مقالات

فراش القاش وفراشات حمى الضنك

صوت القلم

د.معاوية عبيد:

يقول طاغور: “لا تُحصي الفراشة الشهورَ التي تمرُ بها، بل اللحظات التي تعيشها، ولديها لِأجل ذلك كل الوقت الكافي”، فهل نستطيع أن نعيش مثل الفراشات؟ كائنات عجيبة متنوعة، تسرُّ الناظرين بألوانها الساحرة، تتنقل ما بين زهرة وزهرة، عمرها قصير لكنها تبعث في الحياة جمالًا ومسرة!
للفراشات دور مهم في حياة الإنسان، فهي ملقحات للزهور وبدونها لا نستطيع الحصول على ثمار أو بذور بعض المحاصيل، وهناك بعض أنواع العث لها دور كبير في بقاء واستمرارية بعض النباتات مثل عث نبات اليَكَا،وبعض الدول تستفيد من الفراشات في صناعة الحرير من خلال تربية دودة القز (أو عثة الحرير) على أوراق التوت ، وبعضها إنشاء حدائق للفراش بغرض السياحة والتعليم والتثقيف البيئي، وإنشاء مدارس فنية ومصانع ملحقة تقتبس من أنواع محلية من الفراش تصاميم لمنتجات جمالية مختلفة كالأقمشة والحقائب والديكور. هناك أيضًا شعوب تأكل يرقات الفراش؛ جانب آخر إيجابي هو أن الفراش النهاري وبعض مجموعات من العث لها ألوان جميلة تفرح وتبهج، كذلك طيرانها ورفرفتها وجلوسها على الزهور يسعد الرائي،هناك جانب سلبي في الفراشات لأن منها أنواعًا عديدة مضرة بالمحاصيل بسبب تغذي اليرقات على هذه المحاصيل مثل دودة ورق القطن أو بسبب تغذي البالغات على أشجار الفاكهة، مثل العث الثاقب للثمار، ومنها ما هو آفة على نحل العسل، فهناك أنواع من العث مخربة للشمع وأنواع سارقة للعسل. ويمتد الأثر المدمر إلى المنتجات النباتية والحيوانية المخزنة، فهناك عثة الحبوب التي تتغذى على القمح وغيرها من بذور الغلال، وعثة الصوف التي تتغذى على الأقمشة والملابس الصوفية والحريرية والجلدية.هناك أيضًا بعض أنواع من الفراشات لها يرقات مشعرة أو مشوكة قد تسبب حين تُلمس، بقصد أو غير قصد، حساسية جلدية للعاملين في الزراعة أو في الغابات أو للسياح؛ بسبب الغدد السامة المتصلة بالشعر والأشواك التي تغطي أجسامها. هناك أيضًا حالات نادرة من العث المزعج الذي يتغذى على السائل الدمعي في العيون أو على سوائل الجروح المفتوحة أو يقوم بالعض للتغذي على الدم بعد ثقب الجلد ، تلك هي أنواع وفوائد و مضار الفراشات ، لكن عندما تزور مدينة كسلا تمني نفسك بي شوفت فراش القاش … زرت مدينة كسلا كثيراً وكنت أمني نفسي أن ( اشوف ) فراش القاش
مين علمك يا فراش
تعبد عيون القاش
الخضرة فى الضفة
وهمس النسيم الماش
على حمرة الوردة
وحب الندى الرقاش
كنت اتمني ان أشاهد هذه المناظرة الجميلة التي تسر العين لكن احيانا كثيرة تكون الزيارة قصيرة ، لكن هذه المرة كانت زيارتي طويلة الأمد، لكن رغم عن ذلك لأول مرة أدخل مدينة كسلا وأنا خائف أترقب واحتبس الأنفاس، كسلا التي يحيط بها توتيل ويزينها و يحضنها القاش الذي رحل عنها قبل أن أصلها بشهر تقريبا لذلك همست في سري
غافل وما عارف
انو الزمن غشاش
بالله ليه يا فراش
خلاك وراح القاش
راح القاش وراحت نضارة كسلا وراح معها كل الجمال هذه المدينة التي يحضنها القاش أصبحت تحيط بها حمى الضنك من كل صوب.

كسلا بعد أن كانت تغرق بالقاش، اليوم تغرق بالفارين من جحيم الحرب وهم يحيطون بها من كل مكان. غاب القاش وغابت فراشات القاش وظهرت فراشات حمى الضنك.

غاب العندليب وظهر البكاء والنحيب على فقدان القريب و الحبيب
القاش وشمس الصيف
والقيف بعاين القيف
والدمعة فى الرملة
ما بتحكى شوقك كيف
وانت تتجول في كسلا و على ضفاف القاش لا يجذبك جمال رماله ولا فراشات القاش بل تجذب ناظريك تلك الفراشات التي تتزين أيدي المارة بها ( فراشة حمى الضنك) ، كل من يقابلك يحكي لك عن مأساة حمى الضنك معه وكم فقد عزيز وفقد شهية الاكل ويحكي لك عن الفراشة التي في يده (الكانيولا) وهو يتألم ، يحكي لك عن كيف أن المستشفيات امتلأت بالمرضي ، واصبح إيجار سرير ( حسن عدس ) بي خمسة الف جنيه ، في المستشفي العام ، أما المستشفيات الخاصة حدث ولا حرج زحمة مبالغة .
عندما تحضر الي كسلا تسمع نغمة نمشي لي توتيل نزورها و الجبل نعسان خداره، واشرب من مياه توتيل عشان ترجع لكسلا ، لكن هذه المرة لم يعد هنالك خدار نعسان ، و الجبل ازدحم بالسكان ، وبدأنا نسمع نغمة اخلط القرع بالعرديب و اشرب حتي تنجو من حمي الضنك،كسلا الشاربة من الطيبة لكنها اليوم عطشي من الماء، تملأ جسدك بدربات الرنقر و الملح الجلوكز ، أين تذهب مياه القاش !! وغيره من الوديان
تألمت جداً وأنا أشاهد الألم علي وجوه أهل كسلا الشاربين من طيبة الوريفه ، وبي ظلالها و بي جمالها ورغما عن ذلك تجد الكآبة علي وجوههم ، وهم قد ارهقتهم حمي الضنك وحمي الكنكشة و كل أنواع الحمايات اخذت دورتها في أهل هذه المدينة خاصة الوافدين اليها بسبب الحرب تفننت هذه اللعينة فيهم و في صغارهم ، .و للأسف قد جاءت هذه الأمراض من دول جارة .
باكر بعود القاش
ترجع عيونو حنان
وتطير تداعب الموج
بجناح نسيم ريان
لكنى لو زيك
لو جار حبيبى زمان
ما اظن أعود يا فراش
لى زول نساني وخان
أتمنى أن يعود القاش وتعود الفرحة لهذه المدينة ويعود كل الذين شردتهم الحرب إلى ديارهم ويعم السلام البلاد.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق