مقالات

قرارات جبريل وحياد الحركات المسلحة من حرب الكرامة

حـدود المنطق

إسماعيل جبريل تيسو:

وفعلها دكتور جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة السودانية باتخاذه قرارات خطيرة أعفت عدداً من قيادات رفيعة وعليا، كانت ملء السمع والبصر والفؤاد بنضالها ووجودها المؤثر داخل منظومة الحركة، وإمساكها بملفات كبيرة وحساسة، كملف التفاوض والسلام الذي كان يديره أحمد تقد لسان، كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة، وأحد أبرز الاسماء التي شملها قرار الإعفاء، ومثله مسؤول ملف الترتيبات الأمنية سليمان صندل حقار، الذي كان يشغل منصب الأمين السياسي للحركة، ومعه آدم عيسى حَسابو، أمين إقليم كردفان بالحركة، ومحمد حسين شرف، نائب أمين التنظيم والإدارة بحركة العدل والمساواة السودانية.

قرارات الرابع عشر من أغسطس والتي أصدرها رئيس حركة العدل والمساواة، دكتور جبريل إبراهيم، تأتي على خلفية حيثيات خرجت بها لجنة كونها رئيس الحركة نفسه للتحقيق مع هذه القيادات بشأن مسلك ومواقف شخصية خرقت لوائح المؤسسية وضربت بها عرض الحائط، على شاكلة القفز فوق قرار المكتب التنفيذي للحركة والقاضي بالتزام جانب الحياد في الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل 2023م بين ميليشيا الدعم السريع، والقوات المسلحة السودانية.

إذن قرار المكتب التنفيذي لحركة العدل والمساواة كان التزام الحياد في الحرب الدائرة بين ميليشيا الجنجويد والجيش السوداني إلا فيما يتعلق بحياة المدنيين في إقليم دارفور، ويبدو أن هذه المجموعة المقالة لم تنصاع لهذا القرار وبدأت تتماهى مع ميليشيا الدعم السريع بدعمها وإسنادها، دون مراعاة لقرار الحركة، وصبر رئيسها دكتور جبريل إبراهيم، حتى وقعت الواقعة، حينما عقدت المجموعة المغضوب عليها لقاءاً سرياً مع قائد ثاني ميليشيا الجنجويد عبد الرحيم دقلو في العاصمة التشادية انجمينا في شهر يوليو الماضي، لبحث سبل إيجاد مخرج آمن لميليشيا الدعم السريع وتسويقها لتعود من جديد لاعباً في ميدان السياسة السودانية دون اعتبار لموقف الشارع السوداني من هذه الميليشيا التي قتلت واغتصبت ونهبت وشردت المواطنين بعد احتلال منازلهم تحت تهديد السلاح.

لقد كان لقاء انجمينا الذي جمع المجموعة المقالة في حركة العدل والمساواة بقائد ثاني ميليشيا الدعم السريع عبد الرحيم دقلو بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، خاصة وأن رئيس حركة العدل والمساواة كان موجوداً خلال تلك الفترة في تشاد ولم تقم المجموعة بإخطاره بشأن اعتزامها عقد هذا اللقاء الذي تم عقب مغادرة جبريل إبراهيم العاصمة التشادية، الأمر الذي يؤكد وجود نية مبيتة لطعن حركة العدل والمساواة من الخلف وهو ما جعل رئيس الحركة يشتاط غضباً ويتخذ الإجراءات التي يمليها عليه ضمير مسؤولياته ليكون قرار إبعاد هذه المجموعة من مناصبها الرفيعة داخل منظومة حركة العدل والمساواة.

قطعاً ستؤدي قرارات الرابع عشر من أغسطس إلى وقوع زلزال ربما يهزُّ الأرض تحت بنيان حركة العدل والمساواة، خاصة بعد أن أبدت المجموعة المقالة تزمراً من القرارات، ووصفت رئيس الحركة بالدكتاتوري والمتخبط، وكشفت عن وجود أصابع للحركة الإسلامية التي ينحدر منها دكتور جبريل إبراهيم، قالت إنها وراء تحريك بعض الملفات داخل دولاب العمل في حركة العدل والمساواة.

وارتكازاً على هذه التداعيات، فقد بات بيت حركة العدل والمساواة مُعرَّضاً لحدوث تصدعات كبيرة في جدرانه قد تتنتهي بوقوع انشقاق داخل الحركة الموبوءة أصلاً بداء الانشقاقات منذ حقبة زعيمها الراحل دكتور خليل إبراهيم، الشقيق الأصغر لدكتور جبريل إبراهيم الرئيس الحالي للحركة، خاصة في ظل تواتر أنباء عن شروع المجموعة المقالة الخروج في تنظيم سياسي جديد، تجري عملية بنائه ووضع لمساته النهائية، وسيكون التنظيم الجديد محمولاً على أكتاف كوادر وعناصر من النخب والمخضرمين ممن خبروا العمل سابقاً في بلاط حركة العدل والمساواة.

إن ما يجري داخل أروقة حركة العدل والمساواة يمثل واحداً من التداعيات السلبية للحرب التي تدور رحاها لأكثر من أربعة أشهر بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع التي دخلت هذه الحرب وهي تستهدف الانقلاب على الحكومة، وتقويض السلطة وتجفيف منابع الديمقراطية والعمل الدستوري، وليس الحفاظ على الديمقراطية كما زعم قائدها محمد حمدان دقلو، وبالتالي فإن الموقف التلقائي والمنطقي للحكومة هو رفض هذا الانقلاب والاصطفاف خلف القوات المسلحة التي قدمت ارتالاً من الشهداء والجرحى في سبيل حماية البلاد والحفاظ على مقدَّراتها ومكتسباتها.

ولكن مواقف الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، جاءات بعكس ما تشتهي الحكومة التي ينخرط في منظومتها وأجهزتها المختلفة عدد من قادة هذه الحركات، سواءاً على مستوى المجلس السيادي أو مجلس الوزراء أو حكومة إقليم دارفور، ولم يكن جبريل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة بمعزلٍ من موقف هذه الحركات بحكم تقلده منصب وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، والتزامه في نسق الحكومة التي انتقلت للعمل في العاصمة المؤقتة بمدينة بورتسودان لتصريف شؤون البلاد خلال فترة الحرب.

إذن قرارات رئيس حركة العدل والمساواة دكتور جبريل إبراهيم، تأتي تأكيداً لمبدأ الحركة وموقفها الثابت بالتزام الحياد في هذه الحرب، وهو موقفٌ يحسب لصالح التزامه الصارم بمؤسسية الحركة والعمل بالنظم واللوائح الحاكمة حفاظاً على وحدة وتماسك الحركة وترابط مكوناتها وتماسكها، باعتبار أن وحدة الحركة تمثل صمام أمان لاستقرارها ومدخلاً للممارسة الديمقراطية الرشيدة داخل أروقة تنظيم حركة العدل والمساواة التي تتهيأ لدخول معترك جديد في خضم السياسة السودانية عقب انتهاء الحرب.

وبعيداً عن موقف رئيس حركة العدل والمساواة وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه بشأن اتخاذه الحياد من الحرب وهو الوزير الجالس في مقاعد الحكومة، ولكننا نعجب لمواقف وسلوك أؤلئك الذين ينتمون للحكومة ويقفون ضدها، وإلا ماذا نطلق على مسلك من ينخرطون في مجلس السيادة أو مجلس الوزراء من الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، ومع ذلك يدعمون ويساندون ميليشيا الدعم السريع التي تقاتل الجيش الذي يحرس ويحمي الدولة التي يحكمها ويتحكم في سيادتها هؤلاء ! ألا ليت القيادة العليا للقوات المسلحة تحذو حذو زعيم حركة العدل والمساواة وتتخذ من القرارات التي تحسم الفوضى وتعيد الهيبة والانضباط، وتحفظ تماسك الدولة التي يقاتل جيشها ميليشيا الجنجويد المتمردة التي كانت تحلم بأن تحل مكان القوات المسلحة وتتحكم في مفاصل الدولة!! فما لكم تحكمون؟!

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق