مقالاتمنوعات وفنون

الإلتزام المدرسي والهيبة الخفية

خالد عبدالسلام نافع:

تلك الهيبة الخفية التي تخفق لها قلوبنا حين ترمي الفرصة المحضة شباكها فتقابلنا بأستاذ الحساب بالمرحلة الإبتدائية وجها لوجه! عنها أتحدث.
هيبة الأستاذ التي لا تنمحي هي أحد مظاهر ما أسميه الالتزام المدرسي. إنه ذلك القلق من حصة التسميع هو ما يفسر احتفاظ ذاكرتك بقصيدة ما. على جمال تلكم القصيدة. أنظر: إنك تحفظ النص الكامل رغم انك تنسي اسم الشاعر… فقط اسمه… ذلك لأن الشاعر لا أحد يسأل عنه يوم التسميع!
إن الكريم لكالربيع تحبه للحسن فيه
وتَهَشُّ عند لقائه ويغيب عنك فتشتهيه
لا يرتضي أبدا لصاحبه الذي لا يرتضيه
وإذا الليالي ساعفته لا يَدِلُّ ولايتيه
وتراه يبسم هازئا في غمرةِ الخطبِ الكريه
كالورد يَنفحُ بالشّذى حتي أنوف السارقيه
من الشاعر؟
وهكذا فلو أجريت حصة تسميع سريعة ستجد أنك ما زلت تحفظ بعض النصوص. على جمالها.
هذا الإلتزام ليس التزاما تخويفيا فقط، بالمناسبة، بل له ، لحسن الحظ وجه آخر مريح هو الشغف. زرعت الحياة المدرسية كثير من العادات الحميدة والهوايات، فأصحاب المواهب فينا اليوم والنوابغ هم ثمرة ذلك الشغف القديم بحصة الفنون أو التربية البدنية أو الإنشاء، أو أي من تلكم الحصص الخفيفة اللطيفة. فالروائي الكبير هو ذلك الولد ‘الشاطر‘ في حصة الإنشاء والنجم الرياضي هو ذلك الولد الذي خصص له الأستاذ خانة الجناح ‘اللفت‘ لسرعته وحيويته وهكذا.
تعلق قلبي مع جاري الأثير في الفصل بحصة الإنشاء، وكنا نتبارى فيها ونفرض فروضا خاصة بنا في كراسات ‘غير شرعية‘ نحرص على ألا يراها أحد. وعندما اكتمل نضج ‘حساسات‘ التلقي والتذوق فينا إبان المرحلة المتوسطة، نما فينا شغف جديد لحصص جديدة: الإنشاء الإنجليزي ‘الكمبوزشن‘ والأدب الإنجليزي ‘اللتريتشة‘. وما زال هذا الشغف رفيقنا حتي ونحن نخطو نحو الكهولة دون أن ندري.
هل الالتزام المدرسي شعور عام سائد؟ كلا!! في الواقع هذا الالتزام هو نزعة تتفاوت بين العدم والتمسك. وهي نزعة شديدة التفاوت حتي بين زملاء الفصل الواحد. وبصورة عامة نستطيع ان نضع أصحاب الالتزام المدرسي في فئات ثلاث:
1 “الطاشرات” ومن ورائهم – أصحاب المستوي التحصيلي المتوسط وهؤلاء يمثلون الكتلة الحرجة. الطاشرات يتمتعون بذاكرة بعيدة جيدة ويحتفظون بذكريات مدرسية عديدة وهم ناجحون بشكل لافت في بناء الصلات الاجتماعية المستمرة.
2 الفئة الثانية هم من نعايرهم بأنهم “بليدين” وينعتون رسميا بالفاقد التربوي. هذه التصنيفات القاسية مردها – ضمن عوامل أخرى بلا شك – انعدام الالتزام المدرسي لدي هؤلاء بالمناسبة.. فهم لا يأبهون لفروضهم ولا تردعهم سياط المدرس، والمدرسة برمتها عبء ثقيل في حياتهم. و في العادة هم الناجحون حرفيا، و ليسوا بلداء كما نتصور، بل هم الدينمو المحرك للحياة والإنتاج بلا كثير مبالغة.
3 الفئة الثالثة هم “الشطار” – أصحاب المراكز الخمسة الأولى، وهؤلاء أيضا للمفارقة يندر او ينعدم عندهم الالتزام المدرسي. مرد ذلك أنهم يتمتعون بالعقل التحليلي – لا التخزيني. فهم يفهمون ويستوعبون، وهم من يطرح الأسئلة. ولا تنالهم سياط المدرس بسوء.
.
الجميل في الأمر أن التكنلوجيا الجديدة في القرن الجديد قد أضفت بعدا إبداعيا سهلا وخلاقا لتلك الفترة الورقية القديمة، ووسعت من حدود الخيال لمدي ابعد من هوامش الكراس بكثير. مثلا: اكتشفت انه من السهولة بمكان أن أنشئ كتابا محكيا، لا يحتاج الأمر أكثر من قارئ آلي ومسجل شاشة، خيال شغوف فموضوع إنشاء كارب.
أكثر من ذلك تستطيع أن تكون كسولا فتستعين بالمترجم الآلي لإعادة إنتاج نصوصك القديمة بالإنجليزية، أو ان تكون أمينا فتعيد كتابة النص كموضوع ‘كمبوزشن‘. وهذه هي هوايتي الجديدة.
شكرا للمدرسة.
واحد ملتزم.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق