علوم وتكنولوجيامقالات

نحو إمداد كهربائي مستقر لسودان ما بعد الحرب

بقلم/ د. الفاتح يس

بورتسودان ومعظم مدن السودان تواجه نقصا كبيراً في الطاقة الكهربائية، وبالتأكيد سودان ما بعد الحرب؛ سيختلف عن سودان ما قبل الحرب في إدارة الدولة لمواردها الطبيعية والبنية التحتية وطريقة إستخدامها للطاقة.
سودان ما قبل الحرب يعتمد على الطاقة المائية من السدود ومن إنتاج وإستيراد منتجات الوقود الاحفوري كوقود الديزل وغيره؛ ومعروف أن الطاقة المنتجة من الوقود الاحفوري لها أضرار بيئية لا مجال لذكرها في هذا المقال؛ ولهذا لابد له أن يتجه الي الطاقات المتجددة؛ مثلما إتجه العالم المتقدم للطاقات المتجددة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة من الكتل الحيوية وطاقة المد والجزر وطاقة الأمواج وغيرها من أنواع الطاقات المتجددة الأخرى.

هذه هي أنواع الطاقات المتجددة؛ وكل نوع يصلح في مكان معين وفي أنشطة معينة؛ وهذا هو مربط الفرس في إدارة وإستخدام وإختيار نوعية الطاقات المتجددة في المكان والزمان والنشاط المناسب؛ ولا يكون إختيار نوعية إستخدام الطاقة المتجددة من فراغ؛ وإنما بعد إحصاء عدد السكان ومعرفة أنشطتهم ومستوى ومعدل ثقافاتهم ومصادر رزقهم؛ وبعد عمل دراسات وأبحاث لطبيعة المنطقة وتضاريسها وجغرافيتها وهل هي منطقة زراعية أم صناعية أم سكنية ام تجارية؟
كل ما ذُكر أعلاه يُحتم علينا معرفة كل نوع من أنواع هذه الطاقات المتجددة ودراسته بالتفصيل المُمِل؛ حتى يتسنى لنا إختيار نوع الطاقة المتجددة في المنطقة المناسبة؛ إضافةً الي ضرورة عمل دراسة جدوى هندسية وفنية وإقتصادية وبيئية للمحطة المراد إنشاؤها.

هذا الحديث يقودنا الي أن كل نوع طاقة من هذه الطاقات المتجددة يتكون من معدات وأدوات تختلف بعض الشيء عن الطاقات المتجددة الأخرى؛ وكل نوع طاقة لديه طريقة تصميم وتشغيل خاصه به؛ وكل نوع طاقه له إيجابياته وفرصة تطبيقة وأيضاً لديه سلبياته وعقباته وتحدياته.

فـ إذا مسكنا الطاقة الشمسية فنجد أنها تعتمد على إشعاع الشمس؛ وليس على درجة الحرارة كما يعتقد البعض؛ والعكس تماماً نجد أن درجة الحرارة تتلف الألواح؛ ولهذا تجد بعض الألواح يتم رصها فوق الأشجار وفوق المسطحات المائية. وتحتاج الطاقة الشمسية إلى أسطح مناسبة لوضع ألواح الطاقة الشمسية عليها، ومحول لتحويل الطاقة الإشعاعية الي طاقة كهربائية، وتحتاج أيضاً الي بطارية لتخزين هذه الطاقة وإستخدامها ليلاً؛ وواحد من سلبيات الطاقة الشمسية ان لهذه البطاريات عمر إفتراضي معين؛ ربما لا يزيد عن الخمسة أعوام؛ يعتمد على حسب نوع وجودة البطارية؛ ويمكن الإستغناء عن البطارية في حاله إستخدام الطاقة في وقت الإشعاع الشمسي (من الساعة الثامنة صباحاً حتى الرابعة أو الخامسة عصراً مع مراعاة الإختلاف في فصول السنة)؛ وهذا يقودنا إلى أن إستخدامها في المنازل والمباني يكون مناسب. ومن التحديات التي تواجه الطاقة الشمسية أن الألواح الشمسية تتأثر بالأتربة والغبار الذي يقلل من كفاءة الإنتاج الكهربائى؛ وبالتالي تراكم الغبار على الألواح يتطلب نظافتها؛ وهذا يزيد من إحتمالات حدوث كسر أو خدش لهذه الألواح الشمسية؛ ومعروف أن تكلفة الألواح الشمسية تمثل نسبة 60% أو أكثر من التكلفة الكلية لمحطة الطاقة الشمسية.

أما بالنسبة لطاقة الرياح (ممكن تصلح في شمال السودان)؛ فـ تحتاج إلى توربينات تحركها الرياح ومولد به ضاغط وملحقاته؛ لتحويل الطاقة الحركية (الرياح) إلى طاقة كهربائية.
هذه التوربينات تحتاج إلى مساحات خالية ولهذا تجدها في الصحراء والأماكن الخالية؛ وأفضل مكان لهذه التوربينات الهوائية هي فوق المسطحات المائية التي تزداد فيها سرعة الرياح؛ ولكن وضع التوربينات فوق المسطحات المائية مكلف للغاية؛ وتم التعويض عنه؛ بوضع هذه التوربينات في إرتفاعات عالية تصل فوق ال 60 متر فوق سطح الأرض للاستفادة من سرعة الرياح كلما إتجهنا الي الأعلى؛ وهذا يقودنا إلى أنه لا يصلح وضع هذه التوربينات الهوائية في المناطق السكنية؛ التي يقل فيها معدل سرعة الرياح بسبب المباني التي تصُد هذه الرياح.
من إيجابيات طاقة الرياح أن إنتاجها خلال ال 24 ساعة؛ عكس الطاقة الشمسية التي يكون إنتاجها في وقت النهار فقط؛ ومن سلبيات طاقة الرياح أنها غير مستقرة؛ ولهذه تحتاج إلى بطاريات لتخزين هذه الطاقة أو ربطها بالشبكة القوميـــة للكهرباء.

أما بالنسبة لطاقة الأمواج؛ فـ يتم الإستفادة من حركة الأمواج الترددية الأفقية؛ بــ تحويلها الي حركة ترددية عمودية عن طريق ربطها بــ الضاغط وملحقاته ومنها يتم تحويل هذه الطاقة الحركية الترددية العمودية إلى طاقة كهربائية. ومن سلبياتها أنها محصورة مع وبالقرب من المسطحات المائية؛ وهذا يؤدي إلى هدم وتكسير الموائل البحرية والرطبة للكائنات الحية؛ وهذا بدوره يؤثر على راحة وتكاثر ونمو وإنقراض هذه الكائنات الحية المائية والتي تعيش في الأراضي الرطبة؛ وهذا بدوره يؤدي إلى خلل النظام البيئي؛ وإنقراض هذه الكائنات الحية المائية؛ يؤدي إلى خلل في التنوع الحيوي؛ وبالتالي يحدث خلل في السلسلة الغذائية؛ وبالتالي بعض الكائنات الحية لن تتحصل على غذائها كاملاً ومنها بعض الأسماك التي تتغذي على بعض الكائنات الحية المائية والرطبة؛ وهذا بدوره يؤدي إلى نقص في الثروة السمكية بعض الشيء. طاقة الأمواج ربما يصعب الإستفادة منها في السودان.

أما بالنسبة لطاقة الكتل الحيوية؛ فـ الكتل الحيوية هي الإنسان والحيوان والنبات ومخلفاتهم. وإنتاج الطاقة من الكتل الحيوية يكون بــ جمع نفايات ومخلفات الإنسان (مياه الصرف الصحي) ونفايات ومخلفات النبات (كل أجزاء النبات من أوراق والفروع وغيره )، ونفايات ومخلفات الحيوان (كل أجزاء الحيوان من جلد وشحوم وروث وغيره)، بالإضافة إلى النفايات والمخلفات الغذائية. وبعد جمع هذه النفايات والمخلفات الحيوية يتم تقطيعها لقطع صغيرة، وإدخالها في مفاعل حيوي؛ هذا المفاعل الحيوي عبارة عن وعاء دائري الشكل مصنوع من مادة الفايبر جلاس، ويتم دفنه في الأرض (مثل السابتك تانك)؛ ليكتسب حرارة الأرض؛ لتسهيل عملية الهضم والتكسير التي تساعد على إنتاج الطاقة. يتم تكسير هذه الكتل الحيوية داخل هذا المفاعل الحيوي المحكم الإغلاق بواسطة البكتريا اللا هوائية (An Aerobic Bacteria) التي تحوِّل هذه الكتل الحيوية الي غاز الميثان وسماد عضوي سائل ينحدر الي أسفل المفاعل الحيوي.
غاز الميثان (CH4) أو ما يُسمى بالغاز الحيوي؛ هذا الغاز الحيوي يتصاعد إلى أعلى المفاعل الحيوي؛ وهو شبيه بــ غاز الطبخ؛ لذلك يُفضل إستخدامه مباشرةً كـ غاز طبخ أفضل من إستخدامه لإنتاج الكهرباء التي تحتاج إلى معدات أخرى. سهولة إستخدام الغاز الحيوي كـ غاز للطبخ؛ يدل على أن الطاقة المتجددة الناتجة من الكتل الحيوية؛ تصُلح أن تكون في المنازل والمباني والأبراج السكنية والمنتزهات والفنادق والمستشفيات؛ ويتم تصميم هذا المفاعل الحيوي بأحجام مختلفة يناسب المبنى الذي سيوضع فيه وكمية الكتل الحيوية الناتجه منه.
هذه هي أنواع الطاقات المتجددة؛ وإذا حاولنا نُجيب على سؤال:
ماهي الطاقة المتجددة المناسبة التي تناسب جغرافية ومناخ وطبيعة وأنشطة دولة السودان؟
فـ الإجابة: أن كل أنواع الطاقات المتجددة التي ذكرت في هذا المقال؛ يمكن أن يَصُلح إستخدامها في السودان؛ فقط نحتاج إلى دراسة نشاط وطبيعة وجغرافية وتضاريس المنطقة المعنية؛ وبموجب هذه الدراسات حتماً سنُحدد نوع الطاقة المتجددة المناسبة لهذه المنطقة أو هذه المكان.

أيضاً لابد من الإستفادة من جهاز الطباخ الشمسي (solar cooker) في الطبخ، وهو جهاز بسيط عبارة عن وعاء (حله) يوضع فيه الأكل المراد طهيهه، وحول هذا الوعاء يوضع العاكس الشمسي؛ ليعكس الأشعة الشمسية ناحية وعاء الطعام ليكثف ويزيد من درجة الحرارة الساقطة على الطعام؛ حتى يستوي، ومن ميزات الطباخ الشمسي أنه لا يحرق الأكل في حالة زيادة زمن سقوط الأشعة الشمسية عليه، وهو ساهل وبسيط ويمكن وضعه في اي مكان في المبنى أو المنزل.

دكتور الفاتح يس
أستاذ جامعي وباحث في قضايا البيئة والإستدامة

alfatihyassen@gmail.com

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق