مقالات
عطبرة.. “التكاتك” تمحو الآثار “الفاضلة”
كمال الدين جبرالله:
إنه زمان (التكاتك) التي تمخر العباب جيئة وذهابا تحمل الرث من البضائع والرخيص وتمحو آثار تلك المدينة الفاضلة، وربما لتمحو الآثار الفاضلة عن تلك المدينة..
الحديقة التليدة بأشجارها المعمرة تفتح ذراعيها ليرتمي بين أحضانها الغريب ويبني اعمدة الأسمنت على سياجها الجميل الذي كانت تستريح أعلاه العصافير وهي تلهو محبة للمدينة وأهلها الطيبين.
من أجل جبايات ممن جاء ليغير خارطة الزمان ويمحو بكل قسوة ودون إكتراث لذكرياتنا فيه .. جبايات لا تسمن ولا تغني من جوع.
ساحة السكة الحديد بإمبراطوريتها التي غابت عنها الشمس وفي ميدانها الرهيب الرحيب ترحب بقطع اطرافها الموازية لشارع (السلك).
إنها لغة المال يا سادتي، المال الذي تنشب الحروب لأجله ويموت الناس لا يعلو فوق منطقه منطق .. والساسة الكاذبون لا تجدي مبرراتهم فهم يبحثون عن المغنم، لا يهمهم التاريخ ولا النضال ولا يذكرون أصحاب العجلات (الرالي والفونيكس) المناضلة الشريفة التي كانت تضوع مسكا يعبق به المكان وكم عطرت ساحاته بعرق نبيل وسعي محمود عشرات السنين التي رسمت ملامح عطبرة النبيلة، لا تحدثني عن عراقة المباني وتاريخها الموشي بالنضال .. إنها لغة التكاتك التي تمخر العباب جيئة وذهابا تحمل الرث من البضائع والرخيص وتمحو آثار تلك المدينة الفاضلة عطبرة.
ميدان المولد الشريف حيث تصطف حلقات الذكريات وتبعث أصوات الذكار وطبولهم الولهانة.. وليلة المولد يا سر الليالي تعرج من مجذوبها الى تلك الساحة المباركة .. وتتأرجح على مراجيح العيد فيه أطياف وذكرى و يصحو الحنين لأباء منهم من عبر إلى الضفة الأخرى، رحمهم الله كانوا يأتون بنا إلى ذاك البهاء وفي نفس المكان .. كل ذلك النبل والمشاعر والتأريخ والشوق والحنين والعشق الأزلي قطعت أطرافه من خلاف .. بدعاوي (غرغرينة) المدنية الزائفة التي رمت لنا أوساخها على قارعة الطريق .. حتى بدأنا نتحسس عشقنا لعطبرة ونوقظه من سباته العميق الذي امتد لخمس قرون في ضلوعنا، ليصحو على الحال والمآل ويختار ماشاء وشاء له الهوى.
ويقول إبراهيم ناجي في الأطلال:
يا حبيبي كل شي بقضاء
ما بأيدينا خلقنا تعساء
فإذا أنكر خل خله وتلاقينا لقاء الغرباء
لا تقل شئنا فإن الحق شاء.
عطبرة ٢٦ أغسطس ٢٠٢٤م