مقالات

الحربُ ليست شرٌ محض

بقلم: د.عبدالكريم الهاشمي:
1
الحرب والقتال والنزال، قدر من اقدار الله التي كتبها على خلقه، لرد ظلم وعدوان الإنسان لأخيه الإنسان، وإقامة العدل، وبسط موازين القسط بين الناس، وحماية الارواح والممتلكات، ولردع الناكسين عن الإتفاقيات والمعاهدات، والناكصين عن المواثيق والتفاهمات. يكون القتال في الحروب العادلة، قتال عدل وبقاء، وليس حروب دمار وفناء، فلو لا دفعُ الله الناس بعضهم ببعض، ودفع أقوام بأقوام، وكف شرورِ أُناس بغيرهم، لفسدت الأرض ولهلك الحرث والنسل، ولأهلك القوي الضعيف، ولهدمت مساجد ومستشفيات، ولأُصدت مدارس وجامعات، ولتعطلت مصالح أمم وشعوب. تكون الحرب احيانا واجب مقدس، تروّض إزاءه المهج والارواح، ويُستصغر في سبيلها الغالي والرخيص، إذا ما كان القتال لمدافعة المعتدين، الذين يروعون الآمنين ويخرجونهم من ديارهم، ومنازلهم، ويغتصبون نسائهم، وينهبون أموالهم وثراوتهم، ويسعون للإستيلاء على السلطة والسيادة قسرا وإكراها وإحتلال الاوطان او استذلال شعوبها. يكون القتال شرف في مواجهة المشروعات الإجرامية التي تمارس الإبادة الجماعية، والتهجير القسري، والتطهير العرقي، والحرمان من الحقوق الاساسية كالإنتماء لجماعة او دين، أو المخططات التي تسعى لفرض مشروع سياسي، أو عرقي أو إثني، أو ثقافي، أو ممارسة الإكراه لترك دين او الإجبار للدخول في دين آخر، أو لأسباب أخري لا تقرها القوانين والاعراف التي أشارت إلى حق الشعوب في الكفاح المسلح ضد المعتدي، وضد المتعاونين معه، من المنافقين والخونة والعملاء وفي هذا تتساوى الشعوب، “قاتلوهم يعذبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين”.
2
ما من راشدٍ ولبيب يسعى إلى إضرام نار الحرب، او يؤجج أوارها، ويقرع طبولها، او يتمنى لقاء الاعداء، فالحرب كريهة للنفوس لما فيها من قتل وتشريد، ودماءٍ ودموع، وآلام وأحزان، ومجالدة للأعداء، ورد لعدوانهم، وتحملا لأذاهم “كُتب عليكم القتال وهو كره لكم” ولكن حينما يكون هدف الحرب إذلال الشرفاء وإضطهادهم، وتقتيل ابنائهم وإغتصاب نسائهم وإستباحة أرضهم، ونهب أموالهم وثرواتهم، وقتئذٍ تصبح الحرب والقتال من أسمى الواجبات، فإما حياة تسر الصديق، وإما ممات يقيظ العدى، تصير المواجهة ضرورة اخلاقية لا يمنعها صياح وعويل، ولا فزع وجزع، ولا خشية ورهبة، ولا إستسلام وخضوع، بل يتحتم لقاء الأعداء بثبات وشجاعة, وصبر وجسارة, وتيقنٍ بان الخير يكمن فيما يتصوره الإنسان شر “وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم”. إن السلام والأمن هما الأصل والقاعدة، وأن الحرب والقتال هما الضرورة والإستثناء, فالقتال من اجل حماية الارض وصون العرض، والمناهضة عن كرامة الشعوب وحرمة دمائها، وحماية السيادة الوطنية والذود عنها، ضرورة وواجب جليلٌ وشريف, وليس كما يخيّل للبعض من فرط جهلهم أن الحرب شر محض، وأنها إذا إندلعت يجب أن تتوقف كيفما إتفق وتتعالى الاصوات بلا للحرب, فهذا خطلٌ عريض، وجهل سحيق، وجبن بائن “فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت” وذلك من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء “فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية اللّه أو أشد خشية وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب”.
أفي السلم أعياراً جفاءً وغلظةً * وفي الحرب أشباهُ النساء الفوارك.
3
وضع غوبلز وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر نظرية التأطير التي تقوم على فكرة السيطرة على العقول، ومن ثمّ، تمرير السياسات والرغبات والتحكم في إتجاهات الافكار من خلال جعل العقل ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺧﻴﺎﺭﺍﺕ ﻣﺤﺪﺩﺓ تُفرض عليه ﻻ ﺇﺭﺍﺩيا كخيار “لا للحرب”، فيتعطل العقل عن ﺍﻟﺒﺤﺚ في ﺍلخيارات الأخرى، أو التحقق والتثبت من الفكرة التي أجبر عليها لا إراديا فأُشربها كما الإسفنج، فهذا ما كشفت عنه الحرب الدائرة بين قوات الشعب المسلحة ومتمردي الدعم السريع حيث حبس دعاة “لا للحرب” انفسهم وسجنوها في محبس خيارٍ أخرق بائنٌ عواره “لا للحرب – الحرب لازم تقيف”، فتخندقوا حوله بغباء شديد، وغوغائية لا تحتمل نقد هذا الشعار وتعرية مقاصده. من أين جاء هؤلاء الذين يرددون هذا الشعار الخانع الكاسر الذليل, الذي لا يتماشى مع قيم الشعب السوداني الداعية الى الفراسة والشجاعة والاقدام, وتنفر وتسخر من الصياح والعويل الذي كان اولى به الذراري والنواعم إن كان مبتغى الشعار وقف الحرب كيفما اتفق. ليس من قيم الشعب السوداني الاستسلام والخضوع للاعداء، ولا الصراخ من القتال ولقاء الاعداء، وقد سطر التاريخ كثير من المواقف والملاحم التي أظهرت معدن الإنسان السوداني.
ما دايرالك الميتة ام رمادا شح
دايراك يوم لقاق بدميك تتوشح
الميت مسولب والعجاج اكتح.
4
تسيطر على سدنة شعار “لا للحرب” حالة إنهزام نفسي مخجلة ومذرية، مترعة بالجبن والوجل، والاحباط والإنحطاط الذي لايشبه المجتمع السوداني، الذي سطر أروع المواقف في الشجاعة والإقدام, ففي معركة كرري التي خلفت وراءها عشرة الف قتيل, وستة عشر الف جريح من السودانيين في ساعات قلائل، ضرب المقاتلين مثلا في الإقدام رغم قساوة الغزاة، حيث سطر “جورج ستيفنز” أحد المراسلين الحربيين في المعركة قائلاً “إنه لأضخم وأعظم وأشجع جيش قاتل ضدنا, أبداً ما هزمناهم ولكن أبدناهم” كما كتب المراسل الحربي الذي رافق الحملة “جي. دبليو. ستيفنس” “إن جاز لي اليوم أن أقول قواتنا قد بلغت الكمال فلا بد لي أن أعترف بأن السودانيون بروعتهم فقد فاقوا حد الكمال” كما وصف ونستون تشرشل المراسل الصحفي قبل ان يصبح رئيس وزراء بريطانيا لاحقا، وصف الجيوش في معركة كرري بأنهم”الشجعان الذين قاتلوا بشرف واستشهدوا بشرف” ويقول تشرشل ايضا “شجاعة السود لا تقل اشتعالا عن رصاص بنادقهم” فكيف لاحفاد هؤلاء ان يرفعوا شعار لا للحرب الوضيع والمعيب الذي ينضح خوفا وجبنا وعمالة، شعار عدمي يردد هكذا بصورة هستيرية دون رؤية ودون أهداف، ودون التعمق في مراميه الخبيثة. لماذا تتوقف الحرب؟ وكيف؟ أبستسلام الجيش والمتمردين مازالوا يقاتلون ويهددون ويعربدون؟ أم بالترحيب بالمغتصبين وتهيئة المنازل لهم لممارسة إغتصاب النساء والفتيات وإشعال البخور لهم والتلذذ بالنظر إليهم؟ أم بالرضوخ والقبول لحكم التتر الجدد القائم على النظام الأسري؟ أم هو الجبن والخوف من الموت والإستعداد الفطري للإستعباد والإذلال “أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة” فالموت في سبيل كرامة الاوطان وعزتها حياة.
5
إن المعركة التي يخوضها الجيش السوداني ضد متمردي قوات الدعم السريع هي معركة كل السودانيين، أو هكذا ينبغي أن تكون، فهي حرب ضد تمرد و غزو خارجى و أطماع اجنبية اتخذت من آل دقلو وممن شايعهم, وممن حالفهم وناصرهم من العملاء والخونة الذين باعوا ذممهم بثمن بخس, مطية لتنفيذها. إن الحياد في مثل المعركة التي يخوضها الجيش الوطني، يعد مذمة وعيب وتفريط في الوطن مهما كانت المبررات التي يرددها دعاة شعار “لا للحرب” ومهما حاق بهم من غبن وظلم، او ضاع منهم، حلم وطموح في تولي الحكم والسلطة.
6
يردد سدنة شعار “لا للحرب” من السياسيين والناشطين المستَغْفَلِين بطريقة كورالية “ببغاوية” هذا الشعار دون تثبت او تحقق من اهدافه المشبوه فهو شعار مترع بالعمالة والخيانة، وينضح عارا وشنارا، ومنغمسا في العيب والعوار، تبنته النخب الفاشلة التي ادمنت عقوق الاوطان والإنبطاح في بلاط العمالة والتخابر والإرتزاق، هذه النخب التي تشربت زعاق وذعاف المؤامرة التي تسعى لخلخلة إستقرار الوطن، وتفتيت وحدته وترجيح كفة المتمردين على كفة قوات الشعب المسلحة في الحرب الدائرة، والتطبيع مع المشروع الإستعماري الجديد، من حيث تدري ولا تدري. ماذا اصاب أبناء الوطن البررة والاوفياء حتى ينساقوا بهذه السذاجة، وهذا الغباء، لتبني هذا الشعار وترديده بصورة اوبرالية، وقد بينت الحقائق على الأرض، وأظهرت افعال المتمردين الموثقة أنه غارق في العمالة والارتزاق, وما قصد به إلا حماية المتمردين ومناصرتهم، ماذا دهاهم، أيعقل ان يقدم شرفاء الوطن خلافاتهم السياسية على مصالح الوطن العليا التي لا تحتمل الحياد، ويترك الوطن هكذا تتخطفه المؤامرات ويعبث به الاشرار واحصنة طروادة من أبنائه.
7
إن رفض شعار “لا للحرب” وكشف عواره وعلله، وفضح ما ينضح به من عمالة وتخذيل، لا يعني بالضرورة الدعوة لاستمرار الحرب او “نعم للحرب” إنما هو موقف يؤكد الدعم المطلق للجيش، والتفويض الكامل له في تحديد مسار القتال حربا أو سلما, إستمرارا او إيقافا، فالجيش هو وحده المؤسسة التي تحدد متى تحارب، وكيف تحارب، ومن تحارب، ومتى تجنح للسلم والتفاوض، اما ان تنبري شرزمة للمناداة بوقف الحرب، والجيش ما زال يخوض معركة تحرير وبقاء, وأن العدو ما زال يقتل وينهب ويغتصب ويعبث بالمنازل والمراحيض بحثا عن الديمقرطية، يكون بمثابة دعوة للاستسلام والانكسارا, ودعوة للتخذيل والتخلّي عن مناصرة الجيش، بل يعد طعنة نجلاء في خصر الجيش وإعاقة وتعطيل عملياته العسكرية ضد المتمردين. لا للحرب موقف تكتيكي تسعى من خلاله الطقمة الفاشلة التي تلصصت على ثورة ديسمبر، وسرقت نضال الثوار، وباعت دماء الشهداء بالمناصب والكراسي عبر شراكة عرفت بشراكة الدم، تسعى للعودة مجددا لحضن العسكر عبر هذا الشعار العار بدعوى عودة العملية السياسية والاتفاق الإطاري الذي كان واحدا من الاسباب التي أدت لإندلاع الحرب. شعار لا للحرب يعد غطاء سياسي يتدثر برداء الحياد في معركة لا تحتمل غير الانحياز للقوات المسلحة. شعار لا للحرب لم يقم على مبدأ وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما بالعدل فإن بغت إحداهما فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ الى امر الله، ففي هذا المبدأ ليس هنالك حياد, فإما الوقوف مع القوات المسلحة والإصطفاف إلى جانبها والقتال معها وهذا هو الموقف الوطني السليم والمشرف, وإما مناصرة المليشيا المعتدية في حربها ودعمها معنويا والاجتهاد في إيقاف الحرب لتقليل اضرارها والمحافظة على سلامتها وسلامة عتادها وهو موقغ المرجفين والراجفين، فليس هنالك موقف وسطي او رمادي “فقاتلوا التي تبغي” والشرفاء يصطفون خلف الجيش ضد الفئة الباغية.
8
أفيقوا يا سدنة “لا للحرب” فإن المخطط اكبر من كراهية الكيزان، وأن المؤامرة تتجاوز عودة النظام السابق للحكم، وأن حسن النية والتفريط، او الأطماع والإنتهازية التي تتعاملون بها مع هذا الشعار، سيُضيّع السودان وقد رايتم بأُم اعينكم وانتم تنظرون للتتار الجدد ماذا يفعلون، ولقد سمعتم بآذانكم الى نوايا “جهادية” الالفية الثالثة ماذا يريدون. لا تحدثوننا عن فداحة الحروب ولا فظاعتها, فالحرب حينما تكون ضد الوطن، وضد كيانه ووحدته، وضد شعبه، ولإستئصال شأفته، عندئذٍ تكون مواجهة الاعداء مقدسة، تُبذل فيها النفس والنفيس، ولا حياد في مثل هذه المعارك. كثيرون ممن أصيبوا بالدهشة والعجب، والعجز والفشل، في استيعاب وفهم مواقف بعض الحمقى من المثقفين السودانيين والتي قادتهم دون حياءٍ لمناصرة القوات المتمردة و شتات المرتزقة، في حربهم ضد الوطن، متخفين خلف شعارٍ “خُنثى” شادوه على شفا جُرْفٍ هارٍ من الاوهام والغبن والغباء، فوضعهم في إصطفاف مع الاعداء الذين يحاربون الوطن من حيث يعلمون أو لا يعلمون. يناصرون المتمردين تحت دعاوى سخيفة، وحججٍ رعناءٍ وخرقاء، لا تقف على ساقين تأسست على إستنتاجات فطيرة مثل أن إنتصار الجيش يعني إستمرار تمسكه بالسلطة وأن الجيش مازال تحت إمرة اللجنة الأمنية، وهي لجنة كيزانية مما يعني عودة النظام البائد، في الوقت الذي يقاتل فيه الجيش لحماية بيضة الوطن من الزوال، وحماية الوطن من التفكك والإنهيار، وأن الجيش يقاتل للقضاء على المشرع الأسري الذي يهدف للإستيلاء على السلطة بفوهة البندقية والإرتهان لدول أجنبية، يقاتل الجيش لإفشال مؤامرة إختطاف الوطن والسيطرة على سيادته وطمس هويته. كونوا كما تريدون يا سدنة “لا للحرب”، ضد الكيزان، ضد البرهان، ضد اللجنة الأمنية، ضد عودة النظام السابق، وضد ….، كونوا مع الإطاري، والراعي الابالي، واليساري، والجذري، ولكن إياكم ان تتجردوا من وطنيتكم التي تستوجب وقوفكم مع الجيش كمؤسسة وطنية مهما كان رأيكم فيها، إياكم ان يحملكم إصطفاف الكيزان او غيرهم من الجماعات والفصائل السياسية ممن يختلفون معكم في التقديرات السياسية عن التخلّي عن جيشكم والإصطفاف ضده، إياكم أن تجعلوا مواقفكم الاستراتيجية مثل مناصرة الجيش أن تتأثر بكرهكم للنظام البائد ومنسوبيه فتصبح مواقفكم رغائبية لا مبدئية فيضيع الوطن. تذكروا أن تحتفظوا بقدر من الحياء والحشمة لتمكنكم من تحقيق طموحكم في حكم الشعب الذي يتعرض لأسوأ أنواع البطش والإذلال من فئة تركت قتال الجيش وأدارت معركتها مع المواطنين العزل تُقتل أبناءهم وتغتصب نساءهم وتنهب اموالهم، فكيف بكم يا سدنة “لا للحرب” يوم ان تعودوا للشعب وليس في وجهكم مزعة كرامة لتحدثوه عن العدل والسلام والحرية والرفاه وأنتم قد إصطففتم وناصرتم الفئة الباغية التي نكلت به وسامته العذاب.

# اللهم انصر القوات المسلحة وتقبل شهداءها واشفي جرحاها.

Krimhashimi5@gmail.com
0912677147

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق