مقالات
في موسم الفقد الكبير.. الأمين مدنى يحزم حقائب الرحيل
بقلم/ بكري المدني:
كنت كلما أعزم على سفر أزوره مودعا وفي المرة الأخيرة تحت وطأة السنين والمرض قال لي قانعا :- “أنا خايف تجي راجع تقول ليهم قبر عمي وين” ؟
وعمي الأمين مدني آخر أشقاء الوالد وأبناء مدني الذين رحلوا عن الدنيا صباح اليوم.
مساء الأمس حرصت على زيارته بالمستشفى فور وصولي الدامر ولاطفته أن ضبطته بالحياة قبل أن ينعيه لي الناعي بعد ساعات قلائل من ذلك.
مثلما كنت أزوره مودعا كنت أزوره متفقدا وفي العادة أنزل إليه في مزرعة الأسرة (مترة الأمين مدنى) وأظل أبحث عنه بين نخلات باسقات زرعها قبل عقود أو أعثر عليه في حوض برسيم أو شتلات حنة منهمكا كالعادة -حسن الوجه ما بين الخضرة والماء وكان رحمه الله أول ما يبادرني بالكلام من بعد السلام الناس ديل اختاهم (بكتلوك).
ولم أسأله يوما من هم لأني أعرف أن الجميع عند عمي حكومة ومعارضة (قتلة).
كان ارتباط عمي الأمين مدني بالزراعة ارتباطا بالأرض بل ارتباطا بالحياة، وعندما قرر كل إخوته السياحة في الأرض ابتغاء الرزق، بقي هو مع جدتنا يدير صراع التملك على بقعة نزل بها أسلافنا من المناصير لكنها كانت حسب تقسيمات الحواكير أرضا للجعليين، لذا لم يكن الصراع الذي عاشه وشارك فيه سهلا لا بالقانون ولا بالقوة.
نجح عمي الأمين من بعد أن يجعل لنا من خلال ذلك الصراع عنوانا ثابتا مثل نخلاته الباسقات وممتدا مثل حيضان الحنة والبرسيم ومثلما أثمرت تلك الأرض، فلقد أثمرت الحياة رغم الصراع جيلا رابعا حتى اليوم من المصاهرة بين الجعليين والمناصير في هذه المنطقة.
مع شروق الشمس كنا نسير بالأمين مدني عبر الدرب التحتاني المحازي -للنيل القديم ياهو ورقاب تمر الجدود تتمد- ودفناه كأننا نخبيء كنزا داخل الأرض في المقابر التى حزناها أيضا أرضا للآخرة جنوب الشاعديناب بالدامر، إذ تضم أسلافنا وأجيالهم اللاحقة ورحم الله الجميع.