إسماعيل جبريل تيسو:
وما انفك رئيس الوزراء المستقيل دكتور عبد الله حمدوك، ورهطه من قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” التي لبست حُلتها الجديدة ( تنسيقية القوى الديمقراطية) المعروفة اختصاراً ب” تقدم” ما انفكوا يهيمون في كل وادٍ، ويلتقون رؤساء الدول، والحكومات والوزراء، وقادة المنظمات الإقليمية، في مسعىً يزعمون أنه يصب في صالح المحاولات الدؤوبة والجادة لإيجاد مخرجٍ وحلول جذرية للأزمة السودانية، فشكراً حمدوك على هذه الجهود ” والتسوّي بإيدك يغلب أجاويدك”.
إن التحركات المكوكية التي يقوم بها دكتور عبد الله حمدوك حالياً تساوي أضعاف تحركاته عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، ولو كان حمدوك يتحرك آنذاك بذات الهمة والنشاط، لاحتوى الكثير من المشاكل والمتاعب والأوجاع التي يعاني منها جسد الوطن في الراهن الماثل، ولكن حمدوك للأسف الشديد انشغل وقتذاك برهن إرادة البلاد للمجتمع الدولي، سواءً بمطالبة مجلس الأمن الدولي بإرسال بعثة سياسية خاصة من الأمم المتحدة لدعم السلام في السودان، أو اهتمامه بتنفيذ سياسات المؤسسات الاقتصادية العالمية، طمعاً في رفع ستار العُزلة الدولية المضروبة على السودان.
لقد نجح رئيس الوزراء المستقيل دكتور عبد الله حمدوك في رفع الحظر الدولي المفروض على السودان، وحذف اسمه من قائمة الولايات المتحدة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وأفلح في دفع حمدوك مبلغ 335 مليون دولاراً كتعويض لعائلات أمريكية من ضحايا الهجمات الإرهابية على سفارتي واشنطن في كينيا وتنزانيا عام ١٩٩٨م، واستقطب حمدوك دعماً مالياً للبلاد عبر مؤتمر باريس، وعبر مؤتمر المانحين بالرياض، بالإضافة إلى حملة القومة للسودان، ولا ندري أين ذهبت هذه الأموال؟.
وفي مقابل الانفتاح الدولي، وكسر قيد العزلة الذي كان يشلُّ يد السودان لأكثر من عقدين من الزمان، عجز رئيس الوزراء المستقيل دكتور عبدالله حمدوك، الموصوف بالخبير الاقتصادي في منظومة المجتمع الدولي، في التوصل لوصفة تنهي معاناة الناس وضيق معاشهم، حيث ارتفعت في عهده الأسعار، وانفلت الدولار، وتراجع الاقتصاد إلى مستوى لم تشهده البلاد، رغم استبشار المواطن بإعلان حمدوك لحظة تسلمه منصبه، أن السودان في حاجة إلى 8 مليارات دولار ليتعافى اقتصاده خلال عامين، ويتمكن من تجاوز أزمته الحالية، إضافة إلى ملياري دولار عاجلة تُضخ في البنك المركزي لوقف تدهور قيمة الجنيه السوداني وتراجعها أمام العملات الأجنبية.
تجاهل حمدوك لقضية معاش المواطن، كان واضحاً في عدم تعاطيه الإيجابي مع ولايات السودان، حيث أهمل مع سبق الإصرار والترصد تفقد المواطنين ميدانياً، والوقوف على أحوالهم المعيشية والأمنية في ولاياتهم، حيث لم يقم حمدوك طوال السنوات الأربع التي قضاها في كرسي الحكم، سوى بزيارة ولايات تُعدُّ على أصابع اليد الواحدة، في وقت ٍكان يفترض فيه أن يولي حمدوك اهتمامه بمتابعة أداء الولاة من خلال الطواف الميداني، ولاسيما وأن رئيس الوزراء ووفقاً لمنطوق الوثيقة الدستورية، هو المسؤول عن تعيين الولاة بعد اعتمادهم من قِبل رئيس مجلس السيادة الانتقالي.
لقد أضاع دكتور عبد الله حمدوك فرصة تأريخية بعدم استثماره للسند والدعم والتأييد الشعبي والجماهيري الذي حظي به من قِبل ثورة ديسمبر، وهو شبه إجماع لم يحظَ به مسؤول سوداني أو زعيم حزبي في تأريخ السودان الحديث، ولكن حرص الرجل على خطب ودِّ المجتمع الدولي، وانشغاله بمشاكسات تحالف قوى الحرية والتغيير، وضعف شخصيته التي تميل إلى التوافق دون اتخاذ القرار الحازم في الوقت الحاسم، واهتزازه و( ترنحه) أمام المكوّن العسكري، ولعل هذا غيض من فيض عوامل كثيرة أقعدت حمدوك عن تحقيق آمال وتطلعات ثورة ديسمبر وانتهت بالفترة الانتقالية إلى واقع الحرب الذي يعيشه السودان حالياً، وليت حمدوك يغامر بزيارة السودان ليرى بأم عينيه مدى رفض الناس له، وانفضاضهم من حوله، جراء ما اقترفت يداه.
عجباً من هذا الحمدوك! (يأباها مملحة ويكوس عليها الآن ليأكلها نافشة!)، وعجباً من موقف وزارة الخارجية التي ينبغي عليها أن تتحرك وبشكل فوري وعاجل لإيقاف هذا العبث الحمدوكي، فكيف لرجل لا يتمتع بصفة دستورية، ولا يملك حتى جواز سفر سوداني، أن يتحرك مثل هذه التحركات على المستوى الإقليمي والدولي، ووزارة الخارجية لا تحرك ساكناً؟ إن هذا الصمت المريب لوزارة الخارجية لا يخرج من افتراضين لا ثالث لهما، إما أن ما يقوم به حمدوك ورهطه يعجبها، أو أن هذا الحراك خارج عن دائرة اختصاصها، وفي الحالتين يبقى وجه السودان الخارجي مشوهاً، ويحتاج إلى جراحة عاجلة.