مقالاتمنوعات وفنون
عدنا إليك دار أبي نحن إليه فيك.. ونحن فيه إليك
كمال جبر الله:
لم يزل بيت أبي العزيز جبرالله محمد علي (رحمه الله) وأكرم نزله .. قائما منذ أن تم بناءه في ستينيات القرن البهية، يقف كل تلك السنين وكأنه على موعد مع الأبناء والأحفاد ينتظرهم بعد سنوات من الجفاء والنسيان والخوض في سنوات قضت على كثير من نضرة شبابنا .. يقف صامدا بشقائق الدوم المتراصة على ساق الدومة الأم وتصطف أعلاها جرائد النخيل المباركة تنبئ عن سنوات الكد والبحث عن الحلال المطلق بورشة النجارين عطبرة.
غبنا عنه ولم ينسانا .. كان على الموعد ينتظرنا لأكثر من ثلاثين سنة من الغياب في شوارع وأزقة الخرطوم فك الله كربها وكرب أهلها .
نعم عدنا إلى عطبرة الحصايا شارع جامع عباس محمود، ليأوينا ويفتح لنا ذراعيه على مصراعيهما وكأنه يعاتبنا على الغياب وكل هذا الجفاء.
كأنه حلم عتيق بذكريات صباه والوقوف على أطلاله مدرسة المزاد الابتدائية والخدمات المتوسطة والجديدة الثانوية وما أدراك ما الايام .
(كيف ذاك الحب أمسى خبرا وحديثا من أحدايث الجوى
إسقني وأشرب على أطلاله وأروي عني طالما الدمع روى)
عدنا إليك دار أبي نحن إليك فيه ونحن فيه إليك، تستبد بنا الذكرى وخطواتك إلى المسجد عند بزوغ الفجر، يهيم بنا صدى صوت المؤذن حاج علي وتلاوة الإمام عثمان بشير، سحابات ظليلة في هجير النزوح والخروج إلى مكان آمن.
وهل من أمن وسلام أكبر وأجل من دار آوتنا صغارا منذ نعومة الأظافر؟ أهناك أمنا أكبر وأجل وأعظم من صاج *أمي دار النعيم* وهي تعد فيه القراصة والكسرة وتنتظر صافرة عطبرة تجلجل في فضاء المدينة الطيبة.
عدنا إليك وكأننا قد كنا في غيبوبة البحث عن سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء .. ثلاثة عقود نلهث وراء الدراسة والعمل والزواج والسكن لكنها بعيدا عنك، وقد كنت وفيا لتلك الأيدي العاملة المثابرة والصابرة التي بنتك ورحلت عن الدنيا وتركتك وفيا إلى حد الوفاء صامدا على مر السنون تنتظر العائدين إليك من غيبوبة قضت على ربيع العمر واجتاحتها الأيام موجا كاسحا سرق منا أندى وأجمل الذكريات.
*عذرا دار أبي*
ولا يسعني إلا أن أسأل الله متوسلا به إليك وبخطوات صلاة الفجر والمشاءين في الظلمات إليك أن تجزي بانيه عنا خير الجزاء وأن تجعل هذا الإيواء امتدادا لثوابه وفي ميزان حسناته بعطفه ورعايته لنا وأن تجمعنا به في أعلى الجنان يا أكرم الأكرمين.