حوارات وتحقيقات
الحلو : لا توجد حكومة معترف بها لتصريف شؤون الدولة
الإنقلابيين رهنوا الوطن لسياسات وأجندة محاور خارجية أفقدته سيادته وإستقلال قراره
الحلو في مقابلة مع موقع SPLM:
– السبب وراء فشل النخب فى التوافق يرجع لخوف النخب جميعها من إنزال شعارات إنتفاضة ديسمبر إلى حيز التطبيق
– أساس الأزمة فى الهوية الوطنية للدولة، ولا خلاف حول الهوية الفردية والجمعية
– ما يجمع بين الوثيقة الدستورية ومقترح الدستور الإنتقالى المطروح من نقابة المحامين هو تجنب مخاطبة جذور الأزمة
– للأسف كل المبادرات السياسية المطروحة، وعلى كثرتها تجنبت تناول جذور الأزمة. أما مبادرة الشيخ الطيب الجد فقد هدفت وبشكل مفضوح لإعادة المؤتمر الوطنى إلى الواجهة عبر حلفاءه وواجهاته القديمة
– التفلتات الأمنية فى البلاد نتيجة منطقية لتسليح المواطنين ضد بعضهم
– من ينتظر تخلى العسكر عن السلطة كاملة للمدنييت كما فعل عبود من قبل فهو ليس إلا واهم.
حوار: الجاك محمود
splmn.net
ظل رئيس الحركة الشعبية، والقائد العام للجيش الشعبى لتحرير السودان – شمال، القائد عبدالعزيز آدم الحلو ولفترة ليست بالقصيرة بعيدا عن الظهور والتحدث لوسائل الإعلام. إتصلنا به من الموقع الرسمى فى بحر الأسبوع الماضى وطلبنا منه إجراء هذه المقابلة الصحفية النادرة والمهمة فوافق على الفور على الرغم من كثرة الهموم والشواغل وإزدحام جدول أعماله. وأخيرا نجحنا فى إستنطاق رجل المهام الصعبة حول قراءته لتطورات المشهد السياسى فى السودان فتحدث حول أخطر قضايا الراهن السياسى. وفى معرض رده على سؤالى المباشر، هل أنت وحدوى أم إنفصالى؟ أجاب الحلو قائلا: (إن الحركة الشعبية التى أنتمى إليها هى حركة وحدوية رؤية وبرنامجا، ولكن إذا كنت تبحث عن الإنفصاليين الحقيقيين فعليك التوجه إلى الخرطوم حيث تجد عتاة الإنفصاليين من حملة المشاريع والبرامج المفصلة والكافية لتفتيت السودان وتقطيع أوصاله). وعلى الرغم من الصورة القاتمة التى رسمها الرجل للمشهد السياسى فى السودان إنطلاقا من قراءته الفاحصة وتحليله العميق للأوضاع والحقائق على الأرض، إلا أن الحلو ما زال يرى أن هنالك فرصة للسلام والوحدة العادلة تتمثل فى التمسك بمشروع السودان الجديد، وشدد على أن إنجاز ذلك يتطلب توفر الإرادة لدى النخبة الحاكمة لجهة وضع نهاية للحروب الأهلية المتكررة فى السودان. وأردف الحلو أنه لا بد من العودة لمنصة التأسيس لإنتاج دستور يقوم على مبادئ فوق دستورية تضمن الحقوق والحريات الأساسية فى وطن يسع الجميع، فإلى مضابط الحوار:
س: بداية، كيف تقرأ المشهد السياسى فى السودان بعد مرور نحو عام على إنقلاب العسكر؟
ج: فى البداية التحية لكل شهداء الكفاح المسلح والإنتفاضات السلمية السودانية وضحايا الإنتهاكات المتنوعة على يد الدولة السودانية.
فى الإجابة على سؤالك، الحقيقة لا توجد حكومة معترف بها لتصريف شئون الدولة منذ ٢٥ أكتوبر، وقد ترتب على الإنقلاب حالة من العزلة الإقليمية والدولية. أما إقتصاديا ونتيجة للتدمير المستمر للبنيات الإنتاجية، فقد تدهورت قيمة العملة الوطنية مع تقلبات مستمرة فى أسعار صرف الجنيه، والنتيجة تضخم هائل وإرتفاع فى أسعار السلع الضرورية بصورة لا تطاق. هنالك إرتفاع فى معدلات البطالة وسط الشباب، رافق كل ذلك فشل الإنقلابيين فى توفير أبسط الخدمات الضرورية للمواطن بدءا من الأمن، الصحة، مياه الشرب النظيفة، التعليم، الكهرباء إلخ….إلخ. إستمر الإنقلاب فى إراقة دماء المتظاهرين السلميين ووأد جميع شعارات إنتفاضة ديسمبر (حرية – سلام – وعدالة)، بل يحاول الإنقلابيون إعادة فلول النظام البائد وكوادر المؤتمر الوطنى إلى الواجهة ليتمكنوا من إحكام قبضتهم مرة أخرى على الخدمة المدنية، مفاصل الإقتصاد، مؤسسات الإعلام ومناهج التربية والتعليم إلخ.. إلخ ليزيدوا الطين بلة…. ولكن بلغت بهم الجرأة أخيرا حدا أعادوا به قانون النظام العام لمواصلة قمع وإذلال المواطنين، إضافة لإحياء وتفعيل كل منظمات وواجهات الإسلاميين. الأدهى أن الإنقلابيين رهنوا الوطن لسياسات وأجندة محاور خارجية أفقدته سيادته وإستقلال قراره.
س: وكيف تفسر فشل النخب الحاكمة، عسكرية ومدنية فى التوافق على برنامج سياسى لإدارة فترة الإنتقال لعام كامل، أى منذ ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١؟
ج: بالنسبه للعسكريين هناك شيئان يحكمان موقفهم، أولهما التنصل من إعلان المبادئ الذى قاموا بتوقيعه مع الحركة الشعبية فى مارس ٢٠٢٢، وثانيهما عدم الرغبة فى تسليم السلطة للمدنيين بعد إنقضاء الأجل أو إنتهاء فترة المكون العسكرى. بمعنى أن العسكريين لا يرغبون فى السلام، وهم لا يستطيعون ولا يجدون أى مبرر للإستمرار فى السلطة إلا فى ظل إفتعال الأزمات وإشعال الحروب، وفطامهم من السلطة فى الجانب الآخر دونه خرط القتاد، وقد ظلوا يحكمون البلاد ل ٥٦ سنة من جملة ٦٦ سنة هى عمر السودان المستقل. ولكن السبب الأساسى وراء فشل النخب، عسكرييها و مدنييها فى التوافق يرجع لخوف هذه النخب جميعها من إنزال شعارات إنتفاضة ديسمبر (حرية – سلام – وعدالة) إلى حيز التطبيق، لأن هذه الشعارات تتعارض مع المصالح والإمتيازات التى
ورثوها منذ خروج الإنجليز فى ١٩٥٦. بمعنى آخر الخوف من دفع إستحقاقات الوحدة العادلة، علما بأن الأسئلة المطروحة اليوم هى ذات الأسئلة التى كانت قائمة وشاخصه منذ العام ١٩٥٦، وواجهت إنتفاضتين سابقتين وحكومتين إنتقاليتين قبل الحالية. مع ملاحظة أن العنصر المشترك فى كل تلك المحطات هو فشل أو تفادى النخب مخاطبة جذور الأزمة الوطنية.
س: ما هى جذور هذه المشكلة، أى الأزمة الوطنية السودانية؟
ج: أساس الأزمة الوطنية يتمثل فى مشكلة الهوية، أى هوية الدولة السودانية. فعندما أعلنوا فى العام ١٩٥٥ أن الدولة السودانية عربية إسلامية، لم يعترف بذلك معظم المواطنين السودانيين، بل قاوموا ذلك بشدة حتى إنفصل جنوب السودان فى العام ٢٠١١. ثم ظهر الجنوب الجديد على الفور والذى يمتد من النيل الأزرق فى الحدود مع إثيوبيا، مرورا بجبال النوبة، منطقة أبيى وحتى دارفور على الحدود مع أفريقيا الوسطى – شاد – ليبيا ومصر .
س: لماذا تعتبر الهوية مشكلة؟ ألا يحق للعربى السودانى أن يكون عربيا، وللبجاوى أن يكون بجاويا، و المسلم مسلما؟
ج: لا خلاف حول الهوية الفردية أن تكون عربى أو فوراوى، مسلم أو مسيحى، شمالى أو غرباوى، و كذلك بالنسبة للهويات الجمعية سواءا كانت لجماعة دينية، إثنية أو قومية أيضا ليست محل نزاع. المشكلة فى هوية الدولة لأنها تعتبر نفسها الممثل الشرعى للهويات الفردية والجمعية لمواطنيها. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الهوية التى تتبناها الدولة تخلق الإمتيازات فى إحتكار حيازة السلطة والثروة لبعض الجماعات، وتعمل على حماية إمتيازات هذه الجماعات بإستخدام القوة وبالقوانين والتشريعات العنصرية و الدينية. يتم ذلك سواءا بوعى أو دون وعى من الجماعة المهيمنة صاحبة الإمتيازات.
س: هل تلعب قضية الهوية دورا فى عملية التهميش؟
ج: طبعا تلعب قضية الهوية دورا أساسيا فى عملية تهميش بعض المواطنين، حيث يتم إستبعاد الكيانات التى لا تنتمى إلى ثقافة المركز من حيازة السلطة والثروة بتضييق فرص حيازتها عليهم.
س: إذن التهميش يشمل مجالى السلطة والثروة؟
ج: التهميش يشمل مجالات أكثر و هو على درجات كذلك. هناك التهميش السياسى ويرتبط بعلاقات السلطة، حيث تستأثر النخب بالسلطة. وهناك التهميش الإقتصادى والتهميش التنموى ويعتبر تهميش بسيط حيث ينقسم فيه الناس إلى من يجدون سهولة فى كسب العيش ومن يجدون صعوبة فى سبل كسب العيش، و يشمل الفقراء عموما غض النظر عن إنتماءاتهم العرقية/الثقافية أو الدينية أو الجهوية أو النوعية/الجندرية. وهناك تهميش مركب تتداخل فيه عوامل كثيرة تحرم الأفراد والجماعات من الحقوق التى يتحصل عليها الآخرون. تشمل هذه العوامل بالإضافة للعامل الإقتصادى العوامل العرقية، الثقافية، الدين، اللون، الجهة…. وبذلك يتفرع التهميش لعدة درجات وفقا لهذه العوامل. حيث نجد فرق بين فقير من غرب السودان وفقير من إثنيات السودان مثلا.
س: ألا تعتقد أن إتهام النخب بتجنب مخاطبة جذور الأزمة غير موفق، لأن قوى الحرية والتغيير على سبيل المثال فاوضت المجلس العسكرى بعد سقوط البشير ونجحت فى التوصل للوثيقة الدستورية التى عالجت الكثير من التحديات التى ذكرتها، أليس ذلك صحيحا؟
ج: الوثيقه الدستورية لم تكن بمستوى التضحيات التى قدمت من أجل التغيير، ولا بحجم المشكلات التى تواجه البلاد. الوثيقة الدستورية ولدت معطوبة وبدلا من أن تجيب على ااسؤال كيف يحكم السودان فاقمت من الأزمة على الأقل بمادتين وردتا فى متنها، أولاهما: قامت بإلغاء دستور ٢٠٠٥ مع الإبقاء على القوانين الدينية ( قوانين الترابى) كما هى، وفى ذلك تناقض بائن، لأنه إذا كان دستور ٢٠٠٥ غير صالح، فكيف تصلح القوانين المستمدة منه؟ وثانيتهما: الإعتراف بالدعم السريع وتقنينه كجيش وطنى موازى للقوات المسلحة السودانية وهذه سابقة خطيرة لم تحدث من قبل فى أى مكان آخر من العالم، حيث عجز المحللون عن إيجاد تفسير لهذا القرار ودوافعه. هذا ناهيك عن عدة قضايا وطنية ملحة لم تجد حظها من المعالجة بواسطة تلك الوثيقة. إن إستمرار الأزمات دليل على فشل تلك الوثيقة وإختلالاتها.
س: ألا يشكل مقترح الدستور الإنتقالى المطروح من نقابة المحامين بديلا موضوعيا للوثيقة الدستورية؟
ج: لا فرق بينه و بين الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ من حيث المضمون، اللهم إلا إذا كان فى الشكل، أو فى إختلاف الجهة المنتجة من حيث خلفيتها القانونية. لكن ما يجمع بين الدستور المقترح من المحامين والوثيقة الدستورية هو تجنب مخاطبة جذور الأزمة. و بنظرة واحدة للباب الأول فى مشروع الدستور الإنتقالى المقترح والمعنون بأحكام تمهيدية، تكفى لإكتشاف محاولة منتجيها القيام بالتمويه والفهلوة والتذاكى. رغم أنه قد طرح نفسه كبديل لوثيقة ٢٠١٩ و طالب بإلغاءها………..ولعل أبرز عيوب مقترح الدستور الإنتقالى هو تجاهل منتجى مقترح الدستور عمدا تقديم معالجة لسؤال طبيعة الدولة بشكل جذرى. وتكمن أهمية هذا الفصل فى كونه معنى بالإجابة على سؤال الهوية الوطنية للدولة بشكل دقيق، كما هو معنى بتحديد علاقة الدين بالدولة. وهذا يجسد مثال آخر للهروب من مخاطبة جذور المشكلة السودانية، ومقاومة التغيير الجذرى ورفض أى مساس ببنية الدولة القديمة فى الدساتير السودانية منذ خروج المستعمر إلى الآن، الأمر الذي يجعلنا نقول أن الفراغ الدستورى في الدولة السودانية تاريخى و ليس قاصرا على الفراغ الدستورى الأخير الذى أحدثه انقلاب ٢٥ أكتوبر لوحده.
س: كيف تنظر للمبادرات السياسية المطروحة للخروج من الأزمة السياسية؟
ج: للأسف كل تلك المبادرات السياسية، وعلى كثرتها بما فى ذلك مبادرة الشيخ الطيب الجد تجنبت تناول جذور الأزمة، ولا يزال جل تركيزها منصبا على تقاسم السلطة وتوزيع المناصب ليس إلا….أى تغطية النار بالعويش. أما مبادرة الشيخ الطيب الجد، فإنها فوق كل ذلك هدفت وبشكل مفضوح لإعادة المؤتمر الوطنى إلى الواجهة عبر حلفاءه وواجهاته القديمة للمشاركة فى سلطة الإنتقال.
س: مرة أخرى، هناك إنجاز يحسب لصالح حكومة الشراكة الإنتقالية وجديتها فى العمل لوضع نهاية للحرب و تحقيق السلام، وهو إتفاق جوبا للسلام. ألا يعتبر ذلك الإتفاق دليل على حرص تلك النخب على السلام والوحدة؟
ج: العكس هو الصحيح، إتفاق جوبا كان عبارة عن صفقة بين النخب وجنرالات الجبهة الثورية ولا علاقه له بالقضايا المصيرية التى تهم المجتمع السودانى. بإختصار إتفاق جوبا كان محاصصة تم فيها إشراك قادة الجبهه الثوريه فى بعض المواقع بالمركز لتحييدهم. لكن الإتفاق تجنب مناقشة القضايا الجوهرية و خاصه آليات التمركز والتهميش التى أفرزت الصراع الدائر منذ العام ١٩٥٦.
س: وماذا عن قادة الجبهة الثورية الذين يشاركون الآن فى الحوارات الدائرة فى الخرطوم لتحقيق التوافق؟ ألا يشكلون عنصرا جديدا قد يدفع بإتجاه الخروج من النفق؟
ج: لا جديد عند قادة الجبهة الثورية المشاركين فى الحوارات الدائرة الآن فى الخرطوم ….(هم مجرد إنتهازية هامش) تم إشراكهم فى بعض المواقع بالمركز مقابل إمتيازات فردية وأسرية، بغرض تغييب القاعدة الإجتماعية/الثقافية التى ينتمون إليها. ودورهم الآن محصور فى تمييع الصراع وتزييف الواقع القائم على الظلم والإقصاء.
س: تشهد أجزاء واسعة من البلاد مواجهات قبلية دامية و تفلتات أمنية خطيرة، إلى ماذا تعزون حالة السيولة الأمنية؟
ج: طبعا العنف هو المصدر الأوحد لمشروعية الدولة الحديثة فى السودان منذ نشوءها فى العهد التركى المصرى وإلى اليوم. لذلك فإن النخب الحاكمة فى السودان إستمرت فى فرض وحماية الأوضاع السياسية المختلة بالقوة عبر إستخدام أجهزة العنف النظامية وتسليح المواطنين، الأمر الذى ولد الإستبداد السياسى المحمى بالسلاح، وبالتالى الحروب الأهلية. حكام السودان لا يملكون سعة صدر للإستماع لمظالم أو مطالب المواطنين. دائما ما يلجأون للعنف فيما لا يستدعى عنفا…وأنه إذا خرج عشرة من تلاميذ مدرسة أولية يطالبون بأقلام رصاص فإن نصيبهم سيكون دانات آربجى وطلقات المدافع المضادة للطائرات، بدلا عن الجلوس معهم وافهامهم ان مصنع أقلام الرصاص معطل وعليكم إستخدام أقلام الحبر لحين صيانته ( هذا إذا كان لدينا فى السودان مصنع لإنتاج أقلام الرصاص أصلا). و ما حادثة إغتيال العشرات من مزارعى مشروع جوده فى فجر الإستقلال إلا مثالا من عشرات الحوادث التى قتلت فيها الدولة مواطنين عزل، لا لشئ سوى لإسكات إرتفاع أصواتهم بمطالب عادلة. ولم نسمع بأى إعتذار أو تعويض لذوى الضحايا حتى اليوم رغم مرور ٦٦ سنة على حادثة عنبر جوده، وينطبق هذا على بقية الضحايا. وعليه، فان التفلتات الأمنية فى البلاد والتى ذكرتها هى نتيجة منطقيه لعملية تسليح المواطنين ضد بعضهم والذى قامت به النخب الحاكمة نفسها لتحمى سلطتها …. و هذا دليل على سياسة فرق تسد المعتمدة بواسطة الدولة، وهى واحدة من تمظهرات فشل الدولة السودانية.
س: هنالك ترويج فى الوسائط الإعلامية هذه الأيام بأن العسكر يطالبون المدنيين بتعيين رئيسين مدنيين، أحدهما لمجلس السيادة والآخر لمجلس الوزراء….هل تعتقد أن العسكر صادقين فى مغادرة المشهد السياسى وتسليم السلطة كاملة للمدنيين؟
ج: عسكر اليوم يختلفون عن الفريق عبود والمشير سوار الدهب من ناحية الصحائف والتربية إلى حد ما. وبعيدا شهوة السلطة المعهودة عند ضباط الجيش السودانى بصورة عامة، فإن هؤلاء يتخذون من السلطة درعا واقيا من المساءلة ومهددات أخرى مباشرة لأشخاصهم…..لذلك من ينتظر تخلى العسكر عن السلطة كاملة للمدنيين كما فعل عبود من قبل فهو ليس إلا واهم.
س: وما هو المخرج إذن بعد كل هذه الصورة القاتمة التى رسمتها للأوضاع فى البلاد؟ وهل هناك فرصة للسلام والوحدة؟
ج: هناك إمكانية ومساحة للسلام الدائم والوحدة الصحيحة العادلة…..و تتمثل فى التمسك بمشروع السودان الجديد والعمل على إنجازه، ولكن ذلك يتطلب توفر الإرادة لدى النخبة الحاكمة لوضع نهاية للحروب الأهلية المتكررة فى السودان بالعمل على الآتى :
– الإعتراف بأن هناك مشكلة مزمنة فى السودان، وأن مشكلة السودان سياسية و ليست أمنية و تحتاج لحل سياسى شامل.
– إعطاء الأولوية للوحدة الطوعية القائمة على إحترام الإرادة الحرة للشعوب السودانية و حقها فى تحديد مستقبلها السياسى والإدارى على أساس اللامركزية. و ذلك عبر الإعتراف بالتعدد العرقى، الثقافى، اللغوى والدينى. وعلى أن ينعكس ذلك فى هياكل السلطة، المؤسسات الإعلامية والمناهج التعليمية إلخ…إلخ. بمعنى آخر لا بد من العودة إلى منصة التأسيس وإنتاج دستور يقوم على مبادئ فوق دستورية، تضمن الحقوق والحريات الأساسية للجميع لأجل بناء دولة علمانية ديموقراطية تكون المواطنة فيها أساس الحقوق والواجبات، أى بناء سودان جديد مكان السودان القديم المأزوم.
س: بناءا على ما جاء فى هذا اللقاء بدر لى سؤال اخير. هل أنت وحدوى أم إنفصالى؟
ج: الحركه الشعبية التى أنتمى إليها وحدوية رؤية وبرنامجا…..لكن إذا كنت تبحث عن الإنفصاليين الحقيقيين فى السودان، فعليك التوجه إلى الخرطوم حيث تجد عتاة الإنفصاليين من حملة المشاريع والبرامج المفصلة والكافية لتفتيت السودان و تقطيع أوصاله…..انظر إلى تشريعاتهم وكل قوانينهم المعدة بعناية للتفريق بين المواطنين السودانيين وتقسيمهم كيفما أتفق. عليك الذهاب إلى الخرطوم لتراهم، وبالتأكيد فإن إستمرار هؤلاء فى عدم معالجة جذور المشكلة سيدفع الشعوب السودانية لخيارات أخرى.
س: هل من كلمة أخيرة؟
ج: نؤكد لعضوية الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال ولكل الشعوب السودانية أن حركتكم ستظل تناضل من أجل إنجاز مهمتها التاريخية المعلنة فى المنفستو والدستور والذى تم تفصيله فى البرنامج السياسى، لذا نثمن جهود وتضحيات الشعوب السودانية الصامدة التى ما زالت تقدم أغلى ما لديها من أجل تحقيق السودان الجديد الذي يسع الجميع.