علوم وتكنولوجيامقالات
إمكانية تطبيق برنامج الإقتصاد الأخضر في السودان
بقلم/ د. الفاتح يس:
في ظل هذه الظروف الخريفية الصعبة التي تمر بها البلاد من سيول وفيضانات؛ أدت الي هدم المنازل والمباني وفقد للمتلكات والأرواح؛ رآق لي أن أرفع قلمي لأكتب عن إمكانية تطبيق منهجية الإقتصاد الأخضر في السودان؛ وذلك لأن الإقتصاد الأخضر يرتبط بشكل كبير بالإقتصاد الإيكولوجي (الإقتصاد البيئي)، ويهتم بالعدالة التنموية في إستخدام وتوزيع رأس المال الطبيعي، ويرتكز على الجوانب السياسية.
الإقتصاد الأخضر يرتكز على إنتاج منتجات صديقة للبيئة ذات نفايات صفرية، ويبتعد عن إنتاج منتجات غير صديقة للبيئة ذات الأثر البيئي السالب، وللإقتصاد الأخضر قطاعات كثيرة، سنتطرق للبعض منها ومدي توفرها وإمكانية تطبيقها في السودان.
الطاقات المتجددة قطاع من قطاعات الإقتصاد الأخضر، ومنها الطاقة الشمسية والرياح والمياه والطاقة الحيوية؛ فيمكن في السودان الإستفادة من الطاقة الشمسية بحكم طول فترة النهار، والاستفادة من طاقة الرياح في مناطق توفرها، بالإضافة إلى إنتاج الطاقة الحيوية مثل الغاز الحيوي؛ بحكم أن السودان تتوفر فيه الكتل الحيوية من نفايات ومخلفات النباتات والحيوانات.
قطاع إدارة المياه أيضاً من قطاعات الإقتصاد الأخضر، والسودان بلد يجري به نهر النيل (أطول نهر في العالم)، ويمكن الإستفادة من مياه الأمطار والفيضانات في توليد الكهرباء، وحصاد المياه بعمل الخيران والحفائر والأنهار الصناعية لإقامة المزارع الزراعية ومزارع الثروة الحيوانية ومزارع الأسماك، ثم إقامة مصانع الإنتاج الزراعي والحيواني، وخلق بيئة حيوية؛ تساعد في توفير الغذاء الآمن وتخفض من معدلات إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات المسببة للإحتباس الحراري، وتحافظ على التوازن البيئي.
المباني الخضراء أيضاً من قطاعات الإقتصاد الأخضر، فالمباني الخضراء يتم تصميمها لتعمل بالطاقة الشمسية وتستفيد من نفاياتها الحيوية؛ بإقامة مفاعل حيوي لينتج الغاز الحيوي الذي يعمل كغاز طبخ وإنتاج سماد عضوي طبيعي سائل يستفاد منه في تشجير المبنى؛ ليُحافظ على المبنى من آثار المناخ السالبة مثل إرتفاع درجة الحرارة ومياه الأمطار والجفاف والمطر الحمضي.
أيضاً إدارة النفايات والمخلفات وجه من أوجه الإقتصاد الأخضر؛ بفرز النفايات وجمعها وإعادة تدوير النفايات البلاستيكية والمعدنية والزجاجية والورقية، والإستفادة من النفايات الحيوية في إنتاج السماد العضوي وغاز الميثان.
أيضاً الإقتصاد الأخضر يهتم بإدارة المياه، وإدارة المياه تبدأ أولاً بالمحافظة عليها، وعدم تلوثها بمياه الصرف الصحي والصناعي ومناطق التعدين، وهذا يكون بوقف إستخدام المبيدات الكيميائية وإستخدام السماد العضوي الناتج من الكتل الحيوية الذي تنتجه البكتريا الهوائية (سماد الكمبوست) واللاهوائية، ولابد من وقف حفر آبار (السايفون)، وعمل مشروعات البنية التحتية مثل الطرق ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي، والتقليل من زراعة النباتات والمحاصيل التي تستهلك مياه كثيرة كما تفعل السعودية بعدم زراعتها للبرسيم.
والإستخدام الأمثل للأراضي يدخل في برنامج الإقتصاد الأخضر، والإستخدام المستدام للأراضي يكون بترشيد وإستدامة إستخراج الموارد الطبيعية الموجودة في باطن الأرض كالمعادن، وبحماية الغابات من القطع الجائر وحماية السواحل والشواطئ والمستوطنات والموائل الحيوية للنباتات والحيوانات، وزيادة الرقعة الزراعية والمساحات الخضراء، وزراعة المحاصيل في موسمها الملائم المخصص، وإستخدام أنظمة الدورات الزراعية ونظام المحاصيل المتداخلة؛ للإحتفاظ بخصوبة التربة، وللمكافحة الطبيعية للحشرات والآفات الزراعية.
النقل المستدام يساعد في تطبيق منهجية الإقتصاد الأخضر عن طريق إستخدام أنظمة النقل الجماعي مثل السيارات الكبيرة التي تستوعب عدد أكبر من الركاب، وتشغيل خطوط المواصلات الدائرية داخل المدينة، والنقل والتنقل بخطوط السكك الحديدية للمواطنين والبضائع، وبتخطيط المدن الذكية التي تتوفر فيها الخدمات مثل المراكز الصحية والمدارس والمنتزهات والحدائق والميادين الرياضية بأنواعها المختلفة والأسواق والخدمات الصغيرة في كل حي وكل مربوع وكل حارة.
وأيضاً الإقتصاد الأخضر يُطبق بواسطة التحول الرقمي مثل الحكومة الإلكترونية، والبيع والتسويق الإلكتروني والتعليم الإلكتروني عن بعد، والمعامل والمختبرات المرئية الإفتراضية والمدارس المنزلية والدفع الإلكتروني مثل (بنكك وفوري)، وأنظمة التحكم عن بعد الأوتوماتيكية والتقديم الإلكتروني للجامعات وللخدمات والإستثمار، وبعمل المواقع الإلكترونية (websites) للمؤسسات الحكومية والخاصة؛ لترفع فيها ملفاتها وكامل بياناتها، وحتى وسائل التواصل الإجتماعي تُعتبر تحول رقمي.
التحول الرقمي مع الذكاء الصناعي يُعدان منهجية إقتصادية وبيئية وإجتماعية متقدمة ومتطورة؛ توفر الجهد والمال والوقت والطاقة، ولأهمية التحول الرقمي سأفرد له مقال كامل إن أذن الله برفع القلم.
د. الفاتح يس
أستاذ مساعد في عدد من الجامعات والكليات والمعاهد العليا وباحث مهتم بقضايا تغير المناخ والاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة.