كلمات في حق أستاذنا المرحوم البروفسير فيصل محمود خضر.. الإعلامي والأكاديمي المرموق
بقلم/هشام عباس زكريا:
هناك شخصيات تبقى في القلب، وإن طوى الزمان أعوام اللقاءات والأنس والسمر، تستقر في أقصى داخل غرف الحب المملوء بجميل المواقف وطيف الكلمات والحكم والسلوك النبيل، الصدفة قادتني إلى الاستشفاء من آلام الأسنان في مستشفى مرموق بالشارقة، وكانت الطبيبة شابة سودانية على قدر من الكفاءة والمهارة والثقة بالنفس والتعامل الراقي مع المرضى، قصدت المستشفى دونما ترتيب، وسالت عن أي طبيب سوداني وقادوني إلى غرفتها، وكأنهم يرتبون لي موعداً مع أستاذي الفاضل المرحوم الدكتور فيصل محمود خضر الإعلامي المعروف ووكيل وزارة الإعلام السودانية الأسبق وأستاذ الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية وجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا ،حيث كانت المفاجأة اللطيفة التي أنستني آلام الأسنان القاسية هي أن الطبيبة الي تعالجني ابنتنا الدكتورة سارة فيصل محمود كريمة أستاذنا الباقي في ذاكرتنا البروفسير فيصل محمود، ألجمتني المفاجأة (السارة) أن التقي (سارة) فلم أجد كلمة أقولها لها سوى أن والدك (رجل عظيم).
لم أشعر بوخز الإبر القاسية، فقد كان هناك (بنج) من نوع آخر، هو بنج القراءة العكسية والعيش في ذكرى هذا الإنسان النبيل ورجعت بي الذاكرة إلى العام 1990 عندما التحقنا طلابا في كلية الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية فجاء إلى القاعة رجل وسيم، سامق الطول، أبيض البشرة، كثير التأنق، رقيق الكمات، وافر العلم خلط المعرفة الأكاديمية لعلوم الإعلام بالخبرة الميدانية إعلامياً منذ نهاية الستينيات بوزارة الإعلام متنقلاً بين ردهاتها وأقاليم ومدن السودان، حتى ختم ذلك وكيلاً متميزاً لوزارة الإعلام في فترة سياسية حرجة اختبرت معادن الرجال، كان يحكي لنا في قاعات الدراسة عن عمله في عطبرة عندما خلف الدكتور إدريس البنا ضابطاً للثقافة والإعلام في الإقليم الشمالي وتكوينهم للفرق الثقافية، ثم عمله ضابطا للثقافة والإعلام للإقليم الجنوبي في مدينة جوبا التي ساهم في تأسيس إذاعتها، وغير ذلك من مدن البلاد المتنوعة، ثم دراساته العليا في جمهورية مصر العربية.
لم نكن ندرك ونحن شباب يافع أن الذي يقف أمامنا في قاعات الدرس هو وكيل وزارة الإعلام السودانية، ما كان يعطينا هذا الإحساس، ولا كان يتحدث كثيراً عن إنجازاته، ظل يحرص أن يتعرف علينا عن قرب ويعطينا دفء الرعاية والحنو، وقد تركنا مدننا وأتينا إلى العاصمة لتلقي العلوم، فزرناه مراراً في منزله الأنيق بحي (الوابورات) بمدينة الخرطوم بحري، فوجدناه هو ذاته الدكتور العالم فيصل محمود خضر إنساناً كريماً متواضعاً في منزله كما هو في الكلية.
كانت تربطني به علاقة خاصة بحكم صلته ونشأته وعمله الأول بمدينة عطبرة التي يعشقها حد العشق وله فيها أصدقاء وذكريات، وفي تقديري ان التجربة الإعلامية للإعلامي الدكتور فيصل محمود لم تجد منا الاهتمام اللائق والتوثيق المستحق ،لذا فور خروجي من العيادة تواصلت مع صديقه وأستاذنا البروفسير صلاح محمد إبراهيم الإعلامي والأكاديمي المرموق الذي وعدني بمعلومات تساعدني على توثيق نوفي به حق أستاذنا النبيل البروفسير فيصل محمود، كما تواصلت مع أستاذنا الدكتور عبد السلام محمد خير الإعلامي القدير الذي كتب لي(عرفته بإعلام عطبرة، ثم وكيلاً لوزارة الإعلام ،ثم ممتحناً خارجياً مرعباً برغم وده الطاغي، وتبسمه المهول. دخلت بيته أيضاً دليل مكانتنا عنده وهو حفي بمن حوله، رحيله كان صعباً، مغفور له بإذن الله بقدر ما أحب الناس وأحبوه، سيرة إعلامية جديرة بالاحتفاء، أنت أولي بها وأجدر)، ثم بعد ذلك تواصلت مع أستاذنا الفاضل كمال حامد الإعلامي المعتق فوعدني بتوثيق عن فترة عمله ضابطاَ للإعلام بالإقليم الشمالي.
كانت تلكم بعض الخواطر عن هذا الإنسان النبيل الذي ترك بصماته فينا، تربوياً فاضلاً، وأكاديمياً متميزاً، وعالماً زاهداً متواضعاً عاش من أجل الوطن الكبير، لم يدخر غير حب الناس والسيرة الناصعة والطلبة الذين يحفظون له المواقف المشرفة التي حقُ لأبنائه وأسرته الافتخار بها، والأمل ان نلتقي في مقال قادم نحشد فيه مختصراً لهذه السيرة الإعلامية والإنسانية لتكون أنموذجاً لشباب الإعلام السوداني ونؤكد عملياً أن العلم دوماً يقترن بالتواضع، والمعرفة الحقيقية أساسها قبول الآخر والتعايش كما تعلمنا ذلك عملياً من أستاذنا الفاضل البروفسير فيصل محمود خضر، نسال الرحيم له الرحمة، والغفور له المغفرة.
ونلتقي في سيرته إن شاء الله.