مقالات
لا للحياد.. الحصة وطن
النذير إبراهيم العاقب:
ليس من شك، وقد ثبت بالدليل القاطع أن هناك الكثيرين جداً من السودانيين وقفوا مواقف مخذية جداً إزاء الحرب الدائرة في البلاد منذ الخامس عشر من أبريل 2023م، ولم يجرؤ أحدٌ منهم حتى الآن على إدانة ما حدث أو الوقوف مع الحق الذي هو بلاشك في صف القوات المسلحة السودانية الحرة الباسلة صمام أمان الوطن والمواطن، والتي ظلت تدافع عن الوطن منذ إنطلاق الطلقة الأولى وحتى اليوم، وبالفعل حققت إنتصارات فارقة ودكت حصون مليشيا الدعم السريع الإرهابية المتمردة وتمكنت من تدميرها شر تدمير، بيد أن موقف المحايدون مازال في نقطته الأولى ولم يغادرها قيد أنملة، فضلاً إنحياز الكثير من مَن يعتقدون أنهم قيادات سياسية يسارية للمليشيا المتمردة وإعلانهم الصريح ودون خجل الإنضمام إليها وصيرورتهم الجناح السياسي والإعلامي لها، وهؤلاء بالطبع هم المنضوون الآن تحت مسمى.. تنسيقية القوى المدنية.. تقدم.. والذين في الحقيقة يجب تسمية تنظيمهم هذا.. تنسيقية العملاء الخونة.. تقزُّم نكبة وسُبَّة السودان.
والثابت من خلال مجريات الأحداث ومطلوبات الراهن، أننا في السودان وأن واقعنا المعاش ليس في حاجة للحياد، لاسيَّما وأن الفترة العصيبة والحرجة التي يمر بها السودان الآن هذه ليست أزمة سياسية عابرة أو إختباراً عادياً لإرادتنا، بل هي معركة فاصلة تُحدد مصير وطن بأكمله، وأن من نواجهه اليوم من حرب شعواء كادت أن تقضي على الأخضر واليابس في السودان، ليست هي بحرب من عدو تقليدي واحد ومعلوم لدينا، وإنما هي حرب واسعة النطاق ومُدبرة تدبيراً واسعاً من قِبَل منظومة عالمية كبرى متكاملة، هدفها الأساسي إحداث الفوضى والوحشية في كل أقاليم البلاد، ومن ثم الإنقضاض على ما تبقى من السودان لإحتلاله تحت ذريعة التدخل الدولي لحفظ الأمن والإستقرار وذلك عبر نشر قوات دولية في السودان، وبداية ذلك بتحريض مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي تقدم باعتبارهما كيان فوضوي يتغذى على إنقسامنا الحادث الآن، ويسعى لترسيخ الإرهاب كواقع لا يمكن تجاوزه حتى تحقيق المخطط الدولي الرامي لتقسيم السودان لعدة دويلات، ومن ثم نهب ثرواته.
ولعنا حينما أصررنا على ضرورة تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية، لم يكن ذلك شعاراً رفعنا على لافتة، بل هو عهدٌ خططناه بدماء شهدائنا، وصرخةٌ مدوية أطلقناها أمام كل من يحاول كسر إرادتنا، وموقف يتجاوز كل الاختلافات، لاسيَّما وأن العدالة ليست إمتيازاً لفئة أو شعاراً لحزب، بل هي حقٌ أصيل لكل روح سودانية.
واليوم يتجاوز نداؤنا حدود الخطابات والبيانات ليصير التزاماً عملياً، ودعوة لكل سوداني وطني حقيقي أن يضع الإنسانية أولاً، وأن يرى في هذا التوحُّد مسؤولية شخصية لا يمكن التهرُّب منها.
ولعلنا بهذا لا نطلب المستحيل، بل نطالب بالحد الأدنى من الإنصاف، والذي يجب من خلاله محاسبة كل من أجرم في حق المجتمع السوداني، وأن يعرف العالم أن السودان ليس حقلاً للفوضى، بل وطنٌ يقاتل من أجل كرامته وعزته وسؤدده وسلامه وإستقراره ووحدته.
وليس من شك أن كل فرد منا نحن السودانيين من الناشطين في ساحات النضال الوطني الحق، إلى العامل البسيط في زاوية الوطن، يحمل جزءاً من هذا العبء، وأن كل كلمة تُقال وتُعبِّر عن الوطنية الحقَّة وكل فعل يُنفَّذ في هذا الخصوص، يُعتبر لَبِنةٌ أساسية يجب أن تُضاف إلى جدار صد المؤامرات الدولية والإقليمية والداخلية الرامية لزعزعة إستقرار الوطن، ويصمد أمام محاولات تدميره وتقسيمه وزعزعة أمنه وإستقراره.
ويجب من خلال تمسكنا بما سقناه أعلاه من مبادئ وقِيَم أن نصنع من وحدتنا سلاحاً، ومن إيماننا بالعدالة رايةً تُرفرف فوق كل إعتبارات السياسة، لاسيَّما وأن ما يدور من حرب الآن في السودان ليست معركة شخص أو جهة، بل معركة شعب يجب أن يواجه الظلم مهما كلَّفه الثمن، معركة ضد من يحاولون اغتيال الحلم السوداني وطمس إرث وموروثات وقِيَم شعب العظيم، وهو الأمر لا ينتظر كلمات مجاملة أو وعود فارغة لضحده وصدِّه بالغالي والنفيس. والسودان الآن في أمس الحاجة لتكاتف وتعاون شعبه بلا استثناء لنعيد له كرامته وصون تاريخه وفتح طريق المستقبل أمهامه، وإنها بحق لحظة إختبار لإرادتنا السياسية والمجتمعية والوحدوية، لحظة نتجاوز فيها الألم والإختلاف والإنشقاق بهدف بناء وطن يليق بنا وبتضحياتنا وبعزتنا وكرامتنا، الأمر الذي يستوجب أن نكون بالفعل ذلك الصوت الذي لا يهاب، والفعل الذي لا يتردد، والاتحاد الذي لا يُكسر.
وحتماً، ومتى ما نفذنا ذلك واقعاً ملموساً، فسيأتي اليوم الذي نرى فيه إعترافاً وإعتذاراً من بعض الدول التي تم إستغلال مواطنيها كمرتزقة في صفوف قوات الدعم السريع، ومن كل الدول التي دعمته، وهذا الإعتراف سيكون في لحظة تاريخية تضيء الحقيقة المؤلمة التي عاشها السودان بفعل تلك المؤامرات القذرة، وعلى يد هذه القوات المارقة التي تواصل وداعميها حتى الآن، وإلى حين الحسم لهذه الفوضى ممارسة الإرهاب بأبشع أساليبها اللا إنسانية واللا أخلاقية وسط الشعب السوداني الأبي، لاسيَّما وأن هذه المليشيا قد عمدت إلى إستخدام كل الوسائل المتاحة لإذلال الشعب السوداني وتدمير كرامته وإنسانيته، في محاولة يائسة لتقويض إرادة هذا الشعب الذي لطالما ناضل من أجل حريته وكرامته والمحافظة على أمنه وإستقراره.
ونُكرِّر أن ما يحدث الآن في السودان الآن ليس مجرد صراع داخلي، بل هو حرب إرهابية عالمية إقليمية ممنهجة تعكس أبشع صور القمع والظلم.
ونحن متى ما إتحدنا من أجل المحافظة على وحدة السودان من منطلق إيماننا بأن هذه المليشيا المجرمة لا مكان لها في وطننا أو في الإقليم، بحكم أنها تُشكِّل تهديد مباشر ليس فقط لأمن السودان، بل أيضاً للسلم الإقليمي والدولي على العموم، وإن ما تمارسه هذه العصابة الإجرامية من انتهاكات يعكس حقيقة أنها ليست مجرد مجموعة مسلحة، بل هي منظمة إرهابية يجب أن تُصنَّف على هذا النحو من قبل المجتمع الدولي ككل، ومن الواجب على العالم أن يتعامل بحذر ووعي في هذا الخصوص، وأن يُدرِك خطورة وجود هذه المليشيا الإرهابية التي تسعى فقط لتحقيق مصالح ضيقة على حساب دماء الأبرياء العُزَّل من الشعب السوداني.
وهو الأمر الذي يستوجب على المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية عاجلاً وغير آجل، وبالإجماع، وأن لا يسمح من بعد لأي دولة بأن تدعم هذه المليشيا وتعطيها مجالاً للنفوذ أو التأثير في السودان، ومن الضروري تجاوز سياسات توازن الضعف أو التضليل التي قد تروج لها بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأن يكون السودان فوق أي مصالح ضيقة أو أجندات خبيثة، وعلينا جميعاً كسودانيين، وعلى المجتمع الدولي كذلك الآدراك التام بأن السودان الآن بحاجة ماسة إلى العدالة والكرامة والأمان والسلام المستدام، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحقق هذا في ظل وجود جماعات إرهابية ممثلة في مليشيا الدعم السريع الإرهابية المتمردة لتهدد استقراره وأمنه وسلامة أراضيه.
وعلى الشعب السوداني التكاتف والتكافل المثمر من أجل المحافظة على وحدة السودان، وذلك عبر نضال نابع من قلب كل سوداني شريف يرى وطنه ينزف ويتعرض للتهديد، وأن لا نسمح لهذه المليشيا وإمارات الشر الداعم الرئيسي لها بأن تُقَطِّع أوصال بلادنا وتُدَنِّس كرامة شعبنا، والذي يستوجب الأمر أن يكون حراً ومستقلاً وآمناً ومستوعباً لكل أبنائه، بعيداً عن القوى التي تهدد إستقراره وأمنه، ومن هذا المنطلق نؤكد أن تصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية ليس حقٌ للسودانيين فقط، بل هو واجب على المجتمع الدولي لدعم الحق والعدالة في السودان.
ونعتبر أن هذا التحرك هو رسالة أخلاقية للعالم، من منطلق إيماننا أن العمل من أجل مستقبل أفضل للسودان يجب أن يقوم على إحترام كرامة الإنسان وسيادة الأوطان، وتجنُّب أي مساعي لتمزيق السودان تحت ذريعة المصالح الضيقة، لاسيَّما وأن السودان هو وطننا وسؤددنا وعزنا، ويجب أن نعمل جميعاً من أجل حمايته ورفعته بعيداً عن كل ما يُعكِّر صفو إستقراره وإستقلاله ووحدته وإزدهاره.