حوارات وتحقيقات
القرية 6 .. “حكاية نازح” توثق للملياردير الزاهد صاحب أكبر صالات الأفراح في السودان
قتل إبني.. وتشخيص خاطئ أودى بحياة الآخر.. وخسارتي تعدت التريليونات
بدأت “عاملا” بكلية البيطرة والمملكة شهدت تحولي لرجل أعمال
فضلت أن أكون نازحا خوفاً من وصفي ب “لاجئ” وحلمي أن أساعد النازحين في القرية 6
المناصير- حوار- سميرة عبدالسيد:
وصفه المقربون ومن حوله بأنه الملياردير (الزاهد) وأطلق علية آخرون لقب (الصابر) ومابين الزهد والثروة والصبر تناقض شكل حكاية صلاح الفنان الذي رحب بنا في ديوان الذكريات متنقلاً بين (دفاتر الحكاية) أملا في مواصلة (حلمه) و (ألما) في معايشة واقع افرزته ظروف الحرب.
نوثق في (حكاية نازح) لقصة رجل عصامي تعلم براتبه بعد أن فقد والده وهو في سن مبكرة، عاهد أمه دون أن يعي معنى الحياة على الكفاح معها لتربية إخوته فذهب وهو في عمر الثالثة عشر بحثاً عن عمل دون أن يترك تعليمه لأنه كان واثقاً من أن العلم سيرفعه يوما ما، حتى تحقق الحلم ومن عامل صغير وصل إلى صاحب أكبر صالات الأفراح والمطاعم العصرية وبعد أن كان يتسول العمل أصبح (مخدما) يعمل تحته الآلاف من العمال.
اليوم أمام قصة إنسانية ورجل واجه الصعاب والموت وفضل أن يكون نازحا بين آلاف النازحين في بلادي أملا في مواصلة حلمه الإنساني على التمتع بثروته مع أبنائه في الدول العربية والأوروبية.
خسر ماتعدى التريليونات من الجنيهات بسبب الحرب ورغم ذلك يعيش مع النازحين حلم العودة ومعالجة مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية.
بدءا.. مرحباً بك صلاح الإنسان أو كما يحلو لمن حولك صلاح الصابر ونحن نوثق لك ابتداءا من دخولك سوق العمل …؟
بدايتي العملية جاءت مختلفة وانا ادخل سوق العمل مبكراً بعد أن توفي والدي ولم يكن لنا عائل في الأسرة كنت حينها صغيرا جداً حين تقدمت للعمل في كلية البيطرة ولكن خاب رجائي ورفضوني لصغر سني في (13) سنة خاصة واني لجأت إلى ( ناس المعامل ) وهم بالطبع لديهم خصوصية ومواصفات معينة ورغم ذلك جاءت المفاجأة من واحد خواجة اختبرني وأصر علي تعييني عاملاً في (اللاب) ومنه تدرجت وأثبت وجودي وقدراتي خاصة وأنني كنت اجيد الرسم والتصوير وحينها كنت أرسم وأصور ماتحت المجهر وأرسله للأساتذة الذين دعموا موهبتي وذات يوم أخبرني عميد الكلية بضرورة أن التحق بكلية الفنون الجميلة وتم استيعابي بعد أن تواصل العميد مع زميله الآخر في كلية الفنون الجميلة لأعمل وأدرس في ذات الوقت، حتي تخرجت من الكلية وعملت بعدها في المدارس وأسست عددا منها وبعقد من شركة السماح انتقلت مغتربا في المملكة العربية السعودية، وعملت مصمما وفنانا تشكيليا في مؤسسة السماح قبل أن ألجأ للتجارة فبدأت في تأسيس عدة محلات تجارية ومطاعم.
……………..؟
السنبلة حلم راودني واسم أحببته وتضاعف مع أول (سنبلة) متمنياً تأسيس سبع سنابل على طراز عالمي وفكرتها أن تكون إنتاجية تخدم أكبر شريحة من المحتاجين فكانت كافتريا السنبلة في المؤسسة بحري ومنها بدأت وبفضل أبنائي واجتهادهم في تأسيس قصر السنبلة في شمبات ومنها السنبلة 2 وبدأت بالفعل في تأسيس عدد آخر من (السنابل) وبمواصفات عالمية لولا الحرب اللعينة التي أوقفت العمل في بداياته.
كيف استوعبت العمل وأنت مازلت صغيرا -وقتها- مع اساتذة خبراء في الطب البيطري؟
كما ذكرت فإن رغبتي كانت كبيرة في العمل من أجل اخوتي وأن أواصل تعليمي فكان لأولئك الخبراء الفضل في دعمي ومساندتي وتقديم النصح والإرشاد كما أن خصوصية
قسم الطب الوقائي بالبيطرة والذي عملت فيه لسنوات متجولا في القرى والمدن السودانية جعلني أكثر تمسكا برغبتي وتحقيق أحلامي وأذكر أننا في القسم كنا نجري التجارب والفحوصات على الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان كما كان لنا التحقق من وارد الماشية وفحصها والكشف عن الأمراض التي تعانيها، لذلك كنا فاعلين ومؤثرين جداً.
………..؟
بالطبع فإن الفنون الجميلة شكلت حياتي وصقلت موهبتي في الرسم والتشكيل ووجودي في الوسط الفني ساعدني كثيراً للدخول لعالم التلفزيون وقبله التأليف والكتابة فكانت باكورة عملي الفني (الخلاص) إحدى المسرحيات التي وجدت إشادة من النقاد ومتابعة كبيرة من المشاهدين خاصة وأنها كانت تتحدث عن الاستعمار الإنجليزي.
الحرب أثرت ولكن ..
فاجأناه بالسؤال عن الحرب وكيف أثرت في صلاح؟
أخذ نفساً وكأنه يحاول أن يستذكر شيئاً وبتمتمة خبئت الكثير من الأسرار والأحزان… قال نعم الحرب أثرت ليس علي ولكن على الوطن بأكمله بل حتى على المحيط ولم تسلم من تأثيرها حتى الدول العظمى كأمريكا وبريطانيا، ولكن الإيمان بالقضاء والقدر كان دافعاً لتجاوز مآسي الحرب ولن أبالغ لو أخبرتك أن خسارتي تعدت التريليونات من الأموال ولكن خسائري النفسية والجسدية أحسبها أكبر من ذلك خاصة وأن الحرب أبعدتني عن من أحب بل ضاقت بي السبل بعد أن أصبت بالعجز في تقديم المساعدات التي يمكن أن تقدم في هذه الظروف.
ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﻌﺒﻮﺱ ﻏﺪﺍﺭﺓ ﺯﻱ ﺭﺍﻳﺔ ﺍﻟﻔﻜﻲ ﺍﻟﻜﻀﺎﺏ ﺗﻀﺤﻚ ﻟﻚ ﺗﻘﻮﻝ ﺟﻴﺪ ﻟﻲ ﺗﺘﻜﺊ ﺗﻐﺮﺱ ﺍﻟﻨﺸﺎﺏ، ماذا يعني لك هذا البيت من الأغنية المعروفة؟
بيت يلخص حالة السودانيين اليوم الذين تبدلت مواقعهم وحتى أحاسيسهم بالأشياء ومثل هؤلاء عانيت من غدر الدنيا ولكن صبرت والحمد لله نلت ما تمنيت، وأنا سعيد بالابتلاءات والتي بدأت قبل الحرب وأنا أفقد ابني الذي وجد مشنوقا في شقته، …. هزتني هذه الحادثة كثيراً وانا أفقد سندي ومن كنت مؤملا في أن يكون عونا لي،، ذهب ابني مقتولاً ومازال الغموض يسيطر على القضية فأصعب مايمر به الإنسان أن يفقد عزيز وسند ولكن إيماني بالقدر ساعدني على التماسك رغم أن الجميع أشفق علي وأنا أفجع قبل ثلاث أشهر من مقتله بأخيه الذي مات لي بعد ان كشفت الفحوصات إصابته بكورونا ونحن مكذبون لهذه الفحوصات وكنا نتساءل عن إصابته دون أن تنتقل العدوى لنا أو من هم بحوله ورغم ذلك تم عزله مع المصابين بكوفيد حتى توفي لرحمة مولاه.
كيف وصلت للقرية 6 والتي صنفت من قبل أنها غير صالحة للعيش بسبب فقدان الخدمات؟
أنت الآن تعيشين في القرية 6 وبلا شك فإن الناس هنا يعانون من عدم توفر الخدمات الأساسية الماء والصحة والكهرباء ورغم ذلك تحسنت كثيراً بفضل ماتقوم به لجنة القرية من جهود وبمساعدة المنظمات جعلها أكثر الأماكن التي يتوفر فيها سكن للوافدين وقبلة لكل النازحين جراء الحرب وأنا الآن أسعى لتحقيق مافشلت فية بسبب الحرب ومحاولة تهيئة بيئة القرية، لدي أفكار كبيرة ومشاريع لو تكاتفنا كمجتمع سنصنع الحدث وسنجعلها قرية نموذجية.
…………؟
في الحقيقة أنا منصوري شري يعني لي حق السكن كمواطن ولكن لظروف لن أتحدث عنها الآن لم أملك منزلاً كحال كل المستحقين من أبناء المناصير ورغم ذلك اشتريت منزلاً بحر مالي بعد نزوح وسكن بالإيجار في القرية 3 والآن منزلي مفتوح لكل النازحين الذين قدموا للقرية ولم يتوفر لهم سكن.
كلمة أخيرة..
شكرا لك أستاذة ولمؤسستكم الصحفية التي توثق للنازحين وتخفف لهم من خلال (حكاية نازح) والتي أتابعها باهتمام فهي تملؤنا تفاؤلا بأن حلم الانتصار والعودة إلى منازلنا أصبح قريباً جدا.