مقالات
إسماعيل جبريل تيسو يكتب: البرهان في وادي سيدنا.. رسائل تجاوزت مرحلة فكّ اللجام
من جديد خرج القائد العام للجيش السوداني، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن من مقر إقامته في مدينة بورتسودان، إلى منطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان، وخروج البرهان هذه المرة كان من العلن إلى العلن، وكان فتحاً مبيناً غفر به ما تقدم من بطء وتعثر وزلل.
لقد رمى الفريق البرهان بخروجه الكبير، صخرةً كبيرة، حرّك بها الساكن في بحيرة المشهد السياسي السوداني، قبل أن يدفع بمسار العمليات الميدانية خطوات سريعات سيكون لها ما بعدها على صعيد إنهاء تمرد ميليشيا الدعم السريع، وقطع الطريق على قوى سياسية ما انفكت تتسكع في عواصم دول المحيط الإقليمي عربياً وأفريقياً في محاولة مستميتة للعودة إلى واجهة الحكم من جديد.
لقد فاجأ الفريق البرهان جنوده في منطقة وادي سيدنا العسكرية، بزيارة خاطفة خطف بها أبصار وأسماع وقلوب وأفئدة السودانيين الذين ضُربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب كبير، جراء تساقط الحاميات والمناطق العسكرية في دارفور على يد ميليشيا الدعم السريع، التي بالغت في استفزاز الشعب السوداني بالاستمرار في إزهاق أرواح المواطنين بالقتل وإعمال الاغتصاب والسلب والنهب والتهجير القسري واحتلال البيوت والمنازل، لتحيل زيارة البرهان المفاجئة كل هذه الأحزان والمآسي إلى أفراح وآمال وعشم بإمكانية تحقيق التطلعات وإنجاز المطلوبات.
لقد لبّى البرهان أشواق قواته وجنوده، وانحاز إلى رغبة الشعب السوداني، بضرورة ( فكِّ اللجام) وهزيمة ميليشيا الجنجويد ومحوها من الوجود، فوجَّه البرهان جنوده بالاستمرار في المعركة حتى دحر التمرد، وشدد على أن الحل العسكري سيكون ضرورياً، طالما أن هذه الميليشيا ترفض السلام وتستمر في إشعال الحرائق ومحاولة الاستيلاء على المدن وإسقاط المناطق العسكرية في دارفور، وهي مواقف قلل من أهميتها القائد العام للجيش السوداني الذي بدا مصرّاً على نظافة كل السودان من دنس ميليشيا الدعم السريع المتمردة.
رسالة البرهان في وادي سيدنا تجاوزت حدود قواته من الضباط وضباط الصف والجنود، إلى قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي التي مازالت تمارس ضلالها القديم بمحاولة العودة إلى سُدة الحكم، محمولةً على أكتاف حرب الخرطوم التي اشعلتْها وهربتْ تبحث عن سبل اطفائها باستجداء الأجنبي والاستقواء به، حتى لو أدى ذلك إلى إنزال جنود المارينز في الأراضي السودانية.
لقد كان لافتاً في خطاب القائد العام للجيش السوداني، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن والذي ألقاه في حدود دقيقة ونصف الدقيقة تقريباً أمام جنوده في منطقة في وادي سيدنا، كان لافتاً اتهامه صراحة ولأول مرة، قوى سياسية بممارسة الإرتزاق والعمالة والارتهان إلى حضن وإرادة الخارج لتنفيذ أجندة دول لها مصلحة في تفكيك السودان وتشريد شعبه، وهي رسالة موجهة لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، ولمن يساندهم من دول الجوار الأفريقي والمحيط العربي.
قطعاً لم تكن رحلة البرهان من بورتسودان إلى وادي سيدنا للتنزه أو حتى تفقد الجنود، فقد تفقد هؤلاء الجنود نائبه شمس الدين كباشي قبل نحو أسبوعين، ولكن الزيارة كانت بمثابة تطور إيجابي يُحسب لصالح المجاهدات والمساعي المبذولة لحسم معركة الكرامة لصالح القوات المسلحة والشعب السوداني الذي مازال معتصماً بحبل الصبر، وممسكاً بيد اليقين، وملتفّاً حول بسالة قواته، ومؤمناً بقدرتها على دحر ميليشيا الدعم السريع وإن تطاول أمد الحرب، (إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).
لقد كان الجيش في حاجة ماسة إلى هذه الزيارة لتلقِّي الأوامر بالتحرك الفوري لدحر المتمردين، وكان الجيش في حاجة كبيرة إلى هذه الزيارة لرفع الروح المعنوية، وسيكون البرهان نفسه في حاجة أكبر إلى تنظيف البلاد من كل العملاء والمرتزقة والطابور الخامس والمتعاطفين مع ميليشيا الجنجويد، سواءاً كانوا في المؤسسة العسكرية، أو في أجهزة الدولة السيادية والتنفيذية، أو وسط المواطنين في الأحياء.
ولكن قبل اتخاذ كل هذه الخطوات، فإن القائد العام للجيش السوداني سيكون في حاجة إلى تقويم خططه العسكرية واستراتيجيته القتالية، والانتقال من مرحلة الحفر بالإبرة، إلى استخدام اللودرات واستعمال القوة المميتة بتنفيذ برنامج فكِّ اللجام وسياسة تكسير العظام، كسباً للوقت، فلا بد من سباق الزمن لدحر المتمردين مهما غلا الثمن، ولا بد من قطع الإمداد العسكري واللوجستي الذي يصل إلى هؤلاء المتمردين عبر بوابة البلاد الغربية، ولابد من تمليك الشعب السوداني المعلومات أولاً بأول عبر منصة يومية وراتبة للناطق الرسمي درءاً للشائعات والوقوع في براثن الأكاذيب، عندها سندرك جميعاً أن خروج البرهان إلى وادي سيدنا كان مؤشراً حقيقياً لاكتمال ساعة النصر المؤزر، وما ذلك على الله بعزيز.