مقالات
بروفيسور أحمد عبيد يكتب: إعمار القطاع الصناعى ودعم المصانع المتضررة بعد الحرب (٢)
استمعت قبل أيام لحديث احد الإخوة فى احدى الوسائط الإعلامية يقول فيه انه يعتبر ما حدث من دمار فى المناطق الصناعية خيرا كبيرا ولن يذرف دمعة واحدة على المصانع التى دمرت، المتحدث قد تكون له رؤية غير مسبوقة فى بناء صناعة سودانية من البداية تواكب القرن الحادى والعشرين. تحدث عن عدم وجود هيكلية لصناعة سودانية وهذه وجهة نظره ولانعيب عليه ذلك ولكن كنا نأمل ان يعزز حديثه ببعض الدلائل والمعلومات حتى تعم الفائدة. لقد اعتدنا ان يكتب او يتحدث الناس فى هذه الوسائط بدون جمع وتحليل المعلومات قبل اصدار الفتاوى و هذا الحديث وفر لنا فرصة مناسبة لإلقاء بعض الضوء عن الصناعة السودانية.
لو ان الاخ المتحدث قبل حديثه هذا رجع للموقع الإلكترونى لإتحاد. الغرف الصناعية (www.sudanindustry.com) لوجد معلومات تساعده فى التعرف على القطاع الصناعى السودانى،
يتكون اتحاد الغرف الصناعية من خمسة عشر غرفة صناعية مصنفة حسب التصنيف العالمى للقطاعات الصناعية( International Standard Industrial Classification ) ويشمل التصنيف كل المصانع المسجلة فى الإتحاد حسب النشاط الصناعى مع معلومات عن حجم الانتاج والعمالة وبعض المعلومات عن التكنولوجيا وبالمناسبة الاتحاد هو مؤسسة غير حكومية اسسها الرعيل الأول من الصناعيين السودانيين. يشمل التصنيف المصانع فى كل انواع الصناعات من صناعة السيارات حسب ما ذكر المتحدث وحتى صناعة المربى والبسكويت التى ذكر انها صناعات لاترقى ان تسمى صناعة. العدد المسجل من المصانع بالاتحاد يفوق الثلاث الف مصنع، يعمل بها مابين مائة الى مائة وخمسين الف عامل يوفرون سبل الحياة الكريمة لما يفوق المليون ونصف فرد من المجتمع السودانى وتساهم بما يفوق ال ٢٨٪ من الناتج المحلى. وعلى الرغم من أن المصنع قد يكون ملكًا شخصيا لصاحبه، إلا أنه يسهم في إضافة ثروة للبلد بطرق متعددة. على سبيل المثال، يوفر المصنع فرص عمل للعمال المحليين بجانب تحسين مستوى المعيشة للأفراد والأسر في المجتمع المحلي. وكذلك زيادةالإنتاج الوطني وتعزيز النمو الاقتصادي للبلد. بالإضافة إلى ذلك، يكون للمصنع تأثير بيئى وتكنولوجي وعلى سبيل المثال يسهم في نقل التكنولوجيا والابتكار وتطوير قدراته التكنولوجية فى مجالاتها المختلفة من الحرفية وحتى الذكاء الإصطناعى.
وبشكل عام، المصنع سواء كان بسكويت او مربى او مصنع لتصنيع الطائرات تعتبر ملكيته جزءًا من ثروة البلد إذا تم النظر إلى الأثر الشامل للمصنع على الاقتصاد والمجتمع والتطور الوطني ونذرف عليه الدمع لان معداته جلبت بعملات حرة والعمالة التى تعيش من خيره لايعلم من بنى بيته فى عشرين عاما مدى اهمية مثل هذه المصانع لهم. ان اختصار المناطق الصناعية فى مصانع حلاوة وبسكويت اجحاف فى حق الصناعة . لنضرب مثالا ليعرف المتحاملين على الصناعة ان قطاع صناعة الحديد قد تم تدميره بالكامل وفيه استثمارات بمئات الملايين من الدولارات ناهيك عن ما يحتاجه من وقت لاحلال ما دمر فيه.
ونستغرب كثيرا عندما يتحدث احد عن الدورة القصيرة التى يتمتع بها الاستثمار الزراعى، متناسيا الترابط الامامى والخلفى الذى بين القطاع الزراعى والصناعى وان ماينتج فى القطاع الزراعى يذهب مباشرة الى المصانع ليعطى قيمة اضافية عن طريق الصناعة التحويلية ( السمسم الى زيت وطحينة وطحينية وحلاوة ووجبات لمعسكرات اللاجئين وغيره) ويريدنا ان نصدر منتجاتنا فى الدول الاخرى وكذا المعادن و الثروة الحيوانية.
للدول الاخرى لان مناطقنا الصناعية ليس لديها هيكلية. ونرجو ان يعلم الاخ المتحدث ان الاتحاد كان قد اصدر وثيقة استراتيجية متكاملة لتطوير القطاع الصناعى بعد ثورة ديسمبر مباشرة وبها رؤية كاملة لكل قطاعات الصناعة.
كلنا على يقين بان الدمار الذى حدث بسبب الحرب فرصة كبيرة لوضع استراتيجيات دقيقة لتطوير القطاع الصناعى على اسس جديدة تراعى فيها الميز النسبية للبلاد.
وطالما اننا فى اطار التفكير فى كيفية اعادة اعمار ما خربته الحرب دون الغاء ما دمرته الحرب نذكر ان الدول تقوم بالاتى:
تقييم الوضع الحالي: يجب على الحكومة إجراء تقييما شاملا للصناعات المحلية لفهم التحديات والاحتياجات لكل القطاعات الانتاجية ويتطلب ذلك التشاور مع المؤسسات الصناعية والغرف التجارية والزراعية والخبراء الاقتصاديين.
السياسات الصناعية: يجب أن تتبنى البلاد سياسات صناعية متكاملة تهدف إلى دعم وتطوير الصناعات المحلية. يمكن أن تشمل هذه السياسات توفير التمويل والدعم التقني، وتطوير البنية التحتية الصناعية، وتشجيع الابتكار وتطوير المهارات العمالية.
وضع استراتيجية شاملة: يجب أن تعتمد الحكومة استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين القطاعات الانتاجية. يمكن أنتشمل هذه الاستراتيجية تحديد الصناعات الحيوية التي تستحق الحماية وتقديم الدعم المناسب لها.
تطوير البنية التحتية: حيث يجب على الحكومة الاستثمار في تحسين البنية التحتية الصناعية، مثل الطرق والمنافذ والنقل والاتصالات والتوزيع، لتسهيل عمليات الإنتاج وتوزيع المنتجات. كما يمكن توفير مناطق صناعية حديثة ومجهزة بالبنية التحتية اللازمة لاستقطاب الاستثمارات وتعزيز الإنتاج المحلي.
تطوير القوانين واللوائح: يجب على الحكومة تحسين البيئة التنظيمية وتبسيط الإجراءات الإدارية للشركات. وينبغي أن تكون هناك قوانين ولوائح واضحة وعادلة تحمي حقوق الملكية وتعزز النزاهة والمنافسة العادلة.
تعزيز التعاون الدولي: يمكن للحكومة التعاون مع الجهات الدولية والمنظمات الإقليمية لتبادل الخبرات والمعرفة وتوفير الدعم التقني والمالي. يمكن أن يساعد التعاون الدولي في تعزيز القدرات الصناعية المحلية وتوسيع فرص التصدير.
الدعم المالي المباشر: يجب على الحكومة توفير الدعم المالي المباشر للشركات المحلية المتضررة أو المهددة بالإغلاق. يمكن أن يشمل ذلك القروض الميسرة، والمنح المالية، والتمويل لبرامج تحسين الإنتاجية والجودة.
التشاور والحوار: يجب تعزيز التشاور والحوار المستمر بين الحكومة والمستوردين والصناعات المحلية. وتشكيل لجان أو مجالس تشاور لمناقشة قضايا الصناعة والتجارة والوصول إلى حلول متوازنة وعادلة.
الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: يجب أن يشجع دعم الصناعة فى الولايات والحفاظ على التنوع الاجتماعي والثقافي للمجتمعات المحلية. يعزز دعم الصناعة المحلية فى الولايات الحرف والمهارات التقليدية ويحافظ على الموارد المحلية فى تلك الولايات.
تتطلب هذه الخطوات تعاونًا وجهودًا مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي. يجب أن يكون هناك رؤية استراتيجيةواضحة تركز على تعزيز القدرات الصناعية وتنمية الاقتصاد المحلي للسودان.