صحة وبيئة

عشرات الرضع يموتون في دار للأيتام في الخرطوم

تعرّض ثلاث طفلات للعنف الجنسي

محمد الأقرع:

الخرطوم ـ «القدس العربي»:

تصاعد عدد الأطفال الرضع الذين توفوا في «دار المايقوما» للأيتام في الخرطوم، بسبب الحرب، التي أسفرت عن صعوبة حضور الموظفين، وانقطاع الكهرباء، ونقص الأغذية، فيما كشفت مدير وحدة مكافحة وحدة العنف ضد المرأة والطفل، سليمى إسحاق عن تعرض (3) طفلات للعنف الجنسي.

وحسب ما أكدت الطبيبة عبير، فقد «تعرض الأطفال الرضع لسوء تغذية حاد وجفاف بسبب عدم وجود عدد كاف من الموظفين لرعايتهم». وأضافت أن عيادتها الطبية في الطابق الأرضي كانت تستضيف عددا من الأطفال حديثي الولادة الضعاف وتوفي بعضهم بعد إصابتهم بحمى شديدة.

وقالت عبير التي تشغل منصب المديرة الطبية للدار لـ>رويترز»: «هم كانوا يحتاجون رضعة كل ثلاث ساعات، لم يكن هناك أحد».
وأضافت بينما كان بالإمكان سماع صرخات الأطفال في الخلفية «حاولنا أن نعطيهم مغذيات لكن لم نستطيع إنقاذهم».

وبينت أن معدل الوفيات اليومي ارتفع إلى حالتين وثلاث وأربع حالات وأكثر من ذلك. وأضافت أن ما لا يقل عن 50 طفلا، من بينهم 20 رضيعا على الأقل، توفوا في دار الأيتام في الأسابيع الستة منذ اندلاع الصراع في منتصف أبريل/ نيسان. موضحة أيضاً أن 14 منهم توفوا يوم الجمعة الماضي.

وأكد مسؤول كبير في دار الأيتام هذه الأرقام، وقال جراح تطوع للعمل في الدار خلال الحرب، إن عشرات الأيتام توفوا.

وقال كلاهما إن الوفيات كانت في الغالب لحديثي الولادة وآخرين تقل أعمارهم عن عام. وأشاروا جميعهم إلى سوء التغذية والجفاف والإنتان (تعفن الدم) كأسباب رئيسية للوفيات.

وحدثت وفيات جديدة في اليومين الماضيين، حيث تم الكشف عن سبع شهادات وفاة مؤرخة بتاريخي السبت والأحد قدمتها هبة عبد الله وهي يتيمة أصبحت فيما بعد واحدة من مقدمات الرعاية في الدار. وذكرت شهادات الوفاة إنهم توفوا جميعا نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية، كما ساهمت الحمى أو سوء التغذية أو الإنتان في وفاتهم جميعا باستثناء حالة واحدة.

وقالت الطبيبة عبير إن مشاهد الأطفال الضحايا في أسرتهم كانت «مفزعة ومؤلمة جدا».

ووفق مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية السابق، وعضو مبادرة «حاضرين» ناظم سراج، فإن وفاة الأطفال الـ14 في يوم الجمعة، كانت بسبب ظروف انقطاع الكهرباء وتعطل المولد.

وأشار إلى بذل جهود تقوم بها حملة «ما براكم» لإجلاء الأطفال إلى مكان آمن، بالتعاون مع المنظمات والمبادرات الأخرى وبدعم منظمة اليونيسيف التي التزمت بكافة النفقات اللازمة وترتيب وسيلة نقل آمنة لكل الأطفال الموجودين بالدار.

استهداف الدار

وقبل يومين، أعلنت منظمة «حاضرين» تعرض المركز الصحي المجاور لدار المايقوما لرعاية الطفل اليتيم للاستهداف، وبسبب الغبار تم تحويل الأطفال إلى غرفة أخرى لحين تنظيف المكان.
وأوضحت في بيان لها أن «الدار يعاني من مشاكل متعددة مثل انقطاع الكهرباء وتعطيل المولد وعدم القدرة على إيجاد فنيين لإصلاح العطل، بالإضافة إلى وقف عاملات النظافة عن العمل، فضلاً عن نقص في الكوادر الطبية».

وأوضحت أنها «تعمل على مسارين، أول لتحسين الوضع وتوفير مخزون الألبان والبامرز الذي يكفي لمدة شهرين، أما المسار الثاني فهو إيجاد مكان بديل للدار خارج الخرطوم وتوفير كوادر مؤهلة للتعامل مع أكثر من (340) طفلا من عمر أيام إلى (16) سنة من أطباء وممرضات وأمهات بديلات وضباط تغذية وخبراء مكافحة انتشار العدوى».

وأسس دار المايقوما في عام 1961 كمستشفى لرعاية الأمومة والطفولة قبل ان يتحول بعد عامين لدار لإيواء الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية.

ويقع الدار في حي الديوم الشرقية وسط الخرطوم، الذي يشهد اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع منذ اندلاع النزاع المسلحة في السودان منتصف أبريل/نيسان الجاري.

ووفقاً للمتابعات يضمن الدار أكثر من (340) طفلا وطفلة، وقد استقبل منذ شهر أبريل/نيسان العام الماضي وحتى يناير/ تشرين الثاني 2023 نحو (97) طفلاً جديدا، مما أدى لافتتاح غرفة جديدة للأطفال حديثي الولادة، علماً بأن السعة الاستيعابية تقدر بـ(500) طفل وطفلة، ويعمل فيه نحو (600) مربية.

وعندما اندلع القتال ظل معظم موظفي دار الأيتام في منازلهم. وعانت المايقوما من نقص العمالة لدرجة أنه لم يكن هناك سوى نحو 20 مربية لرعاية نحو 400 طفل، حسب دعاء إبراهيم، الطبيبة في الدار، التي قالت هي وآخرون إن هذا يعني أن كل مربية مسؤولة عن رعاية 20 طفلا مقابل معدل مربية لكل خمسة أطفال في الظروف الطبيعية.

«لا نستطيع أن ندفن موتانا»

وأعربت الخبيرة في مجال حماية الطفل ومديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، سليمى إسحاق، عن أسفها لوقوع ضحايا أطفال في الدار، مشيرة إلى أنها كانت تتبع المجهودات التي تقوم بها منظمة «حاضرين» وبقية المبادرات لإنقاذ الأطفال وتحسين الأوضاع هناك، والسعي في إيجاد أمهات بديلات.

وبينت أن الأطفال والنساء هم دائماً ما يدفعون الثمن في الحروب والأزمات السياسية وحتى في الكوارث الطبيعة هم الأكثر هشاشة وعرضة للمشاكل، لافتة الى أن العديد من الأطفال في السودان فقدوا حقهم في الحياة بالرصاص الطائش أو المقذوفات وتبادل النار أو عبر القناصين. وقالت لـ«القدس العربي»: «نحن في السودان لا نستطيع أن ندفن موتانا ولا أن نرعى أطفالنا ولا عمل أي شيء في ظل الوضع الموجود والمفروض بسبب الحرب والذي يمثل خطرا على الإنسانية نفسها».

إلى ذلك، كشفت مدير وحدة مكافحة وحدة العنف ضد المرأة والطفل، سليمى إسحاق عن تعرض (3) طفلات للعنف الجنسي من قبل قوات عسكرية ترتدي زي «الدعم السريع» حسب إفادات الناجيات.

وأفادت بأن عمر الضحية الأولى كان (12) سنة، بالإضافة إلى حالات أخرى لم يستطيعوا التأكد منها أو تقديم الخدمات لها. وأشارت لشهود عيان وفيديوهات لبنات قصر في سن (16، 15، 14) تعرضن للاختطاف والاعتداء والعنف الجنسي.

وأشارت الى أن الكثير من الطفلات معرضات للاستغلال والانتهاكات والعنف الجنسي بسبب الحرب وحتى في النزوح، وذلك نسبة لغياب آليات الحماية، إضافة لمخاطر أخرى متعلقة بالصحة النفسية وتعرضهن للصدمات.

ووفقا لها «الحرب الدائرة في السودان لم تجد الاستجابة اللازمة من قبل المجتمع الدولي مقارنة بالحروب الأخرى في العالم. الاستجابة ما زالت بطيئة بالنسبة للمنظمات الدولية. كل المجهودات هي عمل شعبي من موارد محدودة لن تستطيع أن تخدم أطفال السودان».

وتساءلت: «هل أطفال ونساء السودان في هذه الحرب لا يستحقون الدعم؟ أليس هو الشعب نفسه الذي احتفى العالم بثورته العظيمة وثورة النساء فيه، وأثنوا على شجاعتهم العالية؟ لما لم نر أي مردود على مستوى الخدمات أو الاستجابة للاحتياجات في ظل الأوضاع التي نعيشها؟».

وفي مطلع الشهر المنصرم، كانت منظمة «اليونسيف» قد أعلنت عن تلقيها تقارير تفيد بمقتل (190) طفلاً وإصابة (1700) آخرين في السودان منذ اندلاع النزاع المسلح، وحذرت من أن المعارك تحصد أرواح أطفال بأعداد كبيرة ومرعبة، مشيرة إلى أن تقارير تفيد بسقوط (7) أطفال كل ساعة بين قتيل وجريح.

وفي الموازاة، كشف مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، عن اختراق مصنع ينتج إمدادات حيوية لعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية في الخرطوم بسبب الاشتباكات المسلحة، مبيناً أن المصنع ينتج (60٪) من الأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام مما دمر إمدادا لعلاج نحو (14.5) ألف طفل يعانون من سوء التغذية.

وفي سياق الانتهاكات المتعلقة بالأطفال المرضى، سبق وأن أعلنت منظمة «كلنا قيم» عن اقتحام قوات تتبع لـ«الدعم السريع» استراحة أطفال السرطان وتخريبها. كما بيّنت جمعية بنوك الدعم، احتلال الدعم لبنك الدم المركزي ـ استاك ـ ووفاة عدد من أطفال «الهيوغيليا» بسبب عدم توفر العلاجات التي تصرف مجاناً.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق