مقالات
الخرطوم تحتضر
خالد عبدالسلام نافع:
محمد الواثق، ذلك الشاعر المشاغب أصدر في الثمانينات الماضية ديوانا بعنوان ام درمان تحتضر، أثارت أشعاره الكثير من الجدل وكثير الامتعاض كذلك في أوساط المثقفين الامدرمانيين خاصة.
طبعا الواثق المشاغب قصد أن يقدم رسالة احتجاج لمظاهر يراها سالبة في المجتمع في زمانه. رمز لها بأمدرمان كأنه يقصد صدمة الناس وجدانيا، وعلق بذاكرتي “المشلهتة” من ديوانه بيت في منتهي القسوة:
ما كل يوسف من تعري النساء له _ هذي ثيابك يا ام درمان فاستتري.
حسنا، ربما لا يجمل بي وانا أرى الخرطوم تحوم فوقها وعليها ماكينات الموت، أن أقتبس هذا العنوان الشؤم ولكن –
سنن الإله في العواصم السودانية انها تندثر بالدمار الكامل ، مرة وإلى الأبد، حدث ذلك منذ فجر التاريخ في كرمة، نبتة، مروي ، سوبا ، سنار ، والخرطوم نفسها مرحليا إبان الدولة المهدية، إلى أن دخل الانجليز فعمروها مرة أخرى.
ما لفت نظري في حرب السلطة هذه، أن الخصم قد أغلق مراكز السلطة منذ الساعة صفر، فلا قصر ولا قيادة ولا مطار ولا إذاعة، وبحيث يستحيل على من ينوي الانقلاب مثلا أن ينقلب.
هذا الوضع الشاذ غير مسبوق في تاريخ السودان، وربما كان أنبوب التنفس الوحيد الذي بقي لمن كانوا يمارسون السلطة على رؤوسنا بالأمس هو وسائط التواصل واستضافات القنوات الإخبارية. بل حتى الأجاويد لم يجدوا لهم مدخلا يدخلونه.
الهجرة العكسية الكثيفة هي أيضا من الظواهر غير السعيدة في يوميات العاصمة. وتبقى مقابلها صورا زاهية من التكافل الاجتماعي والحفاوة السودانية الحصرية في الأقاليم.
لا أريد للخرطوم أن تحتضر وأريد لهذه الحرب الآثمة أن تنتهي وتعود الأرض حبا وابتساما.