محمد الأقرع:
الخرطوم ـ «القدس العربي»:
اضطر غالبية السكان في حي جبرة جنوبي الخرطوم، إلى النزوح نحو مناطق آمنة بعد اشتباكات عنيفة دارت خلال الثلاثة أيام الماضية بين الجيش وقوات «الدعم السريع» التي أحكمت سيطرتها على مجمع اليرموك للتصنيع الحربي ومستودعات الشجرة للنفط، التي شهدت هي الأخرى أعمال تخريب ضخمة أحرق على أثرها عدد من الخزانات الرئيسية التي تقوم بإمداد مدينة الخرطوم بالوقود.
الجزء الأكبر من نازحي جبرة تحرك جنوباً صوب أحياء الكلاكلات. روايات الشهود تحكي عن انتهاكات كبيرة في حقهم، بعضها مورس من قبل قوات «الدعم السريع» مثل الضرب والشتم والنهب.
قال يوسف، 28 عاماً، لـ«القدس العربي»: «خرجت من الحي بعد يومين من اندلاع المعارك في مجمع اليرموك للتصنيع الحربي الواقع جنوباً. جنود الدعم السريع تسللوا وسط المنازل وقاموا بمهاجمة المجمع، المعركة استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة الثقيلة الخفيفة، كما قام طيران الجيش بقصف تجمعات للدعم السريع، كانت الأصوات مرعبة جداً، طيلة وجودنا في المنزل كنا مستلقين على الأرض تحوطاً من سقوط قذائف، بالفعل سقط بعضها في عشرات المنازل».
وأضاف: «لم يكن لدي أي خيارات بقاء، أي تأخير يمكن أن يقود إلى عواقب وخيمة، فقد سمعنا بمداهمة الدعم السريع للمنازل. خرجت أثناء الاشتباكات لا أحمل سوى مفتاح المنزل، عند تقاطع الصفراوي ناحية أبو آدم أوقفنا أفراد من الدعم السريع، كنا نستقل تكتك، أوقفونا وكان معي أحد الأشخاص الذي وجدته في طريق الهروب وتقاسمت معه تعريفة التوصيل، أوقفنا الجنود وقاموا بإطلاق الرصاص على إطارات المركبة وطلبوا منا النزول والوقوف في أماكننا».
وتابع: «بعد السؤال عن هويتي والتفتيش لم يجدوا شيئا فقاموا بضربي وإلقاء المفتاح على الأرض، وقالوا لي إذا كنت رجلا خذه، تركته ومضيت إلى حال سبيلي، كانوا جنودا صغارا في السن ويمكن أن يقوموا بأي فعل».
وأردف: «الشخص الذي كان معي في الطريق كان يتحدث عن أنه من المكون القبلي نفسه الذي تنتمي له غالبية قوات الدعم السريع ـ الزريقات ـ وقال إنهم لن يتعرضوا له بشيء، لكنه خاب ظنه فقد قاموا بنهب هاتفه ومبلغ (50) ألف جنيه وأطلقوا عليه الرصاص في قدمه اليمنى، لا أعلم حالته بعدها فقد قمت بالفرار لحظتها».
بالتوزاي، قال نازح آخر من جبرة لـ«القدس العربي» فضل حجب اسمه: «حين هممت بالرحيل قمت بفك إطارات سيارتي التي تقف خارج المنزل خوفاً من سرقتها، حينها داهمني أفراد من الدعم السريع، قالوا لي لماذا تقوم بفك إطارات السيارة، خايف مننا نحن حرامية يعني، وقاموا بضربي بالعصي وأعقاب البنادق قبل أن يطلقوا سراحي».
أسماء، إحدى سكان الحي أيضاً، قالت لـ«القدس العربي» : «كانت أياما مرعبة، كانت شوارع منزلنا ميداناً للقتال والاشتباكات الدامية، أصوات الرصاص كانت تأتي من كل جانب حولنا، رأينا لحظات سقوط القتلى من الجنود والمصابين، كنا في حالة يرثى لها من الخوف والفزع، كانت الشبكات رديئة والكهرباء مقطوعة بالكامل، كنا وحدنا المتبقين في العمارة التي تحوي (8) شقق، أنا وزوجي وقريبته فقط، أوصدنا الأبواب تماماً، اتخذنا أكثر الغرف تحصيناً وبعداً عن مرمي النيران مكانا لنا، أحياناً كنا نشاهد من النافذة أفراد الدعم السريع وهم يدخلون البيوت ويتجولون في الطرق، قاموا بسرقة أحد «البكاسي» من منزل بالقرب منا».
وأضافت: « عند حوالى الساعة الثالثة عصراً، قرع جنود الدعم السريع الباب وأمرونا بإخلاء المنزل وبالتتابع منازل الجيران، خرجنا على عجل نحو منزل الأسرة الكبيرة بمربع (14) ومنه نحو الكلاكلات اللفة ولم نصادف أي جنود في الطريق لاتخاذنا الشوارع الفرعية والتراتبية». وتسببت الاشتباكات التي دارت في مجمع اليرموك وحي جبرة جنوبي الخرطوم، في تدمير عدد من منازل المواطنين نتيجة للقصف العشوائي.
وأفاد بعض السكان لـ«القدس العربي» بوقوع قتلى وجرحى وسط المواطنين لم يتسن التأكد منها من مصادر طبية موثوقة، كذلك طالت أعمال النهب عددا من المحلات التجارية في آخر محطة جبرة.
ويشهد الحي منذ اندلاع المعركة ظهر يوم الثلاثاء الماضي انقطاعا تاما للتيار الكهرباء، فقد تسبب القصف العشوائي في تخريب خطوط نقل الضغط العالي، والذي أدى بدوره لإنقطاع التيار الكهرباء من الحي وأجزاء واسعة من الخرطوم.
وحي جبرة ظل منذ اندلاع النزاع ميداناً للعمليات، لكن كان تركز القتال في الناحية الشمالية والتي تقع فيها منازل «حميدتي وأقاربه» كذلك من الناحية الشرقية حيث كان هناك معسكر للدعم السريع بالقرب من محطة «البيبسي» استطاع الجيش تدميره في الأيام الأولى للاشتباكات.
ويشار الى أن المعركة في الأساس دارت حول مجمع «اليرموك» الذي يعمل تحت مظلة منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش السوداني، وأنشىء في عام 1996، وهو مخصص للأعمال الهندسية وصهر الحديد وصنع الأسلحة الثقيلة والذخائر، علماً أن المجمع يعمل بتقنيات روسية وأوروبية متقدمة.
وتجدر الإشارة كذلك إلى تعرض المجمع للقصف الجوي في (23) أكتوبر/تشرين الأول من عام 2012، واتهمت حينها حكومة البشير دولة الاحتلال الإسرائيلي بالقيام بهذه العملية، بينما أوردت صحف عبرية أن القصف الإسرائيلي على المجمع الصناعي كان بسبب وجود أسلحة وذخائر إيرانية كانت في طريقها نحو حركة «حماس» الفلسطينية عن طريق السودان.
ووفقاً لمتابعات «القدس العربي» استطاع «الدعم السريع» السيطرة على المجمع الصناعي الذي دمر بعض منشآته، إذ كان ساحة للمعركة طيلة الثلاثة أيام الماضية. وحسب شهود عيان، فإن قوات من الجيش ما زالت تحيط بالمكان، حيث تتواصل الاشتباكات.
بالموازاة، ما زالت أعمدة الأدخنة تتصاعد من مستودعات الشجرة للنفط الواقعة في الناحية الغربية لمجمع اليرموك الحربي.
ووفقا لشهود عيان قامت قوات الدعم السريع باقتحامها رغم أنه منذ اندلاع الأحداث لم يكن فيها أو حولها أي جندي يتبع للجيش الذي كان يكتفي بارتكازات قبالة مصنع اليرموك بسبب الخطورة المتوقعة على المرافق الاستراتيجية.
وقال الشهود أن تفجير المستودع كان بعد اقتحام الدعم السريع للمكان، وقد تتضررت نحو (4) خزانات وقود ضخمة كانت تزود العاصمة بالوقود.
