أخبار وتقارير
أنباء عن اتفاق مرتقب يسمح بإيصال المساعدات.. ومعارك عنيفة شمال الخرطوم
محمد الأقرع:
الخرطوم ـ «القدس العربي»:
شهدت منطقة بحري شمال الخرطوم معارك هي الأعنف من نوعها منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع» وفيما تم تداول أنباء عن قرب التوقيع الطرفين على إعلان مشترك، من شأنه أن يسمح بوصول المساعدات الإنسانية، عبرت، الولايات المتحدة عن «تفاؤل حذر» بما يخص مفاوضات جدة.
وقال شهود عيان لـ«القدس العربي»: إن أرتالاً عسكرية كبيرة من الجيش تقدر بنحو 300 عربة محملة بالجنود والأسلحة وبمعية دبابات ومدافع، تحركت من نواحي منطقة الكدرو، بالتزامن مع دخول قوات أخرى، لنفس الجهة، عن طريق جسر الحلفايا، وتوجهت القوتان، صوب تجمع قوات «الدعم السريع» في شمبات والمنطقة الصناعية بحري، وقاما بالاشتباك معها، ومحاولة تطويق وتمشيط المكان.
وأضاف الشهود إن المعارك استمرت لساعات طويلة استخدم فيها الأسلحة الثقيلة والخفيفة كما قام الجيش بطلعات جوية مكثفة بالمروحيات والطائرات الحربية الأخرى.
وأوضح نزار الجوهري ـ مواطن يسكن حي شمبات، أن المعارك بدأت الساعة الثامنة إلا ربع صباحاً واستمرت لخمس ساعات وشهدت المنطقة دوي انفجارات كبيرة قبل أن تتحول إلى اشتباكات متقطعة.
«لا نستطيع الخروج من المنازل»
وقال لـ«القدس العربي»: «حتى الآن، لا نستطيع الخروج من المنازل لرصد الأضرار والضحايا، ومعرفة لصالح من كانت المعارك بسبب استمرار الضربات وسماع أصوات الرصاص».
وتابع: «غالبية سكان الحي نزحوا إلى أماكن أخرى قبل أيام، لكن مازالت هناك بعض الأسر ولا يمكن أن نتفقد أوضاعهم إلا عند انتهاء المواجهات».
وأشار إلى قطع شبكة الإنترنت مع بدء المعركة، بالإضافة إلى قطع الكهرباء التي يخشى أن تكون قد تعرضت محولاتها الرئيسية للتخريب بسبب القصف العشوائي.
وفي الأثناء، أعلن الناطق الرسمي باسم «الدعم السريع» إسقاطه لمروحية عسكرية تابعة لجيش طراز «أبابيل» بالقرب من كبري الحلفايا شمال بحري، مشيراً إلى أن قواته أبلغت ما وصفتهم بـ«الانقلابيين وفلول النظام البائد دورساً بلغية الجسارة والعزيمة قبل أن تقوم بدحرهم وتكبيد الجيش خسائر كبيرة في القوات والعتاد».
في المقابل، نشر الجيش فيديوهات، تؤكد فرض سيطرته على شارع «الشهيد مطر» ـ الإنقاذ سابقاً. وقالت مصادر عسكرية لـ«القدس العربي» إن الجيش بدأ في تحريك قواته المتمركزة خارج الخرطوم للقيام بعملية برية واسعة مسنودة بسلاح الطيران، وذلك من أجل تمشيط وطرد الدعم السريع في المناطق الاستراتجية والمرافق العامة.
وفي سياق متصل، تداول ناشطون في مواقع الاجتماعي صورا لحجم الدامر الذي أصاب منازل في حي شمبات بسبب القتال وسط الأحياء. ووثقت الصور لقذائف اخترقت جدران عشرات البيوت والمباني وأحدثت أضرارا بالغة.
إلى ذلك، شهدت مدينة أمدرمان طلعات جوية للجيش استهدفت بعض المواقع لـ«الدعم السريع» كما احتدم القتال بالقرب من منازل قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» وأشقائه في حي جبرة جنوبي الخرطوم.
وأيضا في المنطقة المحيطة بالدفاع الجوي وفرع الرياضة العسكري في حي العمارات، فضلاً عن تواصل المعارك في منطقة وسط الخرطوم ومحيط القصر الجمهوري والسوق العربي.
وبيّن الخبير العسكري والاستراتيجي، أمين مجذوب، أن ما يدور هذه الأيام في منطقة بحري ومناطق من الخرطوم، هي «المرحلة الثالثة والأخيرة التي تعرف تطهير الشوارع والأحياء السكنية من قوات الدعم السريع الموجوده فيها» لافتاً إلى أن «الجيش يقوم بهذه المرحلة عن طريق قوات مشتركة أرضية وجوية ومدرعات لحسم هذه المجموعات المنتشرة في المناطق السكنية ومناطق الخدمات والمستشفيات وفتح معابر آمنة حتى يستطيع المواطنون التحرك من خلالها وتغطية احتياجاتهم وتشغيل محطات الكهرباء والمياه التي تعطلت في هذه الحرب التي تدخل الآن نهاية شهرها الأول».
وقال لـ«القدس العربي»: إن «المرحلة الثالثة التي يقوم بها الجيش قد لا تكون له سقوفات زمنية محددة لأنها تعتمد على استسلام هذه القوات أو انسحابها من هذه المناطق» مشيراً إلى أن «المواجهة الكثيفة والقتال تقود إلى خسائر في قوات الطرف الآخر، وأيضا وسط المدنيين باعتبار أن الاشتباكات تدور وسط الأحياء وبين منازلهم».
ورأى «كل القوات التي تتبع للدعم السريع المنتشرة فقدت الاتصال بينها وبين قياداتها، بالتالي هي تتحرك على حسب الموقف الموجود أمامها، بينما يدير الجيش العمليات بتركيز شديد وحسابات دقيقة حتى لا تكون هناك خسائر وسط المدنيين والبنية التحتية وفي الأسواق ومناطق الخدمات».
يشار أن احتدام القتال في السودان يأتي وسط أنباء عن قرب التوصل إلى إتفاق مبدئي بين الجيش والدعم السريع في المفاوضات الهدنة المنعقدة في مدينة جدة السعودية.
هدنة مرتقبة
وكان قد ذكرت صحف ووسائل إعلام محلية، تسريبات عن شروط طرفي الصراع للهدنة ووقف إطلاق النار خلال مباحثات جدة، وقالوا إن الهدنة المقررة تتراوح مدتها بين أسبوعين إلى شهر يتم خلالها سحب قوات «الدعم السريع» من الأحياء السكنية والمرافق العامة والحيوية ذات الصلة بحياة الناس مع ضمان عدم قصفها، بالإضافة إلى فتح الممرات الإنسانية واحتفاظ كل طرف بالمناطق العسكرية والسيادية المتواجدة فيها، فضلاً تأمين خروج لقيادات «الدعم السريع» وعلاج جنوده.
لكن مجذوب، استبعد صحة ما خرج من تسريبات غير رسمية عن مفاوضات جدة، وقال: «في تقديري إن هذه التسريبات غير صحيحة لأن المفاوضات الآن غير مباشرة واللقاءات تتم من جانب الوسطاء من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ومن ثم قد يتم إعداد ورقة توفيقية بين الطرفين يبدوان ملاحظاتهم عليها، ثم تعاد لتنسيق الملاحظات وعرضها مرة أخرى لوضع الملاحظات الختامية ومن ثم القيام بالمعالجات اللازمة والتوقيع».
وأردف: «التسريبات غير دقيقة ومازالت الأمور عند الوسطاء الذين لم يصرحوا بطريقة رسمية، نأمل أن يتم الاتفاق في مسألة الهدنة الممتدة وقف إطلاق النار وفتح العابر والممرات الإنسانية ومعالجة الأمور العسكرية المتعلقة بدمج قوات الدعم السريع».
وقال مسؤولون رفيعو المستوى في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، إن القائدين العسكريين المتحاربين في السودان، على وشك التوقيع على إعلان مشترك، من شأنه أن يسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى العاصمة، مع احتمالية نشر قوات من الاتحاد الأفريقي لتأمين المطار.
وأفادت وكالة «بلومبرغ» أن الاتفاق، الذي تم بحثه بعناية في المملكة العربية السعودية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، في مراحله الأخيرة، وقد يوفر إطارا لنقل المساعدات جوا إلى الخرطوم.
كذلك، بين، محمد الحسن ولد لبات، وهو كبير مستشاري رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقيه، في مقابلة هاتفية أن: «آخر المعلومات التي وردت إلينا هي أن الطرفين في جدة سيكونان قادرين على التوقيع على وثيقة بشأن المسألة الإنسانية».
وزاد «المناقشات جارية» بشأن كيفية قيام قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بتأمين المطار الذي تضرر للغاية بسبب القتال».
شهادة نولاند في الكونغرس
وفي الإطار ذاته، أبلغت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، الكونغرس أن المفاوضين الأمريكيين المشاركين في محادثات جدة «يشعرون بتفاؤل حذر» بينما واجهت انتقادات من أعضاء مجلس الشيوخ بسبب طريقة تعامل الإدارة الأمريكية مع المشكلات في السودان.
وقالت نولاند، في شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إنها تحدثت صباح اليوم (أمس) مع مسؤولين أمريكيين في المحادثات. وذكرت أن»هدفنا من هذه المحادثات مركز جدا (على): أولا التوصل لاتفاق على إعلان للمبادئ الإنسانية ثم وقف إطلاق النار لفترة طويلة تكفي لتسهيل توصيل الخدمات، التي تشتد الحاجة إليها، على نحو ثابت».
وأضافت «إذا نجحت هذه المرحلة، وأنا تحدثت إلى مفاوضينا هذا الصباح وكانوا يشعرون بتفاؤل حذر، فستسمح عندئذ بمحادثات موسعة مع أطراف أخرى محلية وإقليمية ودولية من أجل وقف دائم للقتال، ومن ثم العودة إلى الحكم بقيادة مدنية مثلما يطالب الشعب السوداني منذ سنوات».
وتساءل أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي نولاند عن سياسة واشنطن تجاه السودان وإجلاء الأمريكيين منذ اندلاع القتال الشهر الماضي، ولماذا لم تُفرض عقوبات في أعقاب انقلاب 2021.
وقالت نولاند إن واشنطن فرضت عقوبات قاسية على السودان شملت تعليق المساعدات الثنائية وعدم تخفيف عبء الديون وفرض عقوبات العام الماضي على شرطة الاحتياطي المركزي السودانية. ولا يخضع أي من البرهان أو «حميدتي» للعقوبات الأمريكية.