عادل حسن:
سود الايام الكؤد التفت علي اعناق اهل الخرطوم ومجبورين ترك الناس ديارهم وتسللوا تحت ازيز الطائرات وليل المخاوف الطويل بلامتاع فقط ذاد من الخبز الجاف المخلوط بطعم الموت في لحظة
تدفق الناس مولين الي الاقاليم ولكن اهل امدرمان القديمة تحديدا دلفوا الي ودمدني ورفاعة في رحلة الاكراه والعودة الي الجزور اذ الجدة في درجة مدني والعمة في رفاعة السوق
وهنا بانت فراسة وشهامة والي الجزيرة الجسور اسماعيل العاقب وهو يخلع السفاري الرسمي وتحول الي شيخ عرب ومقنع الكاشفات مرتكزا علي ساعده الايمن وفارس الحوبات فخامة الوزير طارق هذا الرجل النادر التفرد خلقا واخلاقا وشهامة مشهودة فيه وهو يتحزم تحت انهمار المطر يستقبل الاسر القادمة من عاصمة الاحتراق بالترحاب والبشارة وتوفير المقار السكنية الكاملة الجهوزية دون تميز بين كافة الوافدين في بدايات النزوح الي مدني ظل وزير الشباب والرياضة طارق ظل هذا الرجل بلا كلل وملل يحتمل في جلد الصالحين وصبر الخلفاء الراشدين تدفق النازحين تحت شموس قاسية الحرارة وليل كثيف الامطار ويقول للناس مرحبا حمدا علي السلامة مع توفير السكن والغذاء والدواء مباشرة كان الوزير طارق يتحرك علي اقدامه بدون برتكولات رسمية وعمامته تبتل بمياه الامطار دون اكتراث منه لانه مشغول باستقبال وتوجيه الضيوف الي حيث الراحة من عناء السفر غير المرتب ومخففا عنهم رعب الاحداث وزهول مخاف الموت
هكذا امتصت ودمدني باسماعيلها وطارقها الصدمة الاولي لتدفق النازحين في موقف فعلا يؤكد ويدعم فكرة بان هناك اولاد بلد واولاد قبائل مثل الوزير طارق اعظم ابناء الشبارقة المثقفين العلماء اللذين الان بينهم الجزولي دفع الله رئس وزاء الديمقراطية
ما قام به الوزير طارق اكبر من تكليف رسمي او واجب حكومي هي فراسة وقيم فيه موروثة
وايضا مثلما للنزوح مسالب ومهالك هناك طرايف ولطافات كانت حاضرة مع اهل امدرمان بالتحديد وطبيعة توفير متطلبات حياتهم التي تركوها من شكل السكن ونوع الثقافة الغذائية المنعمة ومرفهة رغم انها مختصرة في مكوناتها
وهنا ظهرت بعض لطافات الوافدين مع اهلهم في مدني واحد الاصدقاء من ظرفاء مدني يحدتني في دردشة طويلة عن تلك الاسرة الصغيرة التي قدمت من امدرمان الي منزل جدتهم لابيهم في حي الدرجة فغاب عنهم الحمام الافرنجي ونسكافي الصباح واللبن المجفف ومشروبات شربات الصباح فلم يجدونها عند حبوبة سارة والبديل وجبات بقولية خشنة المذاق مع تكرارها ثم خضارات نفسها منفرة اليهم ومعها كسرة الذرة المر التي هي اساساخارج الدسك الغذائي بالطبيعة اصلا
وتمردا علي هذا التطرف الغذائي احتجت الحفيدة الصغيرة علي جدتها سارة وقالت وهي في حالة قرف انساني
يا حبوبة سارة انتي يظهر حا تكتلينا بالملوخية والعدس والبسلة وحليب الكارو
فانتهرتها جدتها سارة يا بت انت واختي ممسكاتني شنو دا العندي ونادت علي شقيقهم ياولدي جيب الطزاكر وسفر اخواتك ديل مني عافية منك ولم تقول التزاكر بل الطزاكر وفعلا ارسلت بطاقات السفر من الخارج ولحظة فجر السفر مبكرا بكت حاجة مر البكاء وهي تحضن حفيداتها وترد في صوت باكي امنتكن الله ودعتكن الله بينما الاخ تحصن بسيارة الاجرة وسط مطر عيونه لا يقوي علي وداع جدته التي كانت تحبه جدا جدا بينما كانت تردد الصغيرة مشتهي يا سارة ياحليك وتبكي في حرقك وتردد سارة يا حليلك ثم اخر تلويحات الوداع حبوبة سارة جلست علي الارض تبكي بصوت مبحوح
وهكذا الكثير من الاسر غادرت مدني الي الخارج وتركوا الذكريات بطعم الحلو مر.