إسماعيل جبريل تيسو:
لأول مرة في تأريخها المرصَّع بالفضائل والمبادئ والقيم، يحلُّ شهر رمضان المعظم، ويجد ولاية الجزيرة، خاويةَ المواعين من جـودٍ وكرم!، ذلك أن الولاية الخضراء، قد اعتادت خلال هذا الشهر الكريم، عبر قُراها ومُدنها الراقـدة على امتداد طريق الأسفلت الرابط بين الخرطوم ومدني، أن تقطع الطريق على المسافرين مع اقتراب موعـد أذان المغرب، وتجبرهم على النزول لتناول إفطار رمضان، والتزوُّد بطاقة إنسانية تتولد من تفاعل كيمياء الحفاوة وحرارة الاستقبال، ودفق العواطف، والصدق والبساطة، في بسط بروش الكرم والجود، حباً في الله، واتّباعاً لرسوله الكريم الذي كان أجود ما يكون في رمضان من الريح المُرسَلة.
لقد غابت الموائد الرمضانية على امتداد طريق الخرطوم ـ مدني، وغابت معها شمس القيم والمبادئ الإنسانية، وسماحة الأخلاق السودانية، وغاب عن ولاية الجزيرة حضورها المميز في الشهر الكريم، فقد افتقدت ولايتنا الخضراء مذاق رمضان، ولونه وطعمه ورائحته المختلفة، وحلّت رائحة الموت والدمار، والنهب والسلب، والاغتصاب، والتشريد القسري، على يدي مليشيا الدعم السريع الإرهابية المتمردة، ليصبح إنسان الجزيرة، هائماً على وجهه، يفتقد المأوى، والمال والبنون، والأسرة، والأهل، وهو الذي تعـوَّد أن يبسط كفيه بماعون الجود والكرم، ويؤثـر على نفسه ولو كان به خصاصة،!!.
قطعاً لن نعيد تكرار مسلسل رصد الانتهاكات والفظائع والجرائم التي ارتكبتها، ومازالت ترتكبها ميليشيا الدعم السريع الإرهابية في حق مواطني ولاية الجزيرة الأبرياء العزل، منذ اجتياحها مدينة ود مدني في شهر ديسمبر من العام الماضي ٢٠٢٣م، فقد سال المداد بحراً من كلمات، حزناً وشجباً وإدانات، ولكن ما نود أن نقول به، إنه مثلما كان شهر رمضان مظهراً من مظاهر التكافل والتراحم وبذل القيم النبيلة التي تفـرَّد وتميـَّز بها إنسان ولاية الجزيرة، فليكن رمضان نفسه، الذي عُرف بشهر غزوات وانتصارات المسلمين في صدر الإسلام، فليكن هذا الشهر الفضيل بدايةً لإعلان العـودة، واستعادة ما اغتصبه هؤلاء الجنجويد الأجناس المناكيد، وعلى قدر أهل العزم، تأتي العزائم.