مقالات
ود البدوي في حضرة المجاذيب بالدامر
د. معاوية عبيد:
إن الاحتفاء بذكرى ميلاده صل الله عليه وسلم لمظهرٌ من مظاهر محبته، وهو وفاءٌ وإخلاصٌ وشوقٌ إلى رسول الله صل الله عليه وسلم – الذي اشتاق للقائنا عندما قال لأصحابه (وددت لو لقيت إخواني ) ، و إن الاحتفال بذكرى مولده يمثل ركناً ركيناُ وادباً عظيما في اتباعنا لسنته و الاقتداء بها ، ويجب علينا عند الاحتفاء بذكري مولده أن نتذكر سيرته العطرة ونتأسي بافعاله و أقواله ونجتنب ما نهانا عنه ، و في محبته صلوات ربي و سلامه عليه وذكرى ميلاده نجد أن لأهل التصوف أدب عظيم في ذلك و تلتقي عنده الأرواح التي تحاببت في الله و اشتاقت الي بعضها البعض ، ولهذا كان لأهل الله من الصوفية الكرام، شأن عظيم في الشوق، حتى أنهم جعلوا منه مقاما من مقامات التصوف، وعِلما من علوم القوم الكشفية، معتبرين إياه منزلة من منازل السالكين إلى الله سبحانه وتعالى.
فالشوق أو الاشتياق عند الصوفية، حاضر وبقوة ضمن كلامهم وفي أشعارهم، فتارة يقصدون به شوقهم إلى الله عز وجل، وتارة لنبيهم ﷺ وروضته الشريفة، وتارة أخرى يقصدون به شوقهم لأحبتهم من أولياء الله وصفوة خلقه ، وقد جاء في قصيدة الشيخ محمد المجذوب بن قمر الدين
صَبَبتُ دُمُوعاً يَشهَدُ الحُزنُ أَنَّها
أَتَت مِن فُؤَادٍ بالغَرَامِ مُتَيَّمُ
وَلَيسَ لَهُ مِن ذَا التَّتَيُّمِ مُشرِحٌ
سِوَى أن يَرَى مَعشُوقَهُ فَيُسَلِّمُ
يَقُولُ لِى المَعشُوقُ لاَ تَخشَ بَعدَ ذَا
حِجاباً وَلاَ طَرداً فَعَهدِى مُتَمَّمُ
مَتَى ما أرَتَ القُربَ مِنِّ فَنادِنِى
أَلاَ يا رَسُولَ اللهِ إِنِّىَ مُغرَمُ
أُجُيبُكَ مِن بُعدٍ وَإِنِّى جَلِيسُ مَن
بِحُبِّىَ مَشغولٌ بِذِكرى مُتَرجِمُ
حَلَفتُ يَمِيناً إِنَّ قَلباً يُحِبُّكُم
عَلَيهِ عَذابُ النَّارِ قَطعاً مُحرَّمُ
هلل شهر ربيع الأول شهر ميلاده صل الله عليه وسلم و البلاد تمر باصعب الظروف و لكن رغم الجراحات ، تسامت الأرواح و احتفلت شوقا وحبا بمولده ، احتفلت و هي تقول في نفسها ما أشبه الليلة بالبارحة ، ما أشبه ما وجده خير البشرية من تعب و مشقة وكيد و معارضة حتي شقت رباعيته في سبيل الدعوة الي الله ، و هاهي الأمة الإسلامية جمعاء و شعب السودان بصفة خاصة في ذكرى مولده صل الله عليه وسلم في هذا العام يتعرض للقتل و التشريد لأنه يتأسي برسول الله في أفعاله و أقواله ، و لكن رغم هذه الجراحات التقت القمة بالقاعدة ، الراعي برعيته ، التقوا شوقاً و حباً و تعظيماً لذكرى ميلاده ، ها هو والي ولاية نهر النيل محمد البدوي عبد الماجد و أعضاء حكومته يترجمون محبة النبي و الشوق الي لقائه و لقاء ارواح اهل التصوف بتغبير ارجلهم ومشاركتهم فرحا وشوقاً الي لقائهم وهم ينشدون
تضيق بنا الدنيا إذا غبتموا عنا
وتزهق بالأشواق أرواحنا منــا
إذا اهتزت الأرواح شوقا إلى اللقاء
نعم ترقص الأشباح يا جاهل المعنى
كذلك أرواح المحبين يا فتـــى
تُهَزِّزُها الأشواق للعالم الأسنـــى
أنلزمها بالصـبر وهي مشوقـــة
وهل يستطيع الصبر من شاهد المعنى
ويقف ركب ود البدوى عند خيمة أبناء الطريقة الشاذلية المجذوبية ، شوقا لأهل التصوف وأرواح المحبين وهذه الطريقة اسسها سيدي العارف بالله محمد المجذوب بن الفقيه قمر الدين بن الفقيه الشيخ حمد المجذوب بن الشيخ عبد الله راجل درو ، و الذي كانت ولادته في رجب عام 1210هـ ببلدة المتمة ، و انتقل منها إلى مدينة الدامر ، وبعد دراسة العلم وإجازته انتقل إلى المدينة المنورة ومكث بها تسعة سنوات وجلس فيها على كرسي الإمام مالك بالمسجد النبوي للتدريس ، ثم رجع إلى سواكن على البحر الأحمر ومكث بها سنين وأسس فيها زاوية وخلوة صوفية وجلس للتعليم والإرشاد، ثم سافر إلى الدامر مستقر آبائه وبها توفي في 27 محرم 1247هـ وقد بلغ من العمر 36 عاما ونيف .
وفي حضرة الجناب العالي و حضرة اهل السجادة الشاذلية ابناء سيدى الشيخ المجذوب يوصي ود البدوى مريدى ومحبي الشيخ وجميع الامة الاسلامية عامة وابناء نهر النيل خاصة يوصيهم باستغلال هذا الحدث العظيم و هذه المناسبة المباركة ان تكون مناسبة لإحياء مظاهر البهجة والسرور في مجتمعنا، بتذاكر مناقب هذا الرسول المجتبى، وزرع حبّه في نفوس الناشئة، ومدحه بما يليق بمقامه، وإشاعة شمائله وأخلاقه، كالأمانة والجود والكرم والتسامح والتواضع وحسن العشرة ، والتوسعة على الناس والتشجيع على مظاهر التكافل الاجتماعي وفعل الخير، وإشاعة أخلاق التآخي والمودة والتفاؤل وروح التعايش السلمي ونبذ الجهوية و القبلية .
وفي ختام الاحتفاء بمولوده صل الله عليه وسلم بساحات المولود النبوي الشريف بحاضرة الولاية الدامر اختتم والي ولاية نهر النيل و ركبه الميمون زيارتهم وهم يرددون
نَبِىٌ لِمَولاَهُ العَلِّى عِنايَةٌ
بِهِ تَبدُو إِذ ما الخَلقُ فِى الحَشرِ يُفحَمُ
عَلَيهِ لِوَاءُ الحَمدِ يُنصَبُ رِفعَةً
وَمِن تَحتِهِ الانباءُ وَالرُّسلُ يُزحَمُ
بِهِ كُلُّ عاص فِى القِيامةِ لاَئِذٌ
وَكُلُّ مُحِبٍّ فائِزٌ وَمُكلَّمُ
بِهِ يَرتَجِى المَجذُوبُ يَنجُو بِصَحبهِ
بِغَيرِ امتِحانٍ يا شَفِيعُ وَيَسلَمُ
عَلَيكَ صَلاَةُ اللهِ ثُمَّ سَلاَمُهُ
يَعُمَّانِ كُلَّ الآلِ ها نَحنُ نَختِمُ
نسأل الله أن يرزقنا حب نبينا، واتباع سنته، والتحلّي بأخلاقه، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يجازي نبينا عنا وعن الإسلام والمسلمين وعن الأمة جمعاء بخير ما يجزى نبي عن أمته.