اليمني إن سيادة القانون نادرا ما ينظر إليها بعض القادة الأفريقية بأنهم يملكونها في جيوبهم، مقرا بأن معظم القادة أصبحوا سلطويين، وعزلوا أنفسهم عن الجماهير فهم يرسلون أطفالهم إلى المدارس الأجنبية، ويحصلون على أفضل رعاية صحية، بينما تتدهور الظروف المعيشية لشعوبهم، مبينا أن السنوات القليلة الماضية شهدت العديد من الاضطرابات والتهديدات الأمنية المتزايدة بنزوح ملايين من الأفارقة بلدانهم، على سبيل المثال: اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الانخفاض الكبير في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما زاد من ارتفاع معدل البطالة، وانخفاض مستويات المعيشة، مشيرا إلى أن تقارير مفوضية الاتحاد الأفريقي تؤكد بأن حوالى (600) مليون شاب في القارة هم عاطلون عن العمل، أو غير متعلمين، أو في وظائف غير آمنة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق