ما يرشح من الخارجية.. الوزير علي الصادق.. ظالم أم مظلوم؟

إسماعيل جبريل تيسو:

وينتقدني محدثي ساخراً من إشادتي المستمرة بجهود وزارة الخارجية والأدوار التي أصفها بالمتعاظمة للدبلوماسية الرسمية والاختراقات التي أحدثتها خلال فترة الحرب بعد أن تعافت وزارة الخارجية مثلها مثل معظم الوزارات من صدمة البدايات ونهضت بدور إيجابي في التعاطي مع المجتمع الإقليمي والدولي لتوضيح أبعاد إشعال نيران الحرب من قبل ميليشيا الدعم السريع ومن يدعمونها سياسياً في الداخل، ولوجستياً في الخارج بغية تحقيق أجندات تستهدف خيرات السودان وتسعى لتمزيق جسده والنيل من عافيته وتفتيت وحدته.

ويباغتني محدثي بسؤال خاطف عن المتوفر لدي من معلومات عما يدور داخل أروقة وزارة الخارجية؟، فأجبته بعدم إلمامي إلا بما يعرفه عامة الناس عن هذه الوزارة السيادية والتي يطمع معظم الشباب من خريجي الجامعات ويأملوا في الالتحاق بها ونيل شرف ارتداء البدلة الدبلوماسية والاضطلاع بمسؤولية تعزيز علاقات السودان مع دول المحيط الإقليمي والدولي، وتمثيل الدولة لدى الدول الأخرى والمنظمات الدولية، والتعبير عن سياسة السودان الخارجية وحماية مصالحه ومصالح مواطنيه بالخارج.

تبسّم محدثي ضاحكاً من قولي الذي وصفه بالأكاديمي المحض، وطفق يحدثني عن ما يجري داخل وزارة الخارجية، حديث العارف والممسك بتفاصيل هذه الوزارة المهمة، يقول محدثي بعد أن شكرني على ما ظللت أكتبه مدحاً وثناءاً في وزارة الخارجية وجهودها خلال الفترة الماضية التي تحسب لمن قال إن الوزير يناصبهم العداء، ويفاجأني محدثي بأن وزارة الخارجية تمر حالياً بأسوأ أحوالها سواءاً على مستوى الأداء أو على صعيد أوضاع منسوبيها في ظل شح في الموارد والإمكانات ووضع مادي معقد، وذلك نتيجة ما وصفها بالسياسات الخاطئة التي ظل ينتهجها الوزير علي الصادق والتي أحدثت هزات خطيرة داخل الوزارة الكبيرة.

دُهشت من هذا الحديث عن الوزير علي الصادق الذي يعتبر من الوزراء البارزين في الحكومة الحالية خاصة وأن الرجل يمتلك خبرات تراكمية معتبرة ومقدًّرة تجاوزت الأربعين عاماً في بلاط وزارة الخارجية، فقال محدثي إن السفير علي الصادق وصل إلى كرسي الوزارة مصادفة حيث كان ترتيبه السابع على هرم الهيكل وقتئذٍ، ولكن المشيئة الربانية والتوفيق الإلهي حالفه ليؤتى الوزارة، في وجود من كانوا أحق منه بالمنصب أكاديمياً وخبرة علمية وعملية وتجارب مميزة وأفكاراً ومواهب ونجومية ورصيداً مجتمعياً ذاخراً بالعلاقات العامة والمتميزة، مثل السفير البلدوزر علي يوسف الذي أرسى دعائم علاقات ثنائية وغير مسبوقة مع الصين كدولة عظمى وعضو بمجلس الأمن ويستطيع تجسير الهوة وإعادة أمجاد هذه الوزارة المهمة وسط التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد، وهنالك أيضاً وكيل الوزارة السفير دفع الله الحاج علي مبعوث الرئيس الذي يغير منه الوزير ويستهدفه بشكل مستمر رغم فارق العطاء وسابق التجربة والمعرفة ببواطن الدبلوماسية وأسرارها، وهي فوارق بينة بين الرجلين، لا تخطئها عين.

ولما كان السفير علي الصادق غير جدير بقيادة دفة سفينة وزارة الخارجية وفقاً لقول محدثي، فما الذي جعل القيادة العليا للدولة تكلفه بمهام وزارة حساسة وسيادية كالخارجية!! هل من جهة مؤثرة تقف وراء الرجل دعماً وسنداً وعضداً؟ قال محدثي إن الغريب في الأمر أن السفير علي الصادق ينتمي لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وهي التي أجلسته على كرسي وكيل الوزارة، وقد حاول بعد إجراءات 25 يناير 2021م أن يتقدم باستقالته ولكنه عدل عنها تحت ضغوط القحاتة بالوزارة، لتتفاجأ وزارة الخارجية نفسها بترفيع السفير علي الصادق من وكيل للخارجية إلى وزيرٍ لها!!، وقد ظل الصادق منذ تعيينه وزيراً للخارجية بلا حراك يذكر ( دخل القش وما قال كش) إذ كانت مواقفه دائماً رمادية، وازدادت رمادية هذه المواقف كيل بعير بُعيد اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، حيث غاب الوزير علي الصادق عن المشهد لشهرين دون مبرر، وبعد عودته أحجم عن التصريحات ومارس تغبيشاً واضحاً في مواقفه خشية ميليشيا الدعم السريع وجماعته القحاتة.

لقد شهدت فترة الوزير علي الصادق عدة إخفاقات أبرزها تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي التي يقف على بعثتها السفير جمال الشيخ، وتعليق عضوية منظمة الإيقاد، هذا فضلاً عن استقالة عدد مهول من السفراء والدبلوماسيين بدعوة ما يسمى بالدبلوماسيين الوطنيين والتي حدثت بعد التوقيع على الوثيقة، وهي واقعة هزت أركان وزارة الخارجية وكان يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة لولا مسارعة علي الصادق وهرولته إلى السيد رئيس مجلس السيادة ليصفح عنهم الصفح الجميل، وليقوم الوزير علي الصادق بعد ذلك بإرسالهم إلى البعثات والمحطات الخارجية.

إدارة ملف الخارجية بحساسيته المفرطة، يرهنه الوزير علي الصادق إلى أيدي شلليات من دفعته، يقول محدثي، ويضيف أن أغلب هذه الشلليات من العلمانيين واليساريين، هذا فضلاً عن انحياز الوزير الواضح لأهل خاصته ومحسوبيه ومجاملتهم لدرجة غض الطرف عن مشكلات كبيرة يعاقب عليها قانون السلك الدبلوماسي، على شاكلة ما حدث لمدير مكتبه المستشار أمجد الذي كان يعمل في سفارة السودان بأسبانيا، وفي المقابل يمارس الوزير علي الصادق أقصى درجات التعنت والتجاهل مع منسوبي الوزارة من المفصولين الذي عادوا للعمل بقرار من المحكمة بعد أن أبعدتهم ما يسمى بلجنة إزالة التمكين ظلماً وبهتاناً كبيرا.

إن هذا غيض من فيض قضايا ومشكلات ينضح بها ماعون وزارة الخارجية من تجاذبات وأمواج متلاطمة تحت قيادة السفير علي الصادق، وقد نقلناها بعين المراقب وفقاً لمعلومات نرجو من الجهات المختصة في الدولة التقصي والتحقيق حولها، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، ذلك أن الخارجية من الوزارات ذات التاثير الخطير خاصة في المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد والتي تتطلب حراكاً سياسياً ودبلوماسياً واسعاً وكبيراً يخرج البلاد من عنق زجاجة الحرب، ويبحث أفاقاً جديدة ورحبة لبناء سودان ما بعد مرحلة الحرب، وهي مرحلة ينبغي على الجهات العليا في الدولة أن تُعمل فيها المؤسسية، وأن تبتعد عن المحسوبية وكيمياء المجاملات حيث لا ينفع الاعتقاد بمن تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، و( العود الما فيهو شق ما بقول طق) إذن فليُشكر الوزير علي الصادق على ما قدمه خلال المرحلة الماضية وفق قدراته، ولتبحث الجهات المختصة عن بديل بمستوى التحديات المقبلة، اللهم قد بلغلت اللهم فاشهد.