مقالاتمنوعات وفنون
بعد الغياب.. عدنا يا خرطوم
د. معاوية عبيد:
بعد الغياب، الخرطوم تنزف في عيدها
امتلات الشوارع بزخات الرصاص … انقطع التيار و انقطعت المياه … ماعدنا نفرز بين اصوات التراويح و اصوات الرصاص .. لا يحتاج الواحد منا لمسحراتي فالكل مستيقظ .. لم نعد نفرز صوت الدانات من صوت مدفع الافطار … تهليلات وتكبيرات المآذن كانت خافته طغي عليها ازيز طائرات الأباتشي.
انقطعت سبل المواصلات وظلت اكوام من البشر تزحف نحو المجهول خوفا على ارواحهم و تركوا امتعتهم ودورهم الخارج من الخرطوم كالعائد من الجحيم ، كنا الناجين من الجحيم الذي اوقدته قوي الشر ( الرباعية ) ومطامع السلطة والجهوية الضيقة التي اوقدت نار الحرب التي جعلت الخرطوم تنزف دماُ و دموعاً في الشهر الفضيل ونزلت خراباُ ودماراُ في العيد ، غابت الفرحة في وجوه الكبار و غابت لعب الأطفال.
اصبح فارغ الرصاص هوايتهم المفضلة ، غابت ضحكاتهم وامتزجت بدوي المدافع … غاب طعم العيد و خبائزه و حلاوته ، غاب يوم النحر في الخرطوم ونحرت أرواح بريئة بأيدي المتمردين وانتهكت اعراض ، غابت كل الأسر عن الخرطوم بعد ان غاب الأمن و الاطمئنان في مقرن النيلين .
فارقوا مقرن النيلين إلي خارج السودان ومنهم من نزح داخليا إلي ولايات أخرى ومنهم من ينتظر .. ولكل فئة منهم معاناتهم الخاصة بهم ، ولكن حتما ستعودي يا خرطوم يوما .
بعد الغياب وبعد الليالي المره في حضن العذاب ، بعد أن اضنانا الألم وفقدنا مزاق الأيام الحلوة واندس في جوانا النغم الحزين عدنا يا خرطوم بعد ان نعق علي جدران منازلنا ألبوم، ودنس ارضها مرتزقة الشؤم، عدنا ووجدنا الديار الخالية حيث غابت المروءة وسرق الجار بيت جاره ، عدنا بعد غياب ولم نجد الترحاب ، عدنا والقلب تملأه الحسرة ليس علي فقدان الممتلكات و لكن علي فقدان الأحبة وعلي فقدان الثقة في الجيران ، عدنا ولن تعود الألفة والحنان بين الجيران ،عدنا و لكننا غرباء عن بيوتنا التي تم تدميرها ونهبت الاثاثات و حتي الابواب و الشبابيك.. ولم نجد ما نجلس أو ننام عليه.. عدنا ولم نجد مدرسة احمد ولا حتي جامعة براءة.. بالتأكيد لم نجد مكاتبنا مصانعنا مزارعنا مستشفياتنا لم نعرف طريق العودة … شوارعها اكتظت بالجثث وبالدمار و الألغام و العربات المسروقة بعضها تحطم في الشوارع بافعال المرتزقة و بعضها كان مهرا لام قران … عدنا بعد ان مات الطيور في اوكارها و ماتت كل الحيوانات…اغنامنا …حماماتنا.. دجاجنا … الكدايس لم تسكن لأنها أليفة هجرت الديار بعد أن هجرها أصحابها… شبعت الكلاب بجيف الخونة و المرتزقة … ماتت السنابل بعد ان صابتها شظايا القنابل …
رغم ذلك عدنا يا خرطوم …
بعد الغياب عدنا بعد أن توقفت الحرب ، عدنا لان الحنين يشدنا إلى ديارنا التي شيدناها بعرق السنين وحلائل الأموال ،
عدنا لكننا ننشد الأمن و الأمان وغياب تسعة طويلة ، ونمني أنفسنا ببزوغ فجر جديد وتغني مقرن النيلين و ملتقى الأحبة.
بعد الأمل بعد الرجاء
عاد الصفاء
عاد الحبيب المنتظر
عودا حميدا مستطاب
ياللهوى يا للشباب
ياللدعاء المستجاب