صوت القلم
د.معاوية عبيد:
مضى أكثر من ستة أشهر على بداية الحرب في الخرطوم ، وبعض الولايات في السودان ، مما أدي الي فرار سكانها الي الولايات الآمنة وهم يتشبَّثون بِخَيطٍ رفيعٍ في ظِلّ التحديات الجمّة التي يواجهونها، فتَأرجَحت سُبُل عَيشِهم بين المَعلومِ والمجهول، وانتَفَت آمالُهم وأحلامهم إلي حين وقف هذه الحرب و العودة الي الديار ،التي تعرضت للنهب و السلب الذي قضي علي الأخضر و اليابس ، و ما وجده هؤلاء الفارين من صعوبة العيش ، من غلاء معيشة و ايجارات ، في مقابلتي لبعض من أرباب الأسر الفارين من جحيم الحرب أستمعتُ إلى قصصهم التي يَغلُبُها الألم والمعاناة ، و الحزن العميق علي فراق الديار و ضياع مستقبل الصغار ، و علي المرتب الذي اصبح من رابع المستحيلات الحصول عليه وعلي أحلامهم وشقي عمرهم الذي شيدوه ( قشة قشة ).
الشباب والشابات يتشاطرون أحلاماً مبعثرة كيف يكون مستقبلهم في مدارس وجامعات لم يألفوا بيئتها ، ضاعت عليهم سنين والان يكافحونَ للحصول على فرصة عمل في القطاع غير النظامي بُغية إعالة أُسَرهم، فيما يسعى آخرون إلى مغادرة البلاد والبدء بحياة جديدة في مكانٍ آخر تاركين خلفهم بلاد تَستَنزِف يوماً بعد يوم موردها الأغلى والأثمن وهو رأسمالها البشري.
كل هذه المعاناة التي افرزتها الحرب كانت قاسماً مشتركاً للتدهور الاقتصادي والاجتماعي القائم في البلاد حيث ادي انهيار المصانع و تدميرها وسرقت الأسواق و دمار البني التحتية ، ادى كل ذلك إلى ارتفاعٍ حادّ في أسعار المواد الاستهلاكية ، أيضا عندما لجأ هؤلاء الفارين الي ذويهم في الولايات و قاسموهم اللقمة ، التي جاءت من محصولاتهم التي يدخرونها وهي مؤنة تكفيهم العام إلا انها نفدت و اكلوا ( ما ذروه في سنبله ) ، أيضاً انقطاع الطرق الرئيسية خاصة مناطق الانتاج عن مناطق الاستهلاك ، وكساد سوق المحاصيل الزراعية و هذا ما يؤدى الي فشل الموسم الزراعي القادم و تهديد الأمن الغذائي. وزيادة معدلات البطالة التي ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً وذلك ادي الي تدنّى الحد الأدنى للأجور وهذا يصاحبه انخفاضٍ في الدّخل أو انعدامه لأن غالبية هذه الاسر لم تصلها مرتباتهم منذ انطلاقة الحرب وهذا يساهم في إنخفاض القدرة الشرائية كل هذه العوامل تشكل إحدى أوجه الفقر ، كل هذه العوامل تؤثر بشكلٍ وخيم على الناس ، وتهدد حياة الآلاف من الاسر وتدفع بها إلى حافة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وربما الجوع ، خاصة و أن بعض الأسر قللت عدد وجباتها الغذائية في اليوم، وبالطبع فإنّ الأطفال هم الأشد تضرراً من كل ذلك .
لجأت العديد من الأسر الي طرق العديد من أبواب الرزق خاصة المهن الهامشية( هنالك من يحملون درجات علمية و مؤهلات تجدهم يفترشون البضاعة علي قارعة الطرقات ) ، طرق آخرون أبواب ديوان الزكاة الذي لم يبخل عليهم ، و تفقد أحوالهم، ووصل عندهم في مناطق الإيواء ، تشكلت لجنة عليا بالولاية تحت إمرة وزارة الشؤون الاجتماعية وديوان الزكاة ، تنضوي تحتها لجان المحليات ، ديوان الزكاة ولاية نهر النيل واحدة من المؤسسات التي وقع علي عاتقها إغاثة الملهوفة و مساعدة الأسر الضعيفة ، كيف لا وهم يتأسون بقوله تعالي ( الذي اطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ) ، فقدم ديوان الزكاة الغذاء و المأوي والدواء ، حيث بلغ الدعم المقدم للغذاء أكثر من ( ٤١٠ ) مليون جنيه للاسر التي لجأت جراء الحرب الي محليات الولاية المختلفة .
ديوان الزكاة الدامر كان حاضراُ ومرتباً في تقديم الغذاء لهذه الاسر التي وفدت الي حاضرة الولاية، وصل ديوان الزكاة محلية الدامر الي مراكز الإيواء حاملاُ الغذاء عبر وثبات ثلاث بالتعاون مع الشركاء بالإضافة لدعم الأسر التي جاءت الي مكاتب الزكاة والتي بلغ عددها أكثر من ( ٢٠٠٠) أسرة تلقت الدعم العيني ، الذي بلغ اكثر من ( ٣٠٠ ) جوال ( ذرة ، قمح ) بالاضافة للدعم النقدى و الذي بلغ ( ) جنيهاً،خلال الستة أشهر من انطلاقة الحرب
تفقد ديوان الزكاة أحدى مراكز الإيواء ووجد أن المشكلة الرئيسة في المعسكر انعدام مياه الشرب فقام بتوفير عدد ( ٤ ) صهريج مياه ، بالإضافة إلي توفير اكثر من ( ١٥٠٠ ) مشمع لإيواء الاسر التي فقدت المأوي .
رغماً عن الدعم الكبير الذي قدمه ديوان الزكاة ولاية نهر التيل بصفة عامة و مكتب الزكاة محلية الدامر بصفة خاصة ، و مازال يقدمه وذلك بالتنسيق مع الشركاء إلي أن تنجلي هذه الكربة، إلا ان الفجوة كبيرة و الحاجة تزداد يوماً بعد يوم خاصة بعد أن قل أو انعدم مصدر الدخل لكثير من الأسر ، وهنا لابد أن ندقّ ناقوس الخطر بشأن انعدام الأمن الغذائي لهذه الأسر خاصة بعد أن قل مورد الزكاة نسبة لخروج اعداد كبيرة من أصحاب الاموال من السوق ، نسبة لما تعرضوا له من كوارث وكساد السوق و توقف عدد من نقاط الجباية خاصة التي تقع تحت ظل نيران الحرب ، لذلك يجب علي القائمين علي امر العمل الاجتماعي في مساعدة هذه الاسر الفقير ، ووضع سياسة حماية اجتماعية متكاملة وشاملة تساعد على ضمان وصول الناس إلى الخدمات الأساسية واعتماد أجندة التعافي والإصلاح بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان، تلك هي الاستراتيجية الوحيدة الممكنة للخروج من الوضع الراهن لأنها ستساعد على الربط بين التدخلات الطارئة القصيرة الأمَد، والنّهج القائم على الحقوق على المدى الطويل والذي يضمن مستقبل كريم لجميع الناس ، نسأل الله أن يتقبل من دافعي الزكاة و العاملين عليها و أن ينعم علي بلادنا بالأمن و السلام .