صحة وبيئة
تغير المناخ وجدري القرود.. إشارات وحقائق
الساقية برس- اخلاص نمر:
ماهو جدري القرود (امبوكس)..
تعرفه منظمة الصحة العالمية بأنه مرض فيروسي يسببه جدري القردة وله فرعان حيويان مختلفان الفرع الاول (فرعان حيويان ثانويان 1أ و1ب) والنوع الحيوي الثاني له (فرعان حيويان ثانويان 2أ و2ب)، ولقد ظهرت فاشية عالمية للامبوكس في الفترة بين 2022-2023 بسبب سلالة الفرع الحيوي الثانوي 2ب.
ويشكل امبوكس تهديدا حتى اليوم ،خاصة وأن ارتفاع الإصابة بالمرض في جمهورية الكونغو الديمقراطية وبلدان اخرى، بسبب الفرعين الثانويين (1أ و1ب)، أدى الى انتشار القلق في الأوساط الصحية المحلية و الدولية والإقليمية.
وفي أغسطس من هذا العام 2024 ، تم اكتشاف الفرع الحيوي( 1أ) خارج القارة الأفريقية، ومن أعراض المرض الشائعة هي الطفح الجلدي ويمكن أن يستمر من أسبوعين الى أربعة أسابيع مصحوبا بارتفاع درجة حرارة الجسم وآلام العضلات والصداع والضعف العام وتورم الغدد الليمفاوية.
ولقد تم اكتشاف فيروس جدري القرود في الدنمارك عام 1958عند قردة كانت تستخدم لأغراض بحثية وتم تسجيل أول حالة إصابة بشرية بالفيروس في جمهورية الكونغو عام 1970لطفل صغير (9 أشهر) وبعد القضاء عليه في العام 1980، ظهر مرة أخرى في وسط وشرق وغرب القارة الأفريقية .
هل وكيف …
يأتي السؤال المباشر دائما ،كيف يمكن أن تنتقل العدوى إلى البشر؟ والإجابة على السؤال، أنه يمكن أن ينتقل من خلال المخالطة القريبة لشخص مصاب أو ملامسة مواد ملوثة أو حيوانات مصابة بامبوكس ، وعند سلخها أو أكلها، أو عن طريق العض أوالخربشة، كذلك يستطيع الفيروس أن ينتقل من الأم الحامل إلى جنينها ويزداد خطر الانتقال والإصابة بالعدوى لدى الأشخاص الذين لديهم شركاء جنسيين متعددون.
وتبقى الإجابة عن السؤال هل هناك لقاح ناجع يعود بالمعافاة والشفاء؟ بحسب منظمة الصحة العالمية، توجد ثلاثة لقاحات مضادة لامبوكس ويمكن أن يساعد اللقاح في الوقاية من العدوى (العلاج الوقائي)، وفي هذه الحالة يجب تطعيم الأشخاص المعرضين بشدة لخطر الإصابة بالمرض وهم كثر ، منهم على سبيل المثال: العاملون في المجال الصحي، والمقيمون في نفس المنزل مع المصاب .
وصمة ..
لا يمكن إطلاق هذا الوصف على المصاب بامبوكس أو غيره من الأمراض، إذ انه من غير اللائق حقيقة أن نطلق التمييز والوصم على المرضى، فالمريض يتعافى خلال أسبوعين إلى أربعة أسابيع مع الإلتزام بالنصائح الطبية وغسل اليدين وتهوية المنزل والحفاظ على جفاف البشرة.
طارئة صحية..
في السادس والعشرين من شهر أغسطس، أطلقت منظمة الصحة العالمية خطتها الاستراتيجية للتأهب والاستجابة لوقف تفشي انتقال فيروس جدري القرود (امبوكس) عن طريق بذل جهود عالمية وإقليمية ووطنية -بحسب المنظمة- وذلك بعد أن أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في 14 أغسطس عن طارئة صحية عامة تثير قلقا دوليا، وقد أوردت المنظمة في موقعها ركائز هذه الخطة والتي تقول فيها أنها تستند إلى التوصيات المؤقتة والدائمة على تنفيذ استراتيجيات شاملة للرصد والوقاية والتأهب والاستجابة والنهوض بالبحوث والتدابير الطبية والتقليل من انتقال العدوى من الحيوان للإنسان.
إصابات ووفيات..
أوضحت الدكتورة حنان مختار الحاج، من منظمة الصحة العالمية أنه ومنذ الأول من يناير 2022 حتى 30 يونيو 2024، بلغ المجموع التراكمي 99176 حالة مؤكدة مختبريا للإصابة بالجدري، بما في ذلك 208 حالة وفاة، تم الإبلاغ عنها إلى منظمة الصحة العالمية من 1162 دولة/إقليم/منطقة (يشار إليها فيما بعد باسم “البلدان”) في جميع أنحاء العالم.
وزادت قائلة (أقاليم منظمة الصحة العالمية الستة (الجدول 1). تم الإبلاغ عن ما مجموعه 934 حالة جديدة في يونيو 2024، وهو ما يعادل عدد الحالات الجديدة المبلغ عنها في مايو 2024، بما في ذلك بعض الحالات المبلغ عنها بأثر رجعي للأشهر السابقة.) وأشارت د.حنان الحاج، في حديثها للساقية برس، أنه وللشهر الثاني على التوالي، تم الإبلاغ عن معظم الحالات في يونيو 2024 من المنطقة الأفريقية (61%)، تليها منطقة الأمريكتين (19%) والمنطقة الأوروبية (11%)، بينما أبلغت المنطقة الأفريقية عن ارتفاع في أعداد الحالات في يونيو 2024 مقارنة بمايو 2024 (العدد = 567 مقابل 465)، على الرغم من بعض التأخير في الإبلاغ المعتاد في جميع المناطق، إذ لم يتم الإبلاغ عن حالات من قبل إقليم شرق المتوسط.
ونوهت إلى أنه قد تناقصت التقارير المقدمة إلى منظمة الصحة العالمية، ولذلك ينبغي تفسير الاتجاهات الأخيرة في الحالات المبلغ عنها بحذر، مؤكدة أن منظمة الصحة العالمية تواصل تشجيع جميع البلدان على التأكد من أن الجدري مرض يجب الإبلاغ عنه والإبلاغ عن الحالات، بما في ذلك الإبلاغ في حالة عدم اكتشاف أي حالات (المعروف باسم “الإبلاغ الصفري”).
وأبانت حنان الحاج قائلة في ردها على سؤال الساقية برس حول زيادة الحالات “في يونيو/حزيران 2024، أظهرت 16 دولة من أصل 26 دولة (62%) زيادة في الحالات مقارنة بشهر مايو/أيار 2024. وأبلغت جمهورية الكونغو الديمقراطية عن أعلى زيادة نسبية في المنطقة الأفريقية (العدد = 543 مقابل 459)، بينما سجلت إسبانيا (ن = 54 مقابل 38) أعلى زيادة في المنطقة الأوروبية، وأبلغت كولومبيا (ن = 11 مقابل صفر) عن أعلى زيادة في المنطقة الأوروبية. وأعلى زيادة في منطقة الأمريكتين، وسجلت أستراليا (العدد = 64 مقابل 33) أعلى زيادة في منطقة غرب المحيط الهادئ، ولم يبلغ أي بلد عن زيادة في منطقة جنوب شرق آسيا”.
واستطردت في حديثها منبهة الى أن البلدان العشرة التي أبلغت عن أعلى عدد تراكمي من الحالات المؤكدة على مستوى العالم في الفترة من الأول من يناير 2022 إلى 30 يونيو 2024، هي الولايات المتحدة الأمريكية (العدد = 33191)، والبرازيل (العدد = 11212)، وإسبانيا (العدد = 8084)، فرنسا (ن = 4272)، كولومبيا (ن = 4249)، المكسيك (ن = 4124)، المملكة المتحدة (ن = 3952)، بيرو (ن = 3875)،ألمانيا (العدد = 3857)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (2999)، منوهة إلى أن جمهورية الكونغو، ظهرت ضمن البلدان العشرة الأوائل التي سجلت أعلى معدل تراكمي لعدد الحالات المؤكدة على مستوى العالم، مضيفة أن هذه البلدان العشرة مجتمعة تمثل 81% من الحالات المبلغ عنها على مستوى العالم.
وعن تقييم المرض على المدى الطويل أكدت حنان قائلة (تقييم مخاطر جدري القرود على المدى الطويل (اعتبارًا من أغسطس 2024 ، يؤثر في الغالب على البالغين وينتشر من خلال الاتصال الجنسي ، في جميع البلدان في أفريقيا وحول العالم، حيث يؤثر تفشي المرض بشكل رئيسي على الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال).
تغير المناخ والفيروس..
مفهوم تغير المناخ يشير إلى التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، ويمكن أن تكون تحولات طبيعية بسبب التغير في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية، لكن منذ القرن التاسع عشر ،كانت الأنشطة البشرية هي السبب في تغير المناخ ومرد ذلك حرق الوقود الأحفوري، الفحم والغاز والنفط، إذ ينتج عن ذلك انبعاث غازات الاحتباس الحراري.
ويقفز السؤال هل يمكن أن يسبب تغير المناخ أمراضا للبشر أو الحيوان أو النبات؟
إن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تغير في الطقس وعدم توازن في الطبيعة وهذا يشكل خطرا على البشر وجميع أشكال الحياة الأخرى وتؤثر المخاطر المناخية والجوية على الصحة مايزيد من خطر الوفاة وظهور الأمراض المعدية وانتشارها وحالات الطوارئ الصحية.
وقد كشف التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن تغير المناخ يؤثر على الصحة بطرق عديدة نتيجة للظواهر الجوية المتطرفة مثل موجات الحر والعواصف والفيضان وزيادة الأمراض الحيوانية والأمراض المنقولة والصحة النفسية.
سلوك مغاير..
والآن، ومع انتشار جدري القرود، توجهت الساقية برس بالسؤال للدكتورة مها مصطفى استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية، هل هناك ثمة علاقة بين تغير المناخ والفيروس؟ وأكدت مها أنه عندتغير المناخ تظهر أمراض وبائية مختلفة أو جديدة لم يعرفها الإنسان من قبل، وأن الحيوانات تستطيع التأقلم مع تغير المناخ والبيئة الجديدة وذلك بتغيير سلوكها وطرق معيشتها الأمر الذي يساعد في انتشار الأمراض.
عوامل اجتماعية وصحية..
ويفند الدكتور محمد عبدالله طه رئيس قسم الأمراض الجلدية والتناسلية بكلية الطب جامعة الرباط الانتشار الأخير لجدري القرود قائلا ( إن انتشار المرض مرتبط بشكل أكبر بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والصحية، مثل سهولة السفر العالمي، وازدياد عدد المسافرين المهاجرين وانتقال الفيروس عبر الاتصال الوثيق، وخاصة في الأماكن التي تعاني من نقص في أنظمة الرعاية الصحية القوية).
وعن تغير المناخ كأحد الأسباب في انتشار الفيروس يوضح طه : قد يكون لتغير المناخ تأثير غير مباشر، إلا أن العوامل الاجتماعية والصحية تلعب دوراً أكبر في الانتشار الأخير لهذا المرض.