إسماعيل جبريل تيسو:
وتستمر حلقات مسلسل المكر وتدبير المحاولات الفاشلة لتقليم أظافر القوات المسلحة السودانية، وشقِّ عصاها، وإلهائها عن مهمتها القاصدة، بتشتيت انتباهها بعيداً عن ” تختة” هدفها الاستراتيجي الرامي إلى القضاء على ميليشيا الدعم السريع، حاولوا هذه المرة استهداف هيئة القيادة العليا للجيش، بإثارة غبار كثيف حول تماسكها، وتقديم إيحاءات وإشارات سلبية على أن قيادة القوات المسلحة السودانية، ليست على قلب رجل واحد بشأن الرؤية الكلية حول المقاومة الشعبية، واستندوا في ذلك على ( حيطة مائلة ) لمقارنة خبيثة بين ما جاء في تصريحات نائب القائد العام لقوات المسلحة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي في القضارف، وبين تصريحات (زميله) مساعد القائد العام الفريق أول ركن ياسر العطا، في الخرطوم.
لقد كان كباشي منطقياً وحكيماً وواقعياً وهو يقدم قراءة استباقية لمرحلة ما بعد الحرب، والخطر الذي يمكن أن يهدد البلاد في ظل وجود السلاح في أيدي المواطنين، وهي تجربة مازال السودان يدفع ثمنها منذ ثمانينات القرن الماضي، عندما ابتدعت قيادات في حزب الأمة ” التنظيم الحاكم وقتئذٍ” فكرة خاطئة وخبيثة بتسليح قبائل بعينها فيما يعرف بالمراحيل في كردفان، ثم جاءت حقبة الإنقاذ فزادت الطين بلة باستحداث ميليشيا الجنجويد التي أصبحت وبالاً على الأمن الاستقرار في دارفور، وها هي الآن تنشر الفوضى وتقوّض الأمن في معظم ولايات السودان، وحتى لا تتكرر ذات المشاهد المأساوية، فقد حذر كباشي من خطرها، وشدد على أهمية وضع قانون ينظم عمل المقاومة الشعبية.
وفي المقابل فإن ياسر العطا الذي بَدَا محتفياً بالمقاومة الشعبية وجهودها المتعاظمة التي بذلتها في ميادين القتال ومسارح العمليات، دعا إلى التمسك بالمقاومة الشعبية، وتطويرها ليشارك بعضها في القتال مع الجيش، فيما تضطلع الأخرى بمهمة حماية الأحياء السكنية بالتنسيق مع قوات الشرطة، وطالب العطا بتصحيح ما وصفها بالأخطاء أثناء سير العمل، وهي إشارة ذكية منه إلى الملاحظة التي كان قد أبداها كباشي بشأن تقنين المقاومة الشعبية عبر قانون ينظم عملها، فالعطا يدرك عقلانية الطرح الذي قدمه كباشي، خاصة وأن العطا نفسه خدم سنين عددا في مناطق كردفان ويدرك الخطورة التي أحدثها وجود السلاح بين يدي المواطنين، والصعوبات التي واجهت حملة جمع السلاح التي طُرحت في نهايات عهد الإنقاذ البائد.
لقد صُنعتْ المقاومة الشعبية على عيني القوات المسلحة، وهي ضرورةٌ أملتها الموازنات والتقلبات التي فرضتها معادلة الحرب على الواقع الميداني، عندما حولت ميليشيا الدعم السريع حربها مع الجيش، إلى استهداف مباشر للمواطنين، باستباحة البيوت والمنازل واغتصاب الحرائر، وقتل من يقاومهم، وترويع الأسر والعائلات، والاستيلاء على الممتلكات، وهو أمرٌ دفع رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ليعلن في شهر يونيو من العام الماضي ٢٠٢٣م، التعبئة العامة في جميع مناطق السودان، تعبئة بلغت ذروتها عند استباحة ميليشيا الدعم السريع ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي، وعاثت فيها فساداً كبيراً، الأمر الذي دفع المواطنين من الشباب والقادرين في بقية ولايات السوان إلى التوجه إلى معسكرات الجيش للتدريب على السلاح، والإعداد بما يستطيعون من قوة، لمواجهة ميليشيا الدعم السريع، والتصدي لانتهاكاتها وجرائمها التي ترتكبها في حق المواطنين الأبرياء والعزل.
ليس من أحدٍ يزايد على المقاومة الشعبية وحقها المشروع في الدفاع عن الأنفس والممتلكات، وليس من أحدٍ ينكر أن المقاومة الشعبية، أصبحت رصيداً إيجابياً رفع من صكوك القتال لصالح القوات المسلحة التي احتفت احتفاءً كبيراً بانضمام المستنفرين والمجاهدين، واصطفافهم خلف المنظومة القتالية في معركة الكرامة الوطنية، فلنرسل التحايا مثنى وثلاث ورباع للمقاومة الشعبية التي لم تخيّب الظنَّ بها، فنجحت في ترجيح كفة المعادلة الميدانية، وألقت الرعب في قلوب الميليشيا الإرهابية، قبل أن تحبط مكر ومخطط القحاتة الجناح السياسي الداعم لميليشيا آل دقلو المتمردة، هؤلاء العملاء والمأجورون الذين بُهتوا من تدافع الشعب السوداني وتفاعله الكبير مع دعوة البرهان لحملة التجييش والتحشيد، من أجل القضاء على الجنجويد، ويمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين.