أخبار وتقارير
أثر تقاطع المصالح على التناول الإخباري الإقليمي لأزمة السودان الحالية..
تقرير- عبد القادر جاز:
الملاحظ أن الحرب الدائرة في العاصمة السودانية وبعض ولايات السودان ما بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع ساهمت وسائل الإعلام بصورة واضحة في طول أمدها وفقاً للمعطيات والمؤشرات التي قادت وسائل الإعلام للتضليل الإعلامي غير المبرر والمنحاز لطرفي الصراع، وسرعان ما اختطفت مواقع التواصل الاجتماعي هذه السمة وانداحت في نشر الفيديوهات والتصريحات الكلامية المضللة، ساهمت بالتعتيم المقصود بقدر كبير في عكس صورة غير حقيقية لما يجري على الأرض، السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي تخطط له هذه الوسائط ؟
الحرب الموازية
قال د. محمد آدم نصر الأكاديمي والمحلل السياسي أن ما يجري في السودان خلال المعارك الدائرة ما بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع جعل المشاهد السوداني في حيرة من أمره لما يبث من بعض القنوات الفضائية التي انحازت إلى أحد طرفي الحرب، مشيرا إلى أن هذا يؤكد على صراع المصالح بين هذه القنوات لبث أخبارها على حسب المصالح والولاء لأحد طرفي الصراع، مستطردا بالقول: إن هذا أثر تأثيرا كثيراً على مجريات التناولها الإخباري، وعدم مهنيتها في تناولها للأزمة السودانية، ما جعل المتلقي يلجأ إلى منصات التواصل الاجتماعي، موضحاً أن الكثير من هذه القنوات يلجأ غالبية مراسليها للنقل من أماكن بعيدة عن مواقع الأحداث الدائرة على الأرض، مما أتاح الفرصة لوسائل التواصل الاجتماعي لتفعل دورها، باعتبار أن الأسلحة التقليدية من مدافع ودبابات وطائرات لم تعد الوسيلة الوحيدة الفاعلة في أرض المعركة، مرجحا أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت ساحة للحرب المعنوية الموازية للمعارك الميدانية ببروز دورها كأداة لكسب تأييد الرأي العام، ونشر التضليل عبر الأخبار المزيفة.
سلاح الحرب الإفتراضية:
أوضح نصر بأن الاستخدام الكثيف لمقاطع الفيديوهات والتصريحات المصورة في الحرب الإعلامية بين طرفي الصراع على مواقع التواصل الاجتماعي بات سلاحا مهما في الحرب المعنوية الافتراضية الدائرة بالتوازي مع المعارك على الأرض، قائلاً كل طرف يسعى من خلال مقاطع الفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى كسب تأييد الشارع السوداني لتكوين حاضنة اجتماعية لدعم قراراته وخطواته العسكرية على الأرض حتى تسود رؤيته على الجميع، حتى إن اعتمد على معلومات وأخبار زائفة ومضللة، على سبيل المثال في أكتوبر 2021م أعلنت شركة فيسبوك إغلاقها شبكتين كبريين تستهدفان مستخدمين لمنصتها في السودان: الأولى تضم حسابات مزيفة مرتبطة بـ قوات الدعم السريع، والثانية لأشخاص قال باحثون إن الحكومة المدنية استعانت بهم وإنهم من مؤيدي الرئيس السابق عمر البشير، وكذلك أشار موقع (فيسبوك) إلى أنه جرى حذف شبكة تضم نحو ألف حساب خلال أكتوبر، لديها 1.1 مليون متابع، ويديرها أشخاص على صلة بقوات الدعم السريع.
وكشف عن رصد مختبر ينشط في هذا المجال للتدقيق الرقمي الأميركي بتلاعب قوات الدعم السريع بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث أفاد تقرير نقلته وكالة الصحافة الفرنسية بأن قوات الدعم السريع استخدمت منذ ديسمبر الماضي ما لا يقل عن 900 حساب، باحتمال أن تكون مقرصنة لتضخيم شعبية قائدها محمد حمدان دقلو،
وعلى حسب الوكالة فإن قوات الدعم السريع وقعت في مايو 2019م عقدا بقيمة 6 ملايين دولار أمريكي مع شركة (ديكنز آند مادسون) للعلاقات العامة والاستشارات في مدينة مونتريال الكندية بهدف تنظيم حملات ضغط (لوبي) مع قادة عدة دول ومنظمات عالمية.
التماهي والتضليل:
أعرب نصر عن بالغ أسفه أن هناك من لا يخجل من عمل قام به من أجل كسب المال، وآخر يعيش عقدة الكراهية والرغبة في نشر التفرقة والفتنة لإشباع حالة الشر الذاتية، معتبرا ذلك انحراف وشذوذ إعلامي نتيجة لتماهي بعض الإعلاميين في الداخل السوداني مع قنوات وأقلام معادية في الخارج تخصصت في محاولة نشر الرعب، والقضاء على أي بارقة أمل لدى المواطنين في المستقبل، لافتا إلى أن مسألة التضليل في الحرب السودانية عبر وسائل الإعلام لم تكن بالقدر المؤثر على مجريات الحرب، عكس ما هو في مواقع التواصل الاجتماعي التي كان لتناولها مفعول السحر لدى المتلقي ولعبت دورا كبيراً في التضليل الإعلامي وقلب الحقائق في أغلب التغطيات التي قامت بها.
الانحراف واليأس:
أكد نصر أن الأخبار الكاذبة خطر يهدد الوحدة المجتمعية ويغذي العنف، ويزيد من الانقسامات، ويقوض السلم الاجتماعي، ما دفع كيانات مثل: الاتحاد الأوروبي لإصدار حزمة من القوانيين لمواجهة التأثير المتزايد لشبكات التواصل الاجتماعي، مبيناً أن الإعلام مسئول من صناعة رأي محترم من هنا، أو نشر انحرافات من هناك، أو الترويج لما يمثل خطراً على الفرد والمجتمع، ويعد ذو أهمية بالغة، فهو سلاح ذو حدين، موضحاً أن ما تم طرحة في بعض وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة من آراء وتوجهات تهدف إلى إشاعة اليأس والإحباط في نفوس السودانيين ويشكل ذلك انحرافا واضحاً عن خط المسئولية الإعلامية المطلوبة، منوها أن مثل هذا الفعل في بلدان أخرى يعتبر جناية ومهدد للسلم المجتمعي.
خارج دائرة النفوذ:
كشف نصر أن الإعلام يمثل داعم أساسي في المحور الغربي بقيادة أمريكا والاتحاد الأوروبي ودول الترويكا، التي ترى بأن السودان خارج دائرة نفوذها لأكثر من ثلاث عقود خلت، في الوقت ذاته استفاد من العزلة الدولية التي فرضتها دول أخرى كالصين وروسيا في المجال الاقتصادي بشكل كبير باعتبار أن السودان دولة فيها ثروات كبيرة، علاوة على موقعه الجغرافي وإطلالته على منفذ البحر الأحمر، مرجحا أن إشكاليات السودان ليست في الاتفاقيات، ولا النصوص بل في الأطراف التي تقوم بالتوقيع على أي نص يمكن أن يكون بوابة للحلول السلمية.
وشدد على ضرورة إبعاد القوى التي تخضع للتأثير الخارجي، وظهور قوى جديدة قادرة على أن تفرق ما بين المصالح الوطنية العليا والمصالح الذاتية والحزبية، حتى يستطيع السودان الخروج إلى بر الأمان، جازما بأن الحرب ليست عبثية فقط، بل إنما هي عبثية ومنظمة ومخطط لها ومدروسة، قائلاً إنه لا يرى أنها ستتوقف في القريب العاجل إذا ما استمرت الأوضاع بهذا الشكل.