مقالاتمنوعات وفنون
تعود الإذاعة وكل يغني علي هواه
صوت القلم د. معاوية عبيد:
ظلت الإذاعة عبر أجيال عديدة وسيلة الاتصال الأبعد مدى واليسيرة المنال التي تتيح لجميع شرائح المجتمع التعلم والتسلية ، و زيادة فرص انتفاع الناس بالمعلومات الجديرة بالثقة، والوصول إليهم في أقصى المناطق النائية في مختلف البلدان وبمختلف اللغات، بصرف النظر عن مستويات إلمامهم بالقراءة والكتابة، ومع أن الإذاعة استُخدمت في بعض المناطق لتأجيج الكراهية والانقسام والنزاعات، فإن العديد من البلدان سنّت تشريعات تقدمية ووضعت آليات تنظيمية مكّنت من استخدام الإذاعة لبث الأخبار والبرامج المتزنة، وممارسة الصحافة المستقلة بوجه عام، وواجهت المؤسسة الإذاعية بمستوياتها الثلاثة العامة والتجارية والمجتمعية، على غرار سائر المؤسسات، صعوبات تتعلق بالاستدامة على مر الزمن اضطرتها إلى بذل جهود دؤوبة لابتكار نماذج مختلفة ومرنة لتمويل الإذاعة وإعداد البرامج الإذاعية من أجل ضمان بقائها وإنقاذ العديد من المحطات الإذاعية من خطر الإغلاق ،لذلك اعتمدت الدول الأعضاء في اليونسكو مقترحاً في عام 2011 ، قدمته اسبانيا بأن يكون يوم ١٣ فبراير من كل عام هو اليوم العالمي للاذاعة ، باعتباره تاريخ إنشاء إذاعة الأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة في عام 1946،وقد وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة لاحقاً في 14 كانون الثاني/يناير 2013 ، وتتمثل الأهداف الرئيسية لليوم العالمي للإذاعة في زيادة الوعي العام لدى وسائل الإعلام بشأن أهمية الإذاعة، وتشجيع متخذي القرارات على فتح المجال للحصول على المعلومات وتقديمها من خلال الإذاعة، وتعزيز إقامة الشبكات والتعاون الدولي بين المسؤولين عن البث الإذاعي ،وبما أن السودان عضواُ فاعلاً ومؤثراً في اتحاد إذاعات الدول العربية ، يمر عليه اليوم العالمي للإذاعة، و الاذاعة السودانية تحتل مبانيها قوة متمردة علي الجيش ، و يحكي تاريخ السودان عن عدد من المعارك التي دارت داخل وحول مباني الإذاعة والتلفزيون، أثناء الانقلابات العسكرية العديدة على السلطة ، إذ أن كل الانقلابات العسكرية التي مرت علي السودان كانت أول ما تفكر في احتلاله مبني الإذاعة السودانية والتلفزيون، إذ كان على الدوام هذه المكان هدفا استراتيجيا وعشقاً أولي في داخل كل قائد انقلاب لبث بيانه الأول .
بينما في الجانب الآخر ، تتهافت قلوب السودانيين لعودة الإذاعة السودانية الي طبيعتها وفكها من حصار هؤلاء المرتزقة الذين كانت حربهم ضد ثقافة وارث وحضارة السودان وتدمير بنيته التحتية و كل موروث سوداني . وكل يغني ( عود لينا يا ليل الفرح …. داوي القليب اللي انجرح ) . لكن ما حدث في هذه الحرب خالف كل الأعراف و المواثيق، هذه الحرب تختلف عن كل ما مر به السودان و الشعب السودان من حروبات ، هذه الحرب قضت علي الأخضر و اليابس، هذه الحرب التي حاصر فيها جنود المرتزقة الموظفين المسالمين في الإذاعة أكثر من تسعة شهور، حاصروها لأنهم اصلاً كانوا يشكلون ضمن حراس هذا المرفق المهم ، غدروا بمن كان داخله واضافوا عليهم اسري آخرين لعلمهم بتحصينات هذه البناية و أهميتها وما بها من كنوز ثمينة تخص حضارة الشعب السوداني ، لذلك الدولة حريصة علي عودة الاذاعة للحفاظ علي إرث وحضارة الشعب السوداني .
الشعب السوداني الذي فقد كل شي ولكنه يأمل أن تعود الإذاعة، لأن الإذاعة السودانية تمثل للشعب السوداني القلب النابض ، الاذاعة انفاس البوادي ، الاذاعة ربوع السودان ،هي كل موروث ثقافي ، هي التي أنشأت في العام 1940 أبان الحرب والاستعمار الإنكليزي للسودان، بينما أنشئ تلفزيون السودان في عام 1962 أبان حكم الرئيس السوداني الأسبق، إبراهيم عبود، فبدأت تعمل من اجل السودان وحده جملة وتفصيلاً وأخذت تؤدى رسالتها الهامة من اجل تثبيت أركان الاستقلال والصمود بقوة أمام العواصف التي كانت تثار حوله وكان موقف الإذاعة من ابرز العوامل التي ادت إلى صيانة حق السودان في حريته وعزته وكرامته، بدأت الاذاعة بثها بميدان البوستة بأم درمان ،ام درمان الطابية،حوش وبيت الخليفة،قبة الإمام المهدي ،ام درمان العرضة ود درو،حي العرب ،حي المظاهر، بيت أزهري،ود البنا ،الملازمين،الموردة ،الحيشان الثلاثة ( المسرح القومي، الإذاعة،التلفزيون )،سجن الساير ،شارع النيل،مسرح الفنون الشعبية، وإدارة المصنفات الادبية، أم در المسالمة ( الاقباط) ، الهنود، الاغاريق، الشوام، الاتراك ، أم در بت بتي ، قهوة جورج مشرقي ، سيد مكي ، الدايات ، دار الرياضة ، بوابة عبد القيوم ،الطابية ، ملتقي النيلين ، خور ابو عنجة ، زرايب العباسية ، الضو حجوج ، سوق الحدادين ، شارع العدني ، سوق الطيور، وكثير من المعالم التاريخية والأدبية التي شكلت النسيج الاجتماعي الثقافي في مدينة ام درمان،أمدرمان العاصمة السودانية الاولي ، ام در يا حنينة هكذا ظلت ام در عشق كل سوداني ، والاذاعة السودانية كانت تمثل كل هذه الرموز في وجدان الشعب السوداني ، ما ان تذكر ام درمان الا و تذكر الاذاعة السودانية ، تذكر مني الخير ،ام بلينا ، حواء الطقطاقة ، عائشة الفلاتية، أحمد المصطفي ، سرور ،كرومة، الكاشف ،وردي ،إبراهيم عوض ، عثمان حسين، عبد الله الطيب ، صديق أحمد حمدون ،فراج الطيب ، اولاد حاج الماحي ، ابو قبورة، عثمان علي الفكي ، اسماعيل خورشيد ، فايزة عمسيب، ذو الفقار حسن عدلان ، عبد الناصر الطائف، سيف الدين الدسوقي ، الشيخ محمد احمد حسن ،عبد المكلب الفحل وغيرهم كثر .
ما أن تذكر الاذاعة السودانية الاوتذكر تلك البرامج التي لامست وجدان جمهور المستمعين، وقد عرف عن الشعب السوداني حبه للإطلاع و الاستماع كانت الإذاعة تمثل له السطر الأول في الاطلاع لسهولة امتلاكها وحملها ، وقد كانت الاذاعة في بداية عملها في مكاتب البوستة بدأت بموظف واحد ، توزع مايكروفونات كبيرة ويلتف حوله عدد كبير من الناس لسماع الأخبار و الاغاني الوطنية و اغاني الحقيبة،تطور العمل في الاذاعة عاما بعد عام وهي تتوسع في بث برامجها الجماهيرية الشيقة الي أن انتقلت الي موقعها الحالي وزاد عدد العاملين فيها واتسع نطاق بثها عبر الأجهزة الحديثة الي كل ربوع السودان حيث عملت علي نقل المناسبات والبرامج الجماهيرية، التي ناقشت قضايا المجتمع ، البرامج التي دخلت المنزل، المزرعة ، القهاوي ،مع راعي الاغنام ، تلك البرامج التي جعلت المستمع يضبط وقته علي اوقات بثها ، فكان برامج ركن الأطفال، اغاني الحقيبة ، برنامج جراب الحاوي، برنامج الرياضة ، برنامج القرآن الكريم ، المجلة الثقافية. مجلة التراث، غداً تشرق الشمس،أم درمان عبر الأثير ، فرح الباباى ،مجلة السلام، منوعات الجمعة،ناس وأحـداث، كلـمة لها فـي الأصل حكاية ، صالون حواء ، صالون الغناء العربي ،التشكيل في الثقافة السودانية،في رحـاب اللغـة،من الأدب الروائي العالمي، الصفحـة الأولـى ،السودان هذا الصـباح، مدارات ،ليالي رمضان،قـلوب اهـتدت ،صباح الخير يا وطني، نحن والبيئية،فـترة المنوعات، أقبل الليل ،مجلة الأسرة، دعو الأشجار تـنمو،عيادة على الـهواء المجلة الإسلامية، دراسات في القران الكريم ،الصباح رباح ،كيف قيلتو ،دكان ود البصير،علي الخط،قوس قزح ، سمر البطانة،الإذاعة والمستمع ، ربوع السودان ،مدن ومعالم، ظلال وارفة،الغد الزاهر،نحو غد أفضل، ايقاع الحياة،مؤتمر إذاعي ، حقيقة الفن ، ،شريط الذكريات ،فترة المغتربين، أيضا كان للدراما الاذاعية دور كبير في تعلق المستمع السوداني بالإذاعة السودانية لأنها كانت تحكي واقعه المعاش بصورة مبسطة ، وهي من أكثر المواد الجاذبة للمستمع ، وهنالك ادارة كاملة تنتج دراما باللغة العربية تعتبر من أميز الدراما في العالم العربي ولديها انتاج وخبرات متراكمة عبر السنوات، عثمان علي الفكي ، تور الجر ، اسماعيل خورشيد ، السر قدور ، حاكم سلمان ،هاشم صديق ،قرني ، جمال حسن سعيد ،عبد العظيم عبد القادر ، زكية محمد عبد الله ، فايزة عمسيب وغيرهم من نجوم الدراما.
واحتضنت الاذاعة السودانية العديد من البرامج التي كانت تخدم قضايا معينة و موجهة وهي تاخذ حيز ساعة أو ساعتين في زمن بثها فكان ،البرنامج الانجليزى، البرنامج الفرنسي ،اذاعة المغتربين ،اذاعة جوبا ،اذاعة القرآن الكريم ،اذاعة الوحدة الوطنية ،اذاعة صوت الامة السودانية
، كل هذه البرامج وغيرها تحتفظ بها مكتبة الإذاعة السودانية، تلك المكتبة الصوتية النادرة التي تعد من اكبر المكتبات الصوتية ، حيث تضم بداخلها أرشيف من الغناء والموسيقى والدراما والبرامج المختلفة، كما تضم المكتبة الثقافية ومكتبة الشرطة ووحدة الأفلام، كما توجد مكتبات فرعية من بينها مكتبة الأخبار والمكتبة الورقية ، كل هذا الارث الثقافي الذي تنفرد به مكتبة اذاعة ام درمان يمكن أن تحفظ التاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي في السودان وامكانية نشر هذه المعرفة المتراكمة عبر برمجة مختلفة ، كل هذه البرامج وهذه الإبداعات التي جعلت الشعب السوداني يكن حباً عظيماً لا ينفصم،حباً خلده التاريخ، يقف خلف هذا الايقاع من البرامج عباقرة العمل الإذاعة أسماء لمعت في حياتنا ، ما انت تسمع صوت الا و تعرف صاحبه وتعرف برامجه ، فكان محمد خوجلي صالحين ، صديق احمد حمدون ،عبد الله الطيب، عبد الرحمن أحمد محمد صالح ، ذو النون بشري ، بنات المغربي ،محاسن سيف الدين ،عمر الجزلي ،كمال محمد الطيب ، عاصم علي، الطيب قسم السيد ، عوض بابكر ، علي شمو ،تكروني،الكتبي، ضو البيت ، الجزلي ،عبد الحي الربيع،عثمان مكي،علم الدين حامد ،حمزة مصطفي الشفيع ، الزبير عثمان أحمد، يسرية محمد الحسن،طارق البحر ، سوسن دفع الله،طارق كبلو، اسراء زين العابدين، اكرام الصادق ، حامد عبدالروؤف ،سكينة عربي ،عبدالرحمن الياس ،عطية الفكي ،احمد محمد عبدالله العمرابي ، خاطر ابوبكر اسماعيل خاطر ، الفكي عبد الرحمن،خفاجه،معتصم فضل ،صلاح الدين الفاضل ، صلاح الدين التوم، عبدالعظيم عوض،الشاذلي عبد القادر ،اسامه حسن شريف، و كثيرين من عمالقة الإبداع الاذاعي ،وغيرهم من المبدعين و الفنانين والادباء و الشعراء وأهل العلم و الثقافة ،الذين رسموا عشقاً ابدياً داخل وجدان كل سوداني للإذاعة من خلال ما قدمه عبر أثير ( هنا أم درمان ) .
الشعب السوداني بكل مكوناته يعشق أن تعود الإذاعة حتي تطرب مسامعه ( و الأْذن تعشق قبل العين آحياناُ ) ، رغم أن الاذاعة السودانية واصلت بثها من مكان آخر ، إلا أن آذان المستمعين تهوي أن تبث الاذاعة برامجها من علي مقرن النيلين ، من الطابية، من استديو خانجي ، من هناااااااا ام درمان بكل ما تحمل ( ام در ) من عبق تاريخي لكل سوداني .