أخبار وتقارير
القمم الإقليمية حول الأزمة السودانية.. الحلول الممكنة والصعوبات على الأرض
تقرير_ عبد القادر جاز:
البحث عن مخرج للأزمة السودانية التي تسودها الخلافات والتجاذبات ما بين تقاطعات المصالح ومطامع دول الجوار، ما بين انفضاض سامر قمة “الايغاد” وبما قوبلت به مخرجاتها من رفض لكافة فطاعات الشعب السوداني، بينما قمة القاهرة التي تتمسك بطوق النجاة لإعادة السودان إلى المسار الصحيح، كيف يتسنى توجيه ذلك المسار بعدما فشل منبر “جدة” في لملمة الأزمة السودانية؟ إلى أي مدى تتسق مع الرؤية التي تنادي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تتماهى مع قوات الدعم السريع المتمردة ومدى تأثير ذلك على مستقبل العلاقات مع دول الجوار؟
مخاطبة جذور الأزمة..
أوضح اللواء مهندس ركن د.أمين إسماعيل مجذوب الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض أن تعدد قمم التفاوض والمبادرات التي تناقش حل الأزمة السودانية نتيجة نابعة من مصالح الجميع فيما يتمتع به السودان من موارد وإمكانيات مادية وبشرية وأراضي زراعية خصبة، منوها أن كل المبادرات الإقليمية أو الدولية أو من دول الجوار باعتبار أن أولوية المصالح هي الأرجح للحصول على (الكيكة) ما بعد انتهاء الحرب في السودان، ووصف منبر جدة بأنه مثالي لكنه لم يخاطب جذور الأزمة ولم يعرف أطراف الصراع في السودان، معتبرا أن هذه واحدة من الإشكاليات التي لم يتطرق لها منبر جدة، مما صعب الحلول المباشرة لإقامة هدن تمهد للأعمال الإنسانية، مضيفا أن عدم وجود ضغط على قوات الدعم السريع أدي إلى استمرار الحرب، مبينا أن منبر جدة على الرغم من وجود وسطاء به لكنه أخفق في مخاطبة جذور الأزمة.
الاختلاف والرفض..
وأوضح أمين أن الحلول تكمن في ضرورة إعادة تعريف الأطراف بالقوات المسلحة والدعم السريع واحترام السيادة السودانية ومؤسساتها وعدم التدخل في الشئون الداخلية بدعم أي طرف من أطراف الصراع، بجانب إنشاء آلية لمساعدة السودان اقتصاديا وإعادة ما دمرته الحرب، داعيا إلى عدم توجيه المبادرات في الشأن السوداني عبر تدخل القوات الأممية، باعتبار أن مثل هذه الأمور مرفوضة من قبل الشعب السوداني، ولفت إلى أن الشعب السوداني يختلف عن الشعوب الأخرى ولا يقبل أي تدخل خارجي.
سقوط في الامتحان..
واعترف أمين بأن قمة الإيغاد بدأت خطأ وانتهت خطأ، وسمها بالمبادرة التي ولدت ميتة، بحكم اعتراض السودان على رئاسة كينيا لقمة الايغاد باعتبار أن الرئيس الكيني لديه علاقات اقتصادية مع قائد الدعم السريع، وتصريحات بعض الرؤساء بعدم وجود حكومة والمطالبة بحظر جوي وسحب المدفعية، باعتبار أن هذه أمور سيادية تتعلق بالقوات المسلحة، والشعب السوداني لا يقبل بمثل هذه التدخلات مهما كانت المبررات، معتبرا أن الايغاد سقطت في الامتحان بتحاملها على السودان وبتجاوزاتها بعكس قمة القاهرة التي شخصت الأزمة بدقة وصاغت الحلول بصورة مقبولة.
تشوهات الماضي
أكد أمين أن المكونات المجتمعية والمنظمات والإدارات الأهلية هي جزء من الأزمة باعتبار أن ما قبل الثورة وبعدها شاركت في الفترة الانتقالية في الصراع ما بين المكون العسكري والمدني حول الاتفاق الإطاري والتحالفات الداخلية التي نشأت كجزء مع القوات المسلحة والأخر مع قوات الدعم السريع، واعتبرها بأنها مشلولة، وطالب هذه المكونات بضرورة مراجعة مواقفها وأجندتها وديمقراطيتها في حد ذاتها، مشيرا إلى أن هذه الجزئية مهمة وضرورية قبل أن تكون هذه المكونات جزء من الحل والمعالجة، باعتبار أنهم جزء من الأزمة ليس من أهل الحل، وشدد على ضرورة وجود فاعلين جدد في شكل تحالفات جديدة ووجوه جديدة حتى نبني سودانا جديدا بعيدا عن تشوهات الماضي.
مبادرة محترمة..
ويقول أمين إن قمة القاهرة هي أول مبادرة تحترم السيادة السودانية ومؤسساتها بعيدا عن التأثيرات والتدخلات في الشئون الداخلية، واهتمامها بالشئون الإنسانية وفتح الحدود ما بين دول الجوار لإيصال المساعدات الإنسانية، بجانب إنشاء آلية تنفيذية مختصة من وزراء الخارجية تعقد الجلسة الأولى في تشاد، مضيفا أن كل هذه الأمور جعلت من قمة القاهرة موضوعية ومحترمة وهي من أسباب النجاح، مستطردا بقوله: إن دول الجوار استشعرت خطورة انتقال الأزمة السودانية إليها، بحكم التداخلات القبلية والإثينية والتبادلات التجارية مع بعض الدول، موضحا أنه على ضوء ذلك اعتبرت هذه الدول شريكة في الحل، يرى أمين أن مسألة قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تدعم قوات الدعم السريع المتمردة، اعتبر أن السوان ليس بحاجة إلى عداء مع تلك دول ويكفيه ما هو عليه، قائلا لكل حادث حديث بعد إيقاف الحرب بمقابلة الأفعال بالطرق الدبلوماسية دون الدخول في صراعات إقليمية أخرى.
الاغتراب والاقتتال..
من جهتها، أبانت الأستاذة نجلاء السماني أبو عائشة رئيس مبادرة محبي السلام أن تعقيدات الأزمة السودانية نتيجة الاعتماد على الأيادي الغير سودانية، وانعدام شخصيات يتم الالتفاف حولها، مؤكدة على عسكرة السودانيين أصبح الكل له معسكر يؤيده، فصار الاغتراب والاقتتال بمثابة حلال لدرجة لا توصف، من الصعوبة بمكان نجاح مبادرة جدة وتأثيرها الإقليمي والدولي في المنطقة، مشيرة إلى أن القصور تمثل في كيفية إيجاد الآليات التي تعين على تنفيذ الهدنة ومراقبتها، موضحة أن السودانيين بحاجة إلى آليات محلية ممثلة في: المجتمع المدني والمنظمات والشرطة والجيش والدول الصديقة باعتبار أن طرفي الصراع دخلا في مرحلة يصعب الرجوع عنها، مرجحة أن مبادرة جدة قد تنجح لأنها تمتلك مجتمع دولي يتمثل في أمريكا وغيرها من الدول، وقد تفشل إن لم تكن لها مصفوفة واضحة تعمل عليها، على حد تعبيرها.
الصوت المدني..
وقالت نجلاء إن من أخطاء الإيغاد تم تنفيذها بسرعة شديدة ولم تخطى بترحيب لأنها حاولت فرض حل يرقضه السودانيون منذ زمن بعيد وهو التدخل في الشأن السوداني الداخلي، فضلا عن ظهور شخصيات حولها خلاف، مبينة أنه من حسنات الإيغاد أنها أظهرت الصوت المدني، وقد تجبر الأطراف على الدخول في تفاوض وحوار.
سقف الشعور..
ووصفت نجلاء ما قامت به القاهرة من مساعي بأن فيها نوع من الواقعية فضلا عن مقبولية مشاركة أصحاب المصلحة من دول الجوار المتأثرين بحرب السودان، إضافة إلى رفع سقف الشعور بوقف الحرب على أسس منطقية بدخول الأسلحة عبر الحدود ومشكلة اللاجئين، ويمكن أن تحسمها دول الجوار، وأضافت بقولها: إن القاهرة وجوبا هما أكثر فهما للقضية السودانية وأقرب إلى الحل إذا تم إشراك السعودية وأمريكا ستفضي المساعي إلى حلول ممكنة.
صناعة التمرد..
وقالت إن الدبلوماسية لا تعني قطع العلاقات بقدر ما لها سبل أخرى على سبيل المثال: أمريكا رغم عداوتها مع إيران لديها مصالح هناك، وكذلك السودان يجب أن لا يظهر العداء، ويعزز سيادته واستقلاله للتعامل مع الدول وفقا لاستراتيجية محكمة، وأضافت بقولها: الشخص الذي صنع متمردا، يمكن أن يصنع لكل متمردا آخر، خصوصا إذا كان يمتلك إمكانيات خصوصا في ظل ترجيح مصالح بعض السودانيين على مصلحة الوطن، مؤكدة أنه بالرغم من الصعوبات سيعود السودان أكثر عافية، فقد استوعب الدرس، وشددت على ضرورة أن لا تصنف الحرب في إطار قبلي أو جهوي.
إسداء النصح..
ودعت نجلاء إلى أهمية التمسك بالنسيج الاجتماعي والتوافق على وقف الحرب على أن تأخذ العدالة مجراها دون محاكمات إعلامية، وبث خطاب العنف والكراهية، وقالت كل من ثبت أنه مجرم يقدم إلى العدالة حتى تسود روح العفو الحقيقة، وأشارت إلى وجود منظمات اجتماعية سودانية قديمة على سبيل المثال: الطرق الصوفية والإدارة الأهلية يجب أن لا تدخل كطرف في الحرب، وعليها تقريب الفرقاء وإسداء النصح في إطار الحل السلمي والعرف السوداني المتعارف عليه منذ القدم في حل المشاكل، مرجحة إذا لم تستطع ذلك يجب أن تتحرك لدعم منبر دولي بآلية وطنية تعد ذلك المنبر.